المعادلة الجديدة فى العلاقات الخليجية-الأمريكية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الأحد 18 مايو 2025 1:12 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المعادلة الجديدة فى العلاقات الخليجية-الأمريكية

نشر فى : السبت 17 مايو 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 17 مايو 2025 - 8:50 م

أنهى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتوه زيارته إلى دول الخليج العربى التى استمرت لثلاثة أيام، زار خلالها والتقى قادة دول السعودية والإمارات وقطر، فى زيارة وصفت بالتاريخية وكانت حديث وسائل الإعلام العالمية ومحلًا للتحليلات السياسية التى ركزت على التحولات فى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط فى عهد ترامب.
كان من الملفت لنظر معظم المحللين والمعلقين، أن هذه الرحلة هى الأولى رسميًا لترامب خارج البلاد فى ولايته الثانية، وأنه اختار المملكة السعودية ومنطقة الخليج العربى لتكون وجهته الأولى بدلًا من أن تكون مثلًا إلى أوروبا أو اليابان أو أمريكا اللاتينية، كما فعل العديد من الرؤساء الأمريكيين فى زيارتهم الخارجية الأولى دائمًا.
كان من الملفت لنظر المتخصصين بخصوص هذه الزيارة كذلك كيف أنها حولت العلاقات الأمريكية-الخليجية من معادلة (البترول مقابل الأمن)، وهى المعادلة الأمريكية-الخليجية القائمة منذ قيام الثورة الإيرانية قبل ٤٦ عامًا تقريبًا، والتى تم إعادة التأكيد عليها مرة أخرى بعد الغزو العراقى للكويت فى ١٩٩٠ إلى معادلة الشراكة الكاملة القائمة على الندية وتبادل المنافع!
فلم تعد دول الخليج مجرد مصدرًا للبترول الخام فى مقابل الحماية من الخطر الإيرانى، ولكنها ومع قادتها الأكثر شبابا (ولى العهد محمد بن سلمان، الشيخ محمد بن زايد، والأمير تميم بن حمد آل ثان) أصبحت تملك قرارها المستقل وتبحث عن النفع المتبادل من مبدأ الندية لا مبدأ الاعتمادية، ولعله لا توجد شخصية أمريكية أنسب من ترامب لفهم هذا النوع من الشراكة والندية والنفع المتبادل، بحكم طباعه وطريقته فى إدارة السياسة الخارجية والتى تعتمد على المبدأ النفعى بمعناه المادى البحت بعيدا عن أى أيدولوجيا أو أفكار ثابتة أو أى مكونات قيمية!
أكد ترامب بنفسه على هذا المبدأ الأخير فى كلمته المهمة فى العاصمة السعودية الرياض حينما قال إن وقت الإملاءات وإخبار الشعوب والدول بما يجب أن تفعل قد انتهى، وأن الولايات المتحدة – تحت قيادته- لن تخبر شعوب المنطقة بالكيفية التى يتوجب عليهم العيش بها! وهو ما لاقى استحسان فى الأروقة الداخلية لدول الخليج! هذا المبدأ- لو طبقه ترامب بالفعل- يعنى تحول فى السياسة الخارجية الأمريكية، والتى كانت قائمة بشكل دائم على المشروطية السياسية والتدخل فى الشئون الداخلية للدول، وهو تحول جذرى قد يغير الكثير من طبيعة العلاقات الأمريكية بالدول التى ترتبط معها بمصالح استراتيجية!

هذا التغيير المحتمل فى السياسة الأمريكية، يحمل أيضًا أخبارًا سيئة لمنظمات المجتمع المدنى والناشطين فى المجالات الحقوقية، والذين كانوا يعولون فى فترات سابقة وبدرجات متفاوتة على الضغوط السياسية الغربية عمومًا والأمريكية خصوصًا فى الحصول على بعض مساحات الحركة التى ساهمت فى تحسين قدراتهم التفاوضية مع الحكومات والأنظمة السياسية للدول المعنية.
فى المملكة العربية السعودية، وقع الطرفان الأمريكى والسعودى على عدة مذكرات تفاهم واتفاقات تنفيذية تقضى باستثمار المملكة ما يقرب من ٦٠٠ مليار دولار أمريكى فى الولايات المتحدة، متضمنة حوالى ١٤٢ مليار دولار للاستثمار فى المجالات العسكرية والدفاع المشترك بين البلدين، فى مقابل حصول المملكة على عدة اتفاقات فى مجال الدفاع والتزود بالأسلحة، وبحسب بعض المحللين فإن هذه الاتفاقيات كانت فى طريقها لتكون اتفاقية كاملة للدفاع المشترك، لكن حال دون ذلك إصرار الجانب السعودى أن يرتبط توقيعه على هذه الاتفاقية بدعم أمريكى معلنًا لدولة فلسطينية مستقلة، وهو ما لم يقلبه الطرف الأمريكى حيث تحجج الأخير بتعنت موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو! ولعل هذه إشارة أخرى على الندية فى العلاقات الأمريكية-السعودية، على عكس ما حاول البعض ترويجه خلال الأيام الماضية، ومن المعلن صراحة من الجانب السعودى، أنه لا توقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية التى تقضى بتطبيع الرياض مع تل أبيب وتحظى برعاية أمريكية عامة ومن ترامب بشكل خاص، إلا فى ظل قيام دولة فلسطينية مستقلة!
فى الواقع لم تتوقف المكاسب السعودية عند هذا الحد، ولكن حصلت المملكة على دعم أمريكى صريح للنظام السورى الجديد بقيادة أحمد الشرع، ورفع فورى للعقوبات الأمريكية على الدولة السورية، وهو ما يمهد الطريق ليس فقط لاستقرار الأوضاع فى سوريا ومن ثم فتح فرص للاستثمار السعودى بشكل خاص والخليجى بشكل عام فيها، لكن أيضًا تحقيق مكاسب استراتيجية للملكة تقضى بإبعاد النفوذ الإيرانى فى المنطقة!
كان اللقاء بين الرئيس ترامب والرئيس الشرع قصيرًا للغاية، ولكنه كان معبرًا عن المكسب والنفوذ السعودى، فقبل عدة شهور فقط كانت رأس الشرع مطلوبة للولايات المتحدة فى مقابل ١٠ ملايين دولار أمريكى نظرًا لانتماءاته الجهادية، وها هو وجهًا لوجه للرئيس الأمريكى تنفيذًا لرغبة الرياض!
فى قطر، كانت لزيارة ترامب أهمية تاريخية خاصة، بحيث أنها كانت الأولى لرئيس أمريكى فى السلطة إلى الدوحة، حيث كانت آخر زيارة لرئيس أمريكى إلى قطر قبل أكثر من ٢٠ عامًا وتحديدا فى الرابع والخامس من يونيو ٢٠٠٣، ووقتها لم يقم جورج بوش الابن بزيارة دولة بقدر كانت زيارته لدعم قواته المتمركزة فى المنطقة بعد الغزو الأمريكى للعراق بأسابيع قليلة!

فى مقابل تعهدات أمريكية أمنية للدوحة، أهدت الأخيرة طائرة عملاقة من طراز ٧٤٧-٨ للولايات المتحدة كى يتم استخدامها كطائرة رسمية للرئيس الأمريكى ترامب إلى حين انتهاء شركة بوينج من الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" التى تأخرت كثيرا عن أن يتم تسليمها فى موعدها بحسب تصريحات الأخير لوسائل الإعلام الأمريكية بعد تعرضه لحملة انتقادات واسعة بسبب قبوله لهذه الهدية!
كذلك فقد اتفقت قطر على شراء أسطول كامل من طائرات البوينج الحديثة لتنضم إلى الأسطول الكبير لشركة الطيران القطرى "قطر إير وييز" بقيمة اقتربت من ١٠٠ مليار دولار أمريكى، ويشمل ذلك شراء ١٣٠ طائرة من طراز ٧٨٧- دريم لاينرز بالإضافة إلى ٣٠ طائرة من طراز ٧٧٧-٩ بالإضافة إلى نحو ٥٠ طائرة أخرى من شركة بوينج من طرازات أحدث (لم يتم تسميتها)، كذلك فقد اشتملت الصفقة على قيام الدوحة بشراء ٤٠٠ محرك لطائراتها من شركة GE Aerospace الأمريكية.
كذلك فقد ضغطت الدوحة على القيادات السياسية لحركة حماس المقيمين لديها للإفراج عن الرهينة الإسرائيلى-الأمريكى عيدان ألكسندر، لكنها وفى المقابل حصلت أيضًا على مكسب مهم تمثل فى مقابلة ملفتة للنظر بين المبعوث الأمريكى ويتكوف وبين قيادات سياسية من الحركة لمناقشة سبل تحقيق صفقة جديدة بين حماس وإسرائيل تقوم فيها الأولى بالإفراج عن باقى الرهائن الأحياء بالإضافة إلى جثامين المتوفين منهم، فى مقابل إنهاء تل أبيب للحرب على غزة.
أما فى الإمارات العربية المتحدة فقد اتفقت أبوظبى مع ترامب على إقامة مجمع للبيانات الضخمة فى مدينة مصدر الإماراتية لدعم قطاع الذكاء الاصطناعى فى مقابل استثمار أبوظبى لنحو ١.٤ ترليون دولار أمريكى فى قطاعات التكنولوجيا والطاقة والذكاء الاصطناعى والصناعة الأمريكية خلال العشر سنوات المقبلة، كذلك فقد أكد الرئيس الإماراتى - كما فعل ولى العهد السعودى- ضرورة التزام إسرائيل بحل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، لكن كما العادة حاول الرئيس ترامب التنصل فى أى تعهدات بخصوص هذا الأمر مكتفيًا فقط بالتأكيد على مواصلة الجهود لإنهاء الحرب على غزة!
بكل تأكيد كانت زيارة الرئيس الأمريكى إلى دول الخليج تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفى تقديرى فإن محاولة تصوير الزيارة وكأنها حققت مكاسب لجانب واحد دون الآخر هو أمر غير دقيق، فالزيارة تحقق العديد من المكاسب الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية، فضلًا عن السياسية للدول الخليجية الثلاث، لكن يبقى المعيار دائمًا هو التنفيذ وهو أمر لا يمكن الحكم عليه الآن وعلينا انتظار السنوات المقبلة لمتابعة الكيفية التى سيتم تنفيذ فيها هذه الاتفاقيات من الجانبين!

كذلك، فليس من الدقيق أن يتم اعتبار تصريحات ترامب بخصوص الحرب على غزة، ولا حتى لقاء ويتكوف مع قيادات حماس على أنه مكسب للقضية الفلسطينية.
صحيح أن مثل هذه اللقاءات أزعجت تل أبيب كثيرا، وكذلك ورغم أن هناك مؤشرات إيجابية على تغير موقف ترامب من القطاع المنكوب، لكن مرة أخرى فإن الشيطان يكمن دائمًا فى التفاصيل وفى خطوات التنفيذ!

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر