من «نهاية التاريخ» و«صراع الحضارات» وصولا لعودة طالبان - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من «نهاية التاريخ» و«صراع الحضارات» وصولا لعودة طالبان

نشر فى : الخميس 16 سبتمبر 2021 - 8:20 م | آخر تحديث : الخميس 16 سبتمبر 2021 - 8:20 م

خرجت نظرية «نهاية التاريخ» على يد الأكاديمى الأمريكى ذى الأصول اليابانية فرانسيس فوكوياما عام 1989 من خلال مقال عنوانه «نهاية التاريخ» فى مجلة «ناشيونال إنترست» قال فيه إن «عصر الاستبداد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية واقتصادات السوق».

واعتبر فوكوياما أن المجتمعات الإنسانية وضعت حدا لتطور الأفكار الأيديولوجية بانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية، وأن الصراعات التاريخية المتكررة بين الحكام والمحكومين لا يمكن أن تجد لها نهاية واقعية إلا فى الديمقراطيات الليبرالية. وأعطى انتهاء الحرب الباردة بانتصار الغرب، وهدم سور برلين لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية واقتصادات السوق فى دول أوروبا الشرقية، نظرية فوكوياما دفعة قوية وشهرة عالمية.
وبعد 4 سنوات كتب صمويل هنتنجتون مقالا فى مجلة «فورين أفيرز» بعنوان «صراع الحضارات» أثار جدلا كونيا آخر، لأنه لمس وترا حساسا لدى الشعوب المنتمية إلى حضارات العالم المختلفة.
وتناول هنتنجتون مفاهيم الاختلافات الحضارية، وميزان القوى المتغيرة بين الحضارات، وأشار إلى خطورة وقوة ظاهرة العودة إلى المحلية والجذور فى المجتمعات الغربية وغير الغربية. وقسم هنتنجتون حضارات العالم بين الصينية واليابانية والهندية والإسلامية والغربية والأرثوذكسية والأفريقية وحضارة أمريكا اللاتينية. وطبقا لهنتنجتون، الصدام هو جوهر ما يحكم العلاقة بين تلك الحضارات، وهذا الصدام أساسه الثقافة أو الهوية التى تحكم كل حضارة.
•••
والتقطت حركة المحافظين الجدد أفكار فوكوياما وهنتنجتون للدفع باستراتيجيتهم التى قوامها ضرورة التأكيد على دور الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة الوحيدة التى لها هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية مطلقة فى العالم.
وأضاف المحافظون الجدد ضرورة أن تكون الولايات المتحدة سباقة فى توجيه ضربات عسكرية إلى أعدائها وإلى مصادر تهديداتها. واعتقدت تلك المدرسة الفكرية، التى انتشر خبراؤها ومعلقوها فى مراكز أبحاث يمينية، مثل «أميركان إنتربرايز» ومعهد «هادسون» ومؤسسة «هيريتيج»، أن واشنطن قادرة على المبادرة بالتعامل مع الدول التى تمثل مصادر تهديد وتغيير نظمها الحاكمة عند الضرورة، وأن تتبنى مبدأ «إعادة بناء الدولة» لتتوافق مع رؤيتهم لـ«الديمقراطية الليبرالية». وبعد وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001، اعتبر المحافظون الجدد أن الإسلام السياسى والمسلمين هم الخطر الشديد ليس على أمريكا فحسب، بل على كل البشرية، وباركت ودفعت لغزو أفغانستان والعراق وضغطوا لتغيير النظام فى إيران. وفشلت محاولة بناء الدولة من جديد فى حالتى العراق وأفغانستان على الرغم من ارتفاع التكلفة البشرية والمادية.
•••
من ناحية موازية، دق هنتنجتون ــ قبل وفاته عام 2008 ــ ناقوس الخطر من اتجاه التطور السكانى فى الولايات المتحدة الذى يُظهر انخفاضا مستمرا فى نسبة أعداد سكانها من البيض والمسيحيين البروتستانت. وكتب هنتنجتون كتابا شديد الأهمية عنوانه «من نحن؟ التحديات أمام هوية أمريكا الوطنية»، حيث هاجم فيه نتائج تبنى النخب الغربية والأمريكية تحديدا ــ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ــ سياسات هجرة سمحت بتغيير تعريف المواطن الأوروبى أو الأمريكى، وهو ما يمثل تهديدا جوهريا للهوية الأمريكية.
وهاجم هنتنجتون الهجرات المكسيكية واللاتينية التى لا تتوقف باتجاه الولايات المتحدة، إذ رأى أن المهاجرين أقل قدرة على الاندماج من المهاجرين القدماء، واعتبر أن الحلم الأمريكى ارتبط بنشأة المجتمع الأبيض البروتستانتى فقط، وأن لغة الحلم ينبغى أن تكون الإنجليزية فقط.

لم تنكر نظريات فوكوياما ولا هنتنجتون أن العودة إلى الأصول وإحياء الدين ومنظومة المعتقدات هى ظاهرة عالمية سيئة بالضرورة، لذا فالتوجه إلى الإسلام باعتباره مصدرا للهوية ليس خطيئة فى حد ذاته، كما تدعى بعض النخب العربية الحاكمة. الخطيئة تحدث عندما يتم التمييز باسم الإسلام، أو ضد غير المسلمين، وحين لا يتساوى الجميع فى كل الحقوق والواجبات بغض النظر عن ديانتهم أو جنسهم أو عرقهم. وباسم الإسلام يمكن أن تقيم مجتمعا عادلا متعددا ديمقراطيا حديثا، وباسم الإسلام أيضا يمكن التأسيس لمجتمع الظلم والضلال والاستبداد.
وأثرت التطورات الأخيرة، خاصة ما شاهده العالم خلال هذا العام (2021) على مصداقية نظريات فوكوياما وهنتنجتون، خاصة مع تخلى كثير من الديمقراطيات الغربية عن قيمها التى كانت تدعى التمسك بها كمقدسات الديانات السماوية. وفى إطار رده على ما يراها تهديدات ثقافية بالأساس، اختار الناخب الأمريكى رئيسا قبل 4 سنوات لا يؤمن بأسس الديمقراطية الليبرالية، وخاصة رفضه نتائج انتخابات حرة خسر فيها، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا لمبدأ الانتقال السلس للسلطة مستقبلا.

ولم يمثل استكمال الانسحاب الأمريكى بعد 20 عاما من الاحتلال العسكرى لأفغانستان، وحالة الفوضى التى شاهدناها فى مطار كابول، دليلا كافيا على خطأ تصورات فوكوياما وهنتنجتون.
فهناك نموذج صينى، غير ليبرالى وغير ديمقراطى، به كثير من سمات الاستبدادية والدكتاتورية، إلا أنه نجح فى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية بنسب غير مسبوقة. وأصبحت الصين توفر نموذجا مغايرا لتصورات منظرى الغرب عن حتمية المرور من المسار التقليدى الغربى، وهو ما يمثل هاجسا وتحديا كبيرا لم يتوقعه فوكوياما ولا هنتنجتون.

ومثّل يوم السادس من يناير الماضى ضربة قوية لكل الأسس التى قامت عليها وعود الليبرالية والديمقراطية الغربية مع اقتحام آلاف من مؤيدى رئيس خسر الانتخابات للكابيتول، من أجل عرقلة انتقال السلطة لرئيس جديد. وحتى اليوم، يؤمن أغلب الجمهوريين أن جو بايدن انتصر ووصل للبيت الأبيض بانتخابات مزورة، وهذا يمثل تهديدا للديمقراطية الأمريكية وستظهر الانتخابات القادمة حجمه الحقيقى.

وافت المنية هنتنجتون عام 2008، ولم يعش ليشاهد أهم تطورات عام 2021 من اقتحام الكونجرس إلى عودة طالبان للحكم. أما فوكوياما ــ من جهته ــ فعلق من مكتبه فى جامعة ستانفورد بكاليفورنيا على انسحاب القوات الأمريكية وعودة طالبان للحكم بالقول إن هذا «لا يمثل نهاية العصر الأمريكى، فالتحدى لهيمنتها ومكانتها العالمية هو التحدى الداخلى، فالمجتمع الأمريكى مستقطب بشدة، وقد وجد صعوبة فى التوصل إلى توافق فى الآراء بشأن أى شيء تقريبا».
وأقر فوكوياما، بعد أكثر من 3 عقود على نظريته لنهاية التاريخ، أن الاستقطاب الأمريكى الداخلى حول قضايا السياسة التقليدية مثل الضرائب والإجهاض وحق حمل السلاح، ومعركة الهوية الثقافية، ومعنى أن تكون أمريكيا، هو التهديد الحقيقى للريادة الأمريكية ونموذجها الليبرالى الديمقراطى.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات