ما المطلوب من المصالحة الوطنية فى العراق؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما المطلوب من المصالحة الوطنية فى العراق؟

نشر فى : السبت 16 فبراير 2019 - 11:40 ص | آخر تحديث : السبت 16 فبراير 2019 - 11:40 ص

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب العراقى «مثنى العبيدى» حول أهم متطلبات المصالحة الوطنية فى العراق؛ وذلك من أجل حل الصراعات السياسية والعنف والتعثر المزمن الذى تعانى منه الحياة السياسية العراقية منذ عام 2003.
مرت الساحة العراقية فى العقود الأخيرة الماضية بتحولات وأزمات سياسية واجتماعية وقيمية واقتصادية نتج عنها فرز طائفى وعرقى وسياسى بين مكونات الشعب العراقى وصلت ذروتها فى مرحلة ما بعد العام 2003، فأخذت شكل أزمة متعددة الأبعاد سياسيا واجتماعيا وأمنيا، يغذيها إرث الماضى المستغل حاضرا. ولهذه الأزمة تداعيات كبيرة ولا تقف أضرارها على مكون من الشعب العراقى دون آخر، ناهيك بكونها عقبة أساسية أمام أى مسعى لبناء دولة المؤسسات والمواطنة فى العراق.
تتقدم الحاجة إلى طرْح مشروع المصالحة الوطنية التى تشكل إحدى أهم السياسات المناسبة لمعالجة الصراعات السياسية والعنف والتعثر المزمن الذى تعانى منه الحياة السياسية فى العراق. تبرز أهمية الارتكاز على المشتركات التى تجمع بين الشعب العراقى وعدم الارتكان إلى مشكلات الماضى من دون أن يعنى ذلك تجاهلها أو عدم معالجة تداعياتها، وهذا الارتكاز يتطلب تحقيق السلام والتعايش عبر المصالحة السياسية والمجتمعية الشاملة التى وصفتها خطة التسوية النهائية «وثيقة بغداد» بـ: «أنها الخيار الاستراتيجى الأفضل، وبديلها إما احتراب أهلى مرشح بقوة أن ينتهى بتقسيم البلاد أو يبقيها فى مربع اللا أمن واللا استقرار واللا تنمية الذى يدفع ثمنه الجميع أو يصيرها دويلات عرقية طائفية تنازع السلطة والثروة والسيادة».
وتعد «المصالحة» مصطلحا واسعا فضفاضا، يأتى بأكثر من معنى وله العديد من المرادفات كالتوفيق بين الأطراف وإعادة العلاقات، مثلما له صلة بعدد من المفاهيم مثل «الاعتذار» و«التسامح» و«العفو» و«بناء السلام» و«التعايش السلمى» و«العدالة التصالحية»، وتختلف معانيه ومدلولاته من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. والمصالحة التى يمكن أن تطبق فى دولة ما قد يصعب تطبيقها بالشكل نفسه فى دولة أخرى نتيجة اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين المجتمعات والدول.
وتعرف وثيقة «المصالحة الوطنية العراقية الاستراتيجية العامة» المصالحة الوطنية بأنها:«عملية إعادة بناء أنساق المجتمع والدولة بما يضمن الاتفاق والتوافق والشراكة بين العراقيين على الشكل النهائى للدولة وخارطة توزيع السلطة والثروة وطريقة إدارة فعل الدولة، بما يضمن وحدة مجتمع الدولة كمجتمع وطنى متعايش وآمن، وبما يضمن وحدة الدولة كدولة موحدة تعبر عن جميع مواطنيها ومكوناتها بصدق وعدالة ومساواة».
ويمكن لمتتبع مسار ملف المصالحة الوطنية فى العراق أن يجد الكثير من مبادرات المصالحة قد أطلقت أو أعلن عنها عبر مراحل تطور عملية المصالحة الوطنية المختلفة، منذ العام 2005 والأعوام اللاحقة، بيد أن هذه المبادرات غالبا ما تلقى تفاوتا فى مواقف القوى السياسية منها بين الرفض والقبول، الأمر الذى يعيق تطبيقها بشكل مناسب أو تجسيدها على أرض الواقع.

••••

 

متطلبات تحقيق المصالحة الوطنية
يحتاج تحقيق عملية المصالحة الوطنية فى العراق إلى تطبيق عدد من الإجراءات والمتطلبات والضمانات والسبل التى تتناسب مع معطيات الواقع العراقى وهو موضوع ليس بالسهل تحقيقه من دون أن يكون لدى القائمين على الأمر إلمام كبير بالواقع السياسى والاجتماعى والقانونى والثقافى فى المجتمع والدولة والمعنيين. ولعل أهم هذه المتطلبات يتمثل بما يلى:
ــ تطبيق العدالة الانتقالية: يتطلب تحقيق المصالحة الوطنية فى العراق أن تتحقق العدالة الانتقالية وتطبيقاتها بالصيغة الديمقراطية التصالحية وليس بالصيغة الجزائية العقابية ولا الثأرية الانتقامية، لأن الأولى هى الصيغة الأكثر ملاءمة لضمان المصالحة الوطنية الحقيقية، وعند تحقق العدالة التصالحية ستكون دعما للعدالة الانتقالية التى تمثل الركن الأول من بين الأركان الثلاثة للمصالحة الوطنية المتمثلة بـــ «العدالة والحقيقة والتعويض».
ــ الاعتراف بالخطأ والاعتذار: فمن أجل أن يتحقق الصلح ويسامح الشعب الذين ارتكبوا الانتهاكات بحقه، لا بد من الاعتراف بالأخطاء والمظالم المرتكبة فى العراق وبشكل علنى وأمام الشعب وتقديم الاعتذار له.
ــ معالجة ترسبات الماضى: يتم ذلك من خلال توفير المستلزمات المناسبة والتمويل الكافى لالتزامات جبر الأضرار وإعادة الملكيات المصادرة والمنهوبة والتعويض وضمان كامل مبادئ العدالة الاقتصادية من دون تمييز، وبالشكل الذى يؤسس لمستقبل يتجاوز مظالم الماضى وعدم العودة إليها وعدم إساءة استخدام السلطة والثروة، ويحقق الأمن والتنمية والمصالحة الوطنية.
ــ بناء الثقة بين كل الأطراف: فالمصالحة فى حدها الأدنى حالة تستطيع فيها الأطراف المختلفة والمتصارعة أن تثق ببعضها البعض وكذلك الأمر على صعيد المواطنين، الأمر الذى يعنى ضرورة توافر الالتزام الكافى بالمعايير والقيم التى تتطلبها المصالحة الوطنية، وكذلك توافر الثقة الكافية بمن يديرون المؤسسات الحاكمة بأنهم ملتزمون بتلك المعايير والقيم، فضلا عن الثقة بالتزام أبناء الوطن بها.
ــ الاعتراف بالآخر: فالمصالحة الوطنية فى العراق تحتاج إلى أن يكون هناك اعتراف بالآخر على الصعد كافة، سواء على صعيد الأفراد والجماعات أو على صعيد القوى السياسية المختلفة، وأن يشكل الاعتراف بالآخر ركيزة أساسية للمصالحة والحوار الوطنيين.
ــ اشتراك جميع القوى الفاعلة فى المصالحة: يجب أن تكون المصالحة الوطنية بين القوى الفاعلة فى المجتمع العراقى على تنوعه، سواء كانت هذه القوى داخل العملية السياسية أم خارجها، بما فيها المعارضة السياسية والمسلحة وضمان سقف الدستور؛ إذ إن المصالحة هى تسوية تاريخية تنهى الخلاف العراقى ــ العراقى، لأن الأزمة التى يمر بها العراق شاملة ومتعددة داخل أطر العملية السياسية وخارجها، وهو الأمر الذى يتطلب أن تكون صيغة الحل شاملة وتدخل فيها ومن خلالها جميع أطراف الأزمة وصولا إلى تفاهم واتفاق شامل لحل الخلاف وضمان تطبيق التزاماته لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية.
ــ الاتفاق على الثوابت الوطنية: ضرورة اتفاق الأطراف السياسية والمكونات المجتمعية العراقية المختلفة على الثوابت الوطنية والتوافق على الأمور السياسية التى تمهد لتحقيق المصالحة الوطنية.
ــ تغليب المصلحة الوطنية: يجب تمسك جميع الأطراف والجهات المعنية بتغليب المصلحة الوطنية والنأى عن المصالح والأهواء الشخصية والتخلص من المكابرة والمغالبة التى تؤجج الثأر والانتقام، واستحضار النية الصادقة من أجل إصلاح ذات البين وترسيخ التسامح والعفو وبلوغ المسار الصحيح للديمقراطية.
ــ الاعتماد على المنهج العلمى والطريقة المدروسة: بمعنى أن تتحمل مسئوليتها هيئات أو مفوضيات متخصصة ومستقلة تعمل من خلال استراتيجية وطنية شاملة وقوانين حديثة تحدد إجراءات المصالحة الواجب اتباعها وطبيعة اختصاصات الجهات القائمة عليها، وتوافر إطار قانونى ينظم هذه الإجراءات ويسهم فى تحديد الخطوات المطلوبة لبلوغ المصالحة الوطنية، ويضفى عليها الشرعية والمشروعية التى تجنبها التحكم والانحراف.
ــ ضرورة وجود هيئة مستقلة لا تتبع للسلطة التنفيذية: على أن تتمتع هذه الهيئة بالشخصية الاعتبارية العامة وتتولى مهمة تقييم نتائج المصالحة الوطنية ومتابعتها فى مراحلها المختلفة عن طريق التقارير والتوصيات التى تصدرها.
ــ الانطلاق بعملية جدية لتقييم العمل السياسى للمرحلة السابقة وضرورة التأكيد على نبْذ خلافات الماضى وطى صفحة التنابذ، والدعوة إلى العفو والصفح والتسامح.
ــ الاستفادة من الروابط والقيم الاجتماعية والثقافية والدينية التى تربط أبناء المجتمع العراقى لدعم عملية المصالحة الوطنية، وبخاصة فى ظل وجود نسيج اجتماعى متماسك يسهم فى دعْم الحملة لمواجهة التطرف والإرهاب.
ــ ضرورة تصفية متعلقات المرحلة السابقة التى تتمثل ببعض القوانين والإجراءات مثل قانون المساءلة والعدالة والجيش السابق والعمل على تأهيل المشمولين بهذه القوانين والإجراءات واحتوائهم ضمن الواقع السياسى الجديد.
ــ العمل على بناء القوات المسلحة والأمنية الوطنية المحلية والاتحادية بالشكل الذى يضمن تطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة فقط.
ــ اعتماد السبل والإجراءات اللازمة والكفيلة بالتجريم التشريعى والتأثيم الاجتماعى والتحريم الدينى للإرهاب والطائفية والتعصب القومى والتمييز العنصرى.
ــ ضرورة معالجة الخلافات بين المركز والإقليم والمحافظات كافة؛ وذلك بمنْح الصلاحيات التى أقرها القانون لإدارة المحافظات، وضرورة معالجة الخلافات الحاصلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان وإنهاء ملف المناطق المتنازع عليها عبر الوسائل القانونية والدستورية.

••••

 


ختاما يمكن القول إن المصالحة الوطنية تحمل من الأهمية الكثير للمجتمعات والدول التى تمر بمرحلة من الصراعات والأزمات الاجتماعية والسياسية، فضلا عن أن المصالحة الوطنية فى العراق يجب أن تحظى باهتمام كبير يتجسد بتطبيق متطلباتها وآلياتها، ولاسيما أن المجتمع العراقى بأطيافه وتنوعاته جميع له القابلية على العفو والتصالح والصفح بين أفراده الذين يرتبطون بمشتركات كثيرة تتراوح بين العرق والدين والثقافة والتاريخ والهوية الوطنية المشتركة. أما فى ما يخص القوى والتيارات السياسية، فمن الأجدر بها أن تغلب المصلحة العامة على مصالحها الخاصة والانخراط فى عملية المصالحة التى تسهم فى إرساء الأمن والاستقرار للبلاد من دون أن تكون عاملا مساهما فى ضياع حقوق الذين تضرروا من الحقب السابقة، أو أن تكون فرصة لإفلات المجرمين من العقاب من دون اعترافهم بالخطأ والاعتذار للشعب العراقى، وألا تضع العقبات أمام تفعيل المصالحة الوطنية من خلال عدم الاعتراف بالآخر ووضع الاستثناءات واللاءات أمام هذه الجهة أو تلك.
يقتضى الوضع فى العراق تطبيق تجربة المصالحة الوطنية وطرْح إمكانية الاستفادة من تجارب المصالحة الوطنية المطبقة فى العديد من الدول، ومنها بشكل خاص دولة جنوب إفريقيا. لكن على الرغم من إمكانية الاستفادة من هذه التجارب فى بعض جوانبها، فإن التجربة العراقية لها خصوصية نابعة من الواقع الاجتماعى والقيمى والثقافى والسياسى، بحيث يقتضى الأمر أخذها بعيْن الاعتبار، وليس الأخذ بمضامين تجارب الدول ومحاولة تطبيقها على تجربة العراق فى هذا المجال.
النص الأصلى:


الاقتباس:
المصالحة الوطنية تحمل من الأهمية الكثير للمجتمعات والدول التى تمر بمرحلة من الصراعات والأزمات الاجتماعية والسياسية، فضلا عن أن المصالحة الوطنية فى العراق يجب أن تحظى باهتمام كبير يتجسد بتطبيق متطلباتها وآلياتها، ولاسيما أن المجتمع العراقى بأطيافه وتنوعاته جميع له القابلية على العفو والتصالح والصفح بين أفراده.

التعليقات