حرب إبادة الصورة والكلمة - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 18 أغسطس 2025 10:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

حرب إبادة الصورة والكلمة

نشر فى : الأحد 17 أغسطس 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 17 أغسطس 2025 - 6:50 م

فى صباح لم يبدأ بعد رغم أن الصباحات والمساءات فى غزة متشابهة حد الوجع المزمن فلا شىء سوى مزيد من القتل والتجويع والمرض والصواريخ ورصاص القناصة يصطاد الأطفال كما الكبار وهم يقفون طوابير لمساعدات قد لا تصل، بل هى مصيدة أخرى ضمن خدع حرب الإبادة. هناك وفى ذلك الصباح استمروا فى مطاردة الرواية التى هى بالنسبة لهم كما المقاوم أكثر خطورة على كيانهم الهش من القنبلة. راحوا يغتالون الكلمة ويبيدون الصورة أو هكذا تراءى لهم رغم أن أنس الشريف وزملاءه محمد قريقع، إبراهيم ظاهر، مؤمن عليوة ومحمد نوفل ليسوا أول ولا آخر من تطارده آلات إبادتهم لأن مجرم الحرب يعمل دوما على طمس الحقيقة التى ستدينه مرة ومرات.

• • •

الصباح مثقل بالدخان والدم، وبين أنقاض حى الزيتون فى غزة، كان أنس الشريف يحمل كاميرته كما يحمل المقاوم بندقيته. لم يكن مجرد صحفى، بل كان عينًا للناس، وضميرًا حيًا فى زمن التواطؤ. وبينما كان يوثق لحظات القصف الإسرائيلى على المدنيين، استُهدف أنس بشكل مباشر، رغم وضوح هويته الصحفية، ورغم أنه كان يرتدى سترة الصحافة.

• • •

اغتيال أنس لم يكن حادثًا عرضيًا، بل رسالة واضحة: من ينقل الحقيقة يُقتل. لقد وثّق أنس، فى أيامه الأخيرة، مشاهد الأطفال تحت الأنقاض، وصرخات الأمهات، ودموع المسعفين، فصار هو نفسه مشهدًا من مشاهد الألم الفلسطينى. أنس ورفاقه ليسوا الأولين ولن يكونوا الأخيرين طالما حرب إبادتهم ومخططاتهم مستمرة ورغم أن الأعداد للإعلاميين والصحفيين الفلسطينيين تطول وتطول إلا أن هناك آخرين كُثر لم تدون أسماؤهم. لم تكن حروب إبادتهم للكلمة تقف عند حدود الأرض التى احتلوا واستعمروا بل طالت الصحفيين فى مدن وبلدان كثيرة، فلم يكن غسان كنفانى الأول ولا الأخير الذى مزقت أشلاءه فى بيروت بل هناك إعلاميون وكُتاب فلسطينيون طاردتهم آلة الموت الصهيونية فى أحياء وبلدان بعيدة.

• • •

الصهاينة يحاربون السردية كما يغتالون ذاك الشيخ المتمسك بشجرة زيتونة وجرافاتهم تقتلعها من الأرض متصورين بأنهم بذلك يقضون على الزرع والإنسان معا. إلا أن الأرض تنبت الزهر والزيتون والمقاومة كما تنبت شقائق النعمان فى سهول وجبال فلسطين.

• • •

تردد تلك المذيعة السؤال على ضيفها مجرم الحرب مرتدى البدلة وربطة العنق المزركشة «لماذا لا تسمحون للصحفيين الأجانب ومراسلى وكالات الأنباء ومحطات التلفزة الأوروبية والأمريكية بدخول غزة؟؟» فيعيد هو كما غيره من مجرمى حرب الإبادة نفس الإجابة الممجوجة التى تتكرر منذ أكثر من سبعين عاما لتبقى سرديتهم هم فقط لا غير لها حتى إن كثيرا من العرب صدقوها وأعادوا ما تنشره الجيوش الإلكترونية الصهيونية وهى المسيطرة على إعلامهم أيضا، بل حتى على كثير من المؤسسات الإعلامية الأمريكية والأوروبية، ألم تفتضح الروايات فى نيويورك تايمز عندما نتعرف على أن الصحفيين فى تلك الجريدة وكثيرا من العاملين فى غيرها كانوا جنودا فى جيش الاحتلال؟! وفيما هى تكرر السؤال لأكثر من ضيف قامت مجموعة من 200 من الصحفيين والمراسلين الأجانب بتوقيع عريضة تطالب بالسماح الفورى لهم بالدخول إلى غزة لتوثيق ما يجرى معززين طلبهم بأن هذا المنع يشكل تعتيما ممنهجا وهو يمس جوهر حرية الصحافة والإعلام التى نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية وأهمها المادة 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية. كما أشاد هؤلاء الصحفيون والصحفيات بشجاعة الصحفيين الفلسطينيين الذين يواصلون العمل رغم الجوع والقصف، وفقدان أفراد عائلاتهم، مؤكدين أن الدفاع عن حرية الصحافة فى غزة هو دفاع عن الحقيقة فى كل مكان.

• • •

عمل هؤلاء الإعلاميون المهنيون ربما على إعادة التذكير بدورهم وفى ظل تعتيم وتزييف للحقائق سقطت فيه كثير، بل ربما كل مؤسساتهم ففى ظل الأزمات والحروب يتطلع المراقبون للإعلام ليكون مرآة حقيقية للواقع إلا أن الإعلام الغربى كشف عن انحياز تلك المؤسسات، بل تواطؤها فى إعادة تكرار الخطاب الصهيونى. فمؤسسات كبرى كـ«نيويورك تايمز» والـ «بى بى سى» و«سى إن إن» تبنت فى كثير من تغطياتها حتى فى المصطلحات والمفردات ما يساوى الضحية بمجرم الحرب مثل «اشتباكات» بدل «قصف» و «مقتل صحفى» بدلا عن «اغتيال صحفى» متجاهلة كل تاريخ هذا الكيان منذ احتلاله لفلسطين ومخططاته التوسعية التى لم تكن أكثر وضوحا منها اليوم، ورئيس وزراء الكيان ومسئولوه يرددون «حقهم» التاريخى فى الأرض من النهر إلى النهر!! وهنا ساهمت تلك المؤسسات وغيرها حتى الكثير من الهيئات الإعلامية العربية فى اغتيال الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين مرتين، مرة عندما أصابتهم صواريخ جيش الاحتلال، ومرات عندما يعيدون تكرار الرواية الصهيونية.

هنا يصبح الصمت الإعلامى أو التزوير شريكين فى جريمة الإبادة والتطهير العرقى ويصبح الإعلام كالقذيفة «الذكية» آلة حرب تغتال الحقيقة كما يغتالون هم أهلنا فى فلسطين ولبنان وسوريا ووو!!! 

 

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات