فكرة تكوين النقابات ترددت، بنضج فى الكثير من الأفلام المصرية. فى العام 1958، مع الآمال المنتعشة فى حياة كريمة، سعيدة وآمنة، طرح «باب الحديد» قضية حق «الشيالين» فى إنشاء نقابة لهم، ترعاهم، تدافع عن مصالحهم، تقف إلى جانب المرضى والمحتاجين منهم، وهذا المطلب الخاص بفئة محدودة، منسية، فى المجتمع، يعنى بالضرورة الحض على تكوين نقابات متعددة، متنوعة، لكل مجموعة مهنية تعيش على أرض الوطن، وتوالت الأفلام فى هذا الاتجاه، حتى وصلت، بشمولها وعمقها، إلى حد تكوين نقابة للبوابين فى «البيه البواب» لحسن إبراهيم 1987.. السينما المصرية، بذكائها، واتساع أفقها، لم تهاجم أية نقابة، وأدركت، ولو على نحو عفوى، أن تكون النقابات يقوى بعضها بعضا، ويصب فى خانة النهوض بالدولة المدنية.
بعد أكثر من نصف قرن على عرض فيلم يوسف شاهين المهم، الجميل، طالب أحد أعضاء مجلس الشعب بتأسيس نقابة للدعاة، وهو مطلب عادل ونبيل، يستحق الاحترام والتأييد، لكن المشكلة أن السيد النائب فى دفاعه المشروع عن قضيته، كاد يفسدها ويهيل التراب عليها، ذلك أنه اندفع، بلا مبرر، ليصب جام غضبه السخيف، على نقابة الممثلين، والأدهى أنه أخذ يكيل الشتائم لأعضائها، ولم يتحرج عن وصفهم بأوصاف جارحة، خارجة عن الذوق، متدنية ومتخلفة، يعف اللسان عن ترديدها.. لم يلتفت النائب إلى أنه يضعف مطلبه الخاص حين لا ينتبه لمغبة افتراء هجائه المبتذل لنقابة أخرى، وفاته أن السينما المصرية بشرت بحق الجميع فى تكوين نقاباتهم، حين كان هو.. لا يزال طفلا رضيعا.
طبعا، جاء رد الفعل فوريا وحاسما، أعضاء نقابة الممثلين دخلوا المعركة بلا تردد، وبحماسة، وانهالوا على نزق تصريحات النائب نقدا وتفنيدا، ومعهم كل الحق فى هذا، وهو موقف يحسب لهم، فواجب كل أصحاب مهنة، الدفاع عنها، الأمر الذى قام به، بوعى وشجاعة، أشرف زكى وخالد يوسف ونشوى مصطفى، ولا أظن أن النائب المهزوم من الممكن أن يرد أو يعلق، ولكن الأهم أن هذه الخناقة التى اندلعت أهدرت قضية تكوين نقابة للدعاة، وجعلتها فى الخلفية الباهتة.. إنه درس نتعلم منه كيفية ضياع الهدف.