فى أغلب الأوقات لا أفضل التعليق الانفعالى المستجيب لضغط الصوت العالى والمتأثر بالعاطفة المجردة قبل استيفاء المعلومة بتمامها والصبر على استكمال الصورة إن كان ثمة نقص.. لذلك آثرت الانتظار أسبوعا قبل التعليق على مذبحة الدفاع الجوى، وأسبوعا مثله قبل التعليق على حادثة قتل المسلمين فى (تشابل هيل).. أعطيت كل الفرص لمن يٌحذِر من التهويل وكل الفرص لمن يخشى الاختلاق وكل الفرص لمن يريد التروى.
لا أصدق مقولة إن العالم يكيل بمكيالين، وحينما نذكر العالم هنا فإننا إنما نشير إلى ذلك الجزء من العالم الذى يهيمن على مقادير الباقين.. العالم الغربى.. هذا العالم برأيى لا يكيل بمكيالين أبدا بل هو على العكس مكيال ٌواحد.. يزيد فى الكيل إذا ما تعلق الأمر بـ(شارلى إبدو).. ويُخسر الكيل إذا ما تعلق الأمر بـ(تشابل هيل).. يزيد فى الكيل إذا ما رأى معاداة مزعومة للسامية.. ويُخسر الكيل إذا ما تعرض المسلمون دون غيرهم لجرائم العنصرية والكراهية.
وسائل الإعلام العالمية التى انتفضت لأجل جريمة شارلى إبدو التى استنكرها المسلمون قبل غيرهم هى التى تجاهلت ببرود منقطع النظير الإشارة إلى جريمة (تشابل هيل) بنفس حدة النفس أو على الأقل بعزوها إلى نفس السلوك الإرهابى الإجرامى.. ولكى أكون منصفا فإن (الإندبندنت) هى وحدها فيما أعلم من انتقد هذا التناقض الصارخ فى التغطية والاهتمام.
الأمر ليس هامشيا بل إنه يتعلق بجذور مشكلة الكراهية التى ولّدت كل ما نقاسيه اليوم من إرهاب ووحشية وردود أفعال همجية، يتعلق بنظرة دوائر صنع واتخاذ القرار الغربية لقيمة إنسان المشرق، الإنسان العربى، الإنسان المسلم.. وهى تحديدا التى يراهن عليها المتطرفون من الجانبين لإذكاء مزيد من نار الفتن والحروب.. ولا تقف حدود التغطية المنحازة عند هذه الحادثة وحدها، بورما وغزة وأفريقيا الوسطى وغيرها عشرات الأمثلة تشهد على هذا العار الإنسانى.
أنصار نظرية المؤامرة ــ ومعهم كثير من الحق ــ يرون فى هذا المكيال تعمد ٌلبث الكراهية ضد الإسلام والمسلمين لمواجهة مد ٍإسلامى كبير فى أوساط الشباب الغربى، رغم كل ما يعانيه المسلمون الأصليون من تقهقر ٍحضارى وتدهور ٍأخلاقى.. لكن العجيب هو ما ترصده مراكز بحثية يُفترض حياديتها من تضاعف أعداد الباحثين أو الوافدين الجدد على هذا الدين بعد حادثة تشارلى إبدو.