كيف ستؤثر الخطط التركية الطاقوية بسوريا على طموحات إسرائيل الإقليمية؟ - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الخميس 16 يناير 2025 11:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف ستؤثر الخطط التركية الطاقوية بسوريا على طموحات إسرائيل الإقليمية؟

نشر فى : الخميس 16 يناير 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الخميس 16 يناير 2025 - 6:50 م

أطلق انهيار نظام الأسد عددًا من المشاريع المهمة للطاقة، من أجل ربط دول المنطقة التى أُهملت فى الماضى بسبب الحرب الأهلية المستمرة فى سوريا. وعلى الرغم من أن جزءًا من هذه المشاريع يمكن أن يقوّض المصلحة الإسرائيلية فى أن تصبح إسرائيل «جسرًا للطاقة» بين الشرق الأوسط وأوروبا، فإن بعضها يتضمن إمكانات لتطوير أسواق جديدة أمام إسرائيل لبيع الغاز الطبيعى ونقل الوقود والكهرباء إلى دول المنطقة. وسيتحدث المقال عن 3 مشاريع لا تزال فى بداية الطريق، وسيفحص تداعياتها على المصالح الإسرائيلية.
• • •
أولاً: إنشاء خط الغاز بين قطر وتركيا عبر سوريا، فى هذه المرحلة، لا يوجد موعد محدد لإنشاء الخط، ولا تقديرات بشأن التكلفة الممكنة للمشروع. ومن المعقول الافتراض أن قطر تريد الانتظار لترى كيف سينجح الحُكم الجديد فى سوريا فى العمل على استقرار وضعه وتحقيق السيطرة على وسط الدولة، لكى تقرر استثمار مبلغ كبير فى إنشاء الخط العابر للدول.
بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الارتباط على مستوى الطاقة بين تركيا وقطر حول سوريا، يمكن أن يقوّض فكرة الممرات البرّية بين دول الخليج وبين إسرائيل، والمعروفة بـ«IMCE India- Middle East- Europe Corridor». وفى حال نجاح إنشاء هذا الخط، فسيصبح من السهل إضافة بنى أخرى إلى خطوطه، مثل الطرقات والسكك الحديدية وخطوط الكهرباء. وفى وضع كهذا، سيكون من الأسهل على دولة الإمارات الانضمام إلى الخط، لكى تصدّر، عن طريقه، الغاز الجاف وسلعًا أُخرى إلى تركيا وأوروبا، من إقامة ممر وبنى تحتية جديدة، عبر الأردن وإسرائيل، من أجل الوصول إلى شرق البحر المتوسط. ومن الواضح أن الإمارات لا ترغب فى أن تكون تابعة لقطر وتركيا فى نقل بضائعها، لكن مع استمرار الحرب فى غزة وخسارة إسرائيل موقعها كجزيرة استقرار إقليمى، فإنها ستنجذب أكثر نحو إقامة بنية تحتية بديلة تصل إلى أوروبا.
يجب على إسرائيل أن تفهم أن استمرار الحرب وعرقلة التطبيع مع السعودية يمكن أن يؤديا إلى ضياع الفرص الاقتصادية الإقليمية تماما، ويجب عليها مواصلة الدفع قدمًا، مع قبرص واليونان، بميزة انتقال الطاقة عبرهما، وخصوصاً فى مواجهة مستثمرين ممكنين فى أوروبا والولايات المتحدة، والإدراك أن الممرات البديلة يمكن أن تتحقق إذا استمر التأخير.
• • •
ثانيا: ربط تركيا بأنبوب الغاز العربى، عبر جزئه السورى، هناك خطة تركية أخرى قد تساعد إسرائيل على فتح أسواق جديدة لصادراتها من الغاز. فى الشهر الماضى، بدأت تركيا بدرس فكرة أخرى كانت مجمدة منذ فترة طويلة، وهى إمكان الارتباط بـ«خط الغاز العربى» من خلال الجزء الذى يمرّ فى سوريا.
تجدر الإشارة إلى أنه تم افتتاح خط الغاز العربى فى سنة 2003، وكانت تستخدمه، فى الأساس، مصر لتصدير الغاز إلى شمال الأردن وسوريا. وفى الفترة 2006-2008، جرى توقيع اتفاقات لتمديد خط الأنابيب إلى تركيا، لكن تم التخلى عن المشروع فى سنة 2009، بسبب نضوب الغاز الذى يمكن تصديره من مصر.
اليوم، تستخدم إسرائيل هذا الخط بصورة أساسية، وتبيع عبره الغاز للأردن، ومن هناك إلى جنوب مصر، بينما لم يُستخدم القسم السورى من الخط. حالياً، يستطيع هذا الخط نقل نحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعى سنويا، ويمكن زيادة الكمية حتى تصل إلى 15 مليون متر مكعب، إذا تم تحديث الخط وتركيب مضخات ضغط إضافية.
إذا تمكنت تركيا من الاتصال بخط الغاز العربى بقسمه السورى، فستتمكن إسرائيل، نظريًا، من نقل الغاز إلى شمال تركيا، ومن هناك إلى أوروبا.
لكن على الرغم من ذلك، يجب على إسرائيل الأخذ فى اعتبارها أن أى ترتيب تبيع بموجبه الغاز الجاف إلى تركيا، ولو بشكل غير مباشر (عبر الأردن أو مصر)، قد تعتبره قبرص واليونان تقويضًا لمصالحهما، وقد يشكل خط الأنابيب الجديد تحديًا لأهداف منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) لأنه قد يجعل من غير المجدى بناء البنية التحتية البحرية الباهظة التكلفة لنقل الغاز وتسييله، عبر شرق البحر المتوسط. ولن ترغب الشركات الإسرائيلية فى الاعتماد على سوريا وتركيا كدولتَى عبور أساسيتين لغازها، وبالتالى ستكون حذرة فيما يتعلق بكميات الغاز التى ستلتزم بنقلها عبر مثل هذا الخط.
• • •
ثالثا: إنشاء أنابيب نفط دائمة فى سوريا تحل محلّ شحنات الوقود الإيرانية، النظام الجديد فى سورية يحتاج الآن إلى أنابيب نفط جديدة تحلّ محلّ الإمدادات من إيران، بعد أن أصبحت سوريا الآن من دون إمدادات منتظمة بالنفط الخام والوقود. فى عهد نظام الأسد، كانت سوريا تحصل على 90% من إمداداتها بالنفط من إيران، و10% كان يأتى من الإنتاج المحلى لحقول النفط فى سوريا.
تسعى سوريا الآن لإقامة شراكات جديدة من أجل استيراد النفط بشكل منتظم. والحل الأكثر توفرًا هو الحصول على شحنات نفط بالشاحنات، عبر الحدود، من إحدى دول الجوار، لكن هذا الحل مؤقت ومكلف. فى المدى البعيد، ستسعى سوريا للاتصال بخط أنابيب نفط جديد لضمان الحصول على إمداد دائم ومنتظم. والخيار الأكثر وضوحًا هو خط أنابيب النفط الموجود بين سوريا وكركوك فى شمال العراق، والذى توقف عن العمل فى ثمانينيات القرن العشرين. لكن حقيقة أن الموارد النفطية هى الآن تحت سيطرة الحكم الذاتى الكردى فى شمال العراق، من شأنها أن تثير معارضة تركية. بالإضافة إلى ذلك، تدرس قطر والإمارات والسعودية الآن إمكان أن تصبح هى المزوّد الجديد لسوريا بالنفط، للحصول على موطئ قدم سياسية فى النظام الجديد.
يبدو أن إسرائيل لم تتخذ، حتى الآن، قرارًا واضحًا بشأن طبيعة علاقاتها مع النظام الجديد فى سوريا. وهذا الحذر مفهوم. ومع ذلك، فيما يتعلق بالإمكانات الكامنة فى اتفاق بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وسوريا، يمكن الحديث عن فتح ممرات جديدة للطاقة وفرص اقتصادية كبيرة لإسرائيل، سواء من خلال تصدير الغاز الطبيعى، أو المساعدة فى التزود بالنفط، وبناء توربينات رياح مشتركة فى هضبة الجولان، وغيرها.
• • •

إذا تأخرت إسرائيل فى الرد على التطورات الكثيرة التى لها علاقة بإقامة بنى تحتية للطاقة فى سوريا، وخصوصا تلك التى تقوم بها تركيا، فقد تخسر فرصا اقتصادية وسياسية ثمينة جدًا.


عيلى راتيج

مركز بيجن ــ السادات للدراسات الاستراتيجية
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات