نشر American Enterprise Institute« AEI» مقالا لـ«ميشيل روبن» المتخصص فى شئون الشرق الأوسط حول حقوق الإنسان والتى يتم انتهاكها منذ القدم وإلى وقتنا هذا، وردود الأفعال تجاه ذلك التعدى، والتى غالبا ما تتمثل فى التجاهل وغض الطرف عن أى انتهاكات كالمذابح وعمليات الإبادة الجماعية وبخاصة من بعض الديمقراطيين والليبراليين الذين يرددون دوما المبادئ التى ترفض كل هذه الأفعال غير الإنسانية.
يبدأ «روبن» بالإشارة إلى عدد من المذابح والمجازر التى شهدتها الإنسانية مثل ما حدث فى كل من أرمينيا (القتل الممنهج للسكان الأرمن على يد الجيش التركى أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى) وأوشفيتز (المعسكر الذى قامت ببنائه ألمانيا ببولندا خلال الحرب العالمية الثانية أثناء الاحتلال النازى لبولندا من أجل القتل والإبادة) ورواندا (حين شن قادة متطرفون بجماعة الهوتو التى تمثل الأغلبية فى رواندا عام 1994 حملة إبادة ضد الأقلية من التوتسى وخصومهم السياسيين الذين لا ينتمون إلى أصولهم العرقية، وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم، قُتل ما يربو على 800 ألف شخص). وسربرنيتسا (شهدتها البوسنة والهرسك عام 1995 حينما قامت وحدات من الجيش الصربى بعمليات تطهير عرقى ممنهج لنحو 8000 من المسلمين البوسنيين) وأخيرا ما يحدث الآن فى حلب والذى أضحى رمزا للإبادة الجماعية، وبات عارا على المجتمع الدولى المعاصر كل ما يحدث والذى يؤكد على قسوة حكومات هذه المجتمعات والتى لم تتحدث خلال كل هذه السنوات عن الأوضاع المأساوية التى تجرى هنا وهناك رغم أن بيدها اتخاذ ردود أفعال وقرارات حاسمة لمنع مثل هذه الأحداث غير الإنسانية وبدلا من ذلك يكتفون فقط بالشجب قولا من خلال الخطب والشعارات بدلا من التحرك لوقف ذلك النزيف المستمر من الدماء.
***
من جهة أخرى يشير الكاتب إلى أنه حتى فى أثناء وجود الجمهوريين بالسلطة ــ رؤساء الولايات المتحدة المنتمين للحزب الجمهورى، لم تخلو عهودهم من المجازر وعمليات الإبادة الجماعية غير الإنسانية؛ فمثلا قامت إدارة فورد (جيرالد فورد الرئيس الأمريكى الـ38) بغض الطرف عن إبادة ما يقرب من 1.7 مليون شخص بكمبوديا خلال عهد الخمير الحمر (الحزب السياسى الحاكم آنذاك بكمبوديا) بل أنها دافعت عن ذلك الحزب ونفت بشكل قاطع قيامه بارتكاب أى من هذه الجرائم. وكذلك رونالد ريجان الذى تجاهل جرائم الرئيس العراقى الراحل صدام حسين إزاء الاكراد وذلك ليُظهر صدام كشخص معتدل ويبيع إليه أسلحة بما يحقق فقط مصلحة بلاده. وكذلك خلال إدارة جورج دبليو بوش وما حدث فى دارفور، فضلا عن حرب الكونغو الثانية؛ ذلك الصراع الذى نتج عنه مقتل ما يقرب من 3 ملايين شخصا وقلل كثيرا من شأن وسمعة إدارتى كلينتون وجورج بوش.
أما بالنسبة لجورج بوش فقد كان نائبا للرئيس عندما قام صدام حسين باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد وأعلن بوش وقتها عن نيته بأنه لم يكن ليدير ظهره لما يحدث وجاءت عملية توفير الراحة والتى تمت عن طريق الولايات المتحدة وبعض القوى الأخرى والتى قد بدأت عام 1991 وبسببها تم منع مجزرة جديدة للأكراد وقد وضعت هذه العملية الأساس لما يتمتع به الأكراد اليوم. وكذلك الأمر عهد بوش الأب الذى أرسل قوات أمريكية إلى الصومال أوائل عام 1993 لدرء المجاعة هناك التى نشبت نتيجة للحرب الأهلية وسرعان ما سحبها كلينتون عند وصوله إلى البيت الأبيض وتوليه الرئاسة.
فيما يتعلق بالغزو الأمريكى للعراق عام 2003 فقد هاجم التقدميون والديمقراطيون جورج بوش عن ذلك الغزو الذى نتج عنه مقتل أكثر من 800 ألف شخص ولكن ما أثير وقتها بأنه صدام مهووس بالمجازر والإبادة وأنه بمجرد بدء الحرب لم تكن القوات التابعة للولايات المتحدة هى المسئولة عن إزهاق هذه الآلاف من الأرواح وإنما دخل متمردون تم دعمهم من عدة دول كتركيا وقطر والسعودية بالإضافة إلى عدد من الميليشيات المدعمة من إيران وزعموا أن وجود القوات الأمريكية بالعراق من 2004 وحتى 2011 لم يكن إلا لمساعدة الحكومة العراقية لإزالة أى تحديات وعقبات أمامها لمنع المزيد من إراقة الدماء ولكن رأى البعض أنه كان لابد وكحل بديل أن تنسحب القوات الأمريكية مبكرا عن عام 2011 وبعدها كان سيبدأ حتما العديد من الصراعات.
ورغم مهاجمة التقدميين والديمقراطيين لريجان بسبب تجاهله لما حدث للأكراد أو الجرائم التى ارتكبت بأمريكا اللاتينية فإنه قد حرر مئات الملايين من الديكتاتورية ودشن فترة جديدة من الازدهار والديمقراطية لم تكن أخذتها البلدان منذ ما يقرب من عقد من الزمن. ولكن ما يثير الدهشة هنا هو تدهور حقوق الإنسان هكذا عندما يصل الديمقراطيون إلى سدة الحكم!
ويشير الكاتب إلى الناشطة الأمريكية بمجال حقوق الإنسان «سامانثا باور» ــ وممثلة عن الولايات المتحدة بمجلس الأمن، ومواقفها الحاسمة الفاعلة التى تتخذها وتساهم كثيرا فى منع العديد من الجرائم وعمليات الإبادة والتى لم ينجح أى من أسلافها منذ عقود فى اتخاذ مثلها. ولابد من التأكيد على أن التغريدات (عبر موقع التواصل الاجتماعى تويتر مثلا) لن تكون أبدا هى الحل وأنه لابد من البحث عن حلول لمثل هذه المشكلات بل والبحث عن سبل للتنبؤ بها ومن ثم تجنب حدوثها.
***
على صعيد آخر يوضح الناشط الدولى بحقوق الإنسان «آرون رودس» خلال دراسة نُشرت له بمجلة Providence بأن ثقة الليبراليين بالمؤسسات الدولية متعددة الأطراف تتعارض مع فكرة الدفاع عن حقوق الإنسان، وفى ذلك يتفق معه الكاتب؛ فمثلا يميل الديمقراطيون إلى إعطاء اهتمام كبير إلى منظمات حقوق الإنسان ذات الأهمية والشأن الدولى كمنظمة مراقبة حقوق الإنسان «Human Rights Watch» ومنظمة العفو الدولية والتى غالبا ما تخلط بين السياسة وتنفيذ المبادئ.
من الأسباب التى تؤدى إلى انتشار استخدام القوة الأمن القومى، ويأتى هنا الفرق بين اليسار واليمين بأن اليسار يُشيطن السلطة فى حين أن اليمين يدرك جيدا بأن السلطة قد تستخدم للخير أو للشر، وهذا ما يجعل اليساريين وأبرزهم الرئيس الأمريكى باراك أوباما يقومون بجلد ذاتهم وتقديم الاعتذار للولايات المتحدة عن الكثير من أخطائهم وما تسببوا به من انتهاكات، ولكن ليس أوباما وحده أو من سبقه من رؤساء فقط المسئولين عن ذلك؛ بل أن الجيش الأمريكى قد تورط بالعديد من الحروب التى خاضتها الولايات المتحدة بإرادتها. ولكن لابد من الإشارة أنه رغم كل ذلك فإن أوباما قد ساهم ولو قليلا فى منع طوفان محتمل من الفوضى، وخاصة خلال وجود قوى على الساحة تضع مصالحها أولا وتقدمها فوق كل اعتبار؛ أمثال فلاديمير بوتين وعلى خامنئى وأبو بكر البغدادى ورجب طيب أردوغان وشى جين بينج.
وأخيرا ينصح الكاتب الولايات المتحدة بأنه قد حان الوقت أمام التقدميين سواء فى الحكومة الأمريكية أو المجتمع المدنى لإعادة النظر فى مواقفهم وسجلاتهم بحقوق الإنسان والتى قد شهدت تراجعا كثيرا لا يتناسب مع الخطابات والمبادئ التى يتبنونها ويضعوها أساسا لهم وأن ينتبهوا جيدا إلى خلطهم بين ما يقولون وما يفعلون وأن يحذروا كثيرا من خصومهم وبخاصة الذين يتقنون فنون الخطابة ويدَّعون مدافعتهم عن حقوق الإنسان وذلك من أجل تحقيق مآرب ومنافع بعيدة كل البُعد عن المبادئ التى ينادون بها بل أنها تقوِّض تحقيق هذه المبادئ.
النص الأصلى: