قاوم حصارك - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 11 أغسطس 2025 12:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

قاوم حصارك

نشر فى : الأحد 10 أغسطس 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الأحد 10 أغسطس 2025 - 8:15 م

 بين مرض السرطان والصهيونية شكل من أشكال التقارب؛ لذلك يسمى البعض الصهيونية بالسرطان الذى يتسلل بين الخلايا فى الجسد، فيما الصهيونية تبدأ بحركة صغيرة مخفية لتنتشر، فتقضم الأرض وتبيد من عليها من أهلها الأصليين، بل وتحوّل الرواية لتبدو وكأن وجودها حق، وكأن الآخر هو المعتدى والإرهابى. هكذا هو السرطان؛ تتسلل خلاياه المريضة لتفترس الخلايا السليمة، ومن هنا تبدو المعركة والمواجهة متشابهتين. وهنا يبدو التشابه، وربما لأننا كبرنا فى صراع مستمر مع الاثنين؛ فالأول يصطاد الأحبة، والثانى يبيدهم ويسرق أرضهم وما عليها، ثم ينتقل إلى أرض أخرى وبلد آخر وهكذا دون توقف، فيما يتصور البعض أن المشروع الصهيونى لا يتعدى حدود فلسطين، وهم – أى الصهاينة – فى إعلامهم ومنتدياتهم يرددون: «من النهر إلى البحر!!!».

• • •

يشكل السرطان فى الوعى الجمعى رمزًا للمرض الذى يغزو الجسد بلا استئذان، يهاجم الخلايا ويغير مسارات الحياة، ويُلزم الأفراد بخوض معركة طويلة تتطلب الصبر والأمل والتضامن. فى المقابل، يظهر الاستعمار الصهيونى فى فلسطين كنموذج للهيمنة والاقتلاع الممنهج للهوية والأرض، ويمثل صراع الوجود والإرادة فى وجه مشروع استعمارى استيطانى.

• • •

لعل أنسنة التجربة الإنسانية تجعلنا نستلهم من مواجهة السرطان كمرض بعض الدروس لفهم مقاومة أشكال الاستعمار، حيث يشكل كل منهما تحديًا للهوية والبقاء والكرامة، ويفرض على أصحاب الحق تبنّى منطق الصمود والمواجهة. وفى الحالتين، أى السرطان والصهيونية، تبدو المواجهة جماعية وليست فردية؛ ففيما يقاوم من نحب السرطان، تبقى على المحيطين مهمة بقاء الإرادة فى المقاومة، لا الاستسلام للمرض. ومحاولة أن تنتصر الحياة على الموت متشابهة؛ فبنظرة سريعة على أهلنا فى غزة لا يستطيع أى إنسان حقيقى سوى أن يستلهم منهم ومنهن الدروس فى الصبر والصمود والمقاومة.

• • •

معظم جيلنا كبر فى بيوت تعرف معنى ذاك الغرس الذى زُرع فى خاصرة أوطاننا، بل ربما فى قلبها. كانت كتبنا ومعلمونا وأهلنا يسردون قصص المجازر المتتالية فى فلسطين حتى قبل قيام كيانهم فى العام 1948؛ فقد قامت العديد من المنظمات الصهيونية بما يقرب من 57 مجزرة قبل 1948، ومنها 37 فى نفس ذاك العام، بل إن كثيرًا من المجازر كان فى نفس اليوم. وقد انضمت معظم المنظمات الصهيونية الإرهابية إلى الجيش الإسرائيلى، ومنها من شكّل عناصر لواء غولانى، أحد أكثر ألوية هذا الجيش شراسة ودموية وفاشية.

• • •

وبعضنا عرف عذابات ذاك المرض الذى كان يفضل أهلنا أن يسمّوه «الخبيث» بدلًا من تسميته باسمه، كيف ينتقل بين خلية وأخرى، وكيف ينتشر فى الجسد ليقفز من جهاز إلى آخر، فيما ينخر فى مناعة المصاب. والنكبة الكبرى أن العلاج أكثر عذابًا، فى الكثير من الأحيان، وفتكًا من المرض نفسه. كيف استطاع العلم أن يتطور سريعًا لينتج أكثر المعدات العسكرية فتكًا، فيما عجز عن إيجاد دواء يواجه المرض؟؟ كيف؟؟

• • •

نبقى حائرين ونحن نتابع ما يقومون به من اختراق لكل الحواجز والأجهزة ليبيدوا أهلنا فى فلسطين ولبنان، فيما يقف الطبيب أمام من نحب يردد: «لا خيار سوى العلاج الكيماوى»، عارفًا أن فى العلاج كثيرًا من الألم وقليلًا من الأمل!!!

• • •

هو نفسه ذاك الأمل الذى كلما اشتدت فيه حرب إبادتهم فى غزة، برز وجه طفل بين الأنقاض يسرق الابتسامة، فيبشّر بأنهم لمنتصرون حتمًا بكثير من الموت، والجوع، والدمار، والفقدان. سينتصرون. وهو أيضًا عندما تجد من تحب وهو يذبل تدريجيًا أمام عينيك، والخلايا السرطانية تقفز بين تفاصيل جسده، تقف لتقول: قاومه لتنتصر عليه، حتى لو لبضع سويعات. وتقفون كلكم تنثرون المحبة وبعضًا من الفرح فى وجه المرض، لأنهم علمونا أن فى الوحدة قوة، وأن المحبة تزيد من مناعة النفس والجسد فيقاوم. نفعل هنا كما علمنا درويش: نحاصر حصارنا (حصار الصهاينة والسرطان)، ونربى الأمل، نزرعه بذرة لتكبر، وإن لم نقطفه نحن فسيقطفه غيرنا ويمضون به بعيدًا.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات