عندما اقتربت انتخابات أمريكا من بيتنا - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما اقتربت انتخابات أمريكا من بيتنا

نشر فى : الخميس 18 فبراير 2021 - 7:30 م | آخر تحديث : الخميس 18 فبراير 2021 - 7:30 م

قبل 4 سنوات، وفى خضمّ تغطية الانتخابات الرئاسية لعام 2016، اقتربت من حادثتين تمازج فيهما الشأن الأمريكى العام بالشأن الشخصى العائلى، وامتدّت آثارهما وتبعاتهما وصولا إلى اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول فى محاولة لعرقلة تصديق الكونجرس على نتائج انتخابات 2020.
بداية، أسكن فى أقصى «شمال غرب» العاصمة واشنطن، وهى منطقة تصوّت بنسبة 90% للمرشح الديمقراطى بعيدا عن اسمه أو برنامجه، وجذبت هذه المنطقة السكنية الهادئة اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية عام 2016.
فقد استضاف مطعم «ماجيانو» (Maggiano) الذى يبعد عن بيتى أقل من 80 مترا فعاليات احتفال كبير احتفاء بانتصار ترامب بالرئاسة ووصوله إلى البيت الأبيض، ومنظمو الحفل كانوا مجموعة ممن يؤمنون بسموّ الجنس الأبيض (White Supremacist)، ولم يعلم المطعم سابقا بهويّة منظّمى الحفل الذى حضره ما يقارب 200 شخص دفعوا تكلفة إجمالية قدرها 10 آلاف دولار.
وأدّت تغريدات المحتفلين عبر موقع تويتر، التى تضمنت صورهم ومقاطع فيديو أظهرت استدعاء عبارات وإشارات نازية تنادى بسموّ العرق الأبيض، إلى ردود أفعال غاضبة. وفور نشر هذه التغريدات تجمّع عشرات من جيرانى أمام المطعم احتجاجا على وجود هؤلاء العنصريين فى هذا المطعم الشهير الذى يعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحى، ومنعا لوقوع أى صدامات، قامت الشرطة بتأمين خروج المحتفلين بعد انتهاء الحفل وباعدت بينهم وبين المحتجين من سكان المنطقة.
***
الحدث الثانى وقع على بعد 600 متر من منزلى حيث يقع «كوميت» (Comet) وهو مطعم بيتزا عائلى شهير أكثر ما يميزه وجود 3 طاولات للعب البنج بونج داخله. وتقوم فلسفة المطعم على إضفاء جوّ من البهجة فى المكان وتشجيع الزبائن وأطفالهم على لعب البنج بونج قبل أو بعد تناولهم الطعام وذلك بلا أى تكلفة إضافية. وفى خضم الحملة الانتخابية لانتخابات 2016 انتشرت أخبار كاذبة على الإنترنت تدّعى وجود شبكة سرية يديرها جون بوديستا، مدير حملة كلينتون الانتخابية لاستغلال الأطفال جنسيا واغتصابهم فى غرف سرية داخل مطعم كوميت، وما كان من مواطن يسكن فى ولاية كارولينا الشمالية إلا أن يأخذ على عاتقه مهمة الكشف عن هذه الشبكة الشريرة، فجاء الرجل ويدعى، إدجار ماديسون ويلش، بعدما قطع مسافة تزيد على 500 كيلو متر للتحقق بنفسه ولتحرير هؤلاء الأطفال. وهو أب لطفلين، شعر بواجب اجتماعى لإنقاذ أطفال فى سنّ أولاده، فأحضر معه بندقيته نصف الآلية، واقتحم المطعم مطالبا بالكشف عن الغرف السرية التى يحتجز بها الأطفال الضحايا وتحريرهم. وبالطبع لم يعثر الرجل على شيء، ولم يؤذِ أحدا، فهو فقط أطلق طلقة تحذيرية كانت كفيلة بإثارة الهلع وخروج روّاد المطعم والعاملين به إلى الخارج. وألقت الشرطة القبض على الرجل الذى لم يقاومهم، بل حاول إقناعهم بالبحث معه عن الغرف السرية التى ربما توجد تحت الأرض، وعُرفت الحالة باسم «بيتزا غيت» (Pizzagate) فى إشارة إلى الفضيحة التى كان ضحيتها رجل بريء صدّق فقط ما نشره أحد المواقع الإخبارية المؤيدة لترامب.
وبعد الحادثة بأيام، ذهبت وعائلتى إلى مطعمنا المفضل، ولم تكن الزيارة مثل سابقتها، فأول من استقبلنا عند الباب الخارجى كان شرطيا مسلّحا ابتسم فى وجوهنا قبل أن يرحّب بنا، فتأكدت فى تلك اللحظات أننا نحيا فى مجتمع أمريكى نجح الرئيس السابق دونالد ترامب فى دفعه إلى حافة الجنون.
***
وفى صيف 2020، وقبل اشتعال الحملات الانتخابية فى مراحلها النهائية، سافرت فى عطلة إلى قرى وشواطئ ولاية كارولينا الجنوبية، وهى إحدى أكثر الولايات دعما للرئيس السابق ترامب، وقررت الاقتراب قدر الإمكان من أنصار ترامب، وإذ بى أواجه بواقع مختلف عمّا تعرفه وتتعامل معه النخبة السياسة والإعلامية بواشنطن العاصمة. والبداية كانت مع انتشار علم غريب يضعه كثير من المواطنين فوق سياراتهم وأمام منازلهم، ولدى سؤال أحد المواطنين، ممن رفعوا هذا العلم الغريب فوق سياراتهم، عن العلم، ردّ بالقول «هذا علم إظهار الدعم للشرطة ورجالها الأبطال، وهو رد على كل ما يتعرضون له من انتقادات».
وأثناء وجودى فى مدينة ميرتل بيتش الساحلية فى الأسبوع الأخير من شهر مايو، أقمت أسبوعا داخل أحد معسكرات البيوت المتنقلة (كرفانات) التى تضاعف اللجوء إليها مع فرض قيود على السفر والطيران، وحيث انتشرت أعلام حملة إعادة انتخاب الرئيس ترامب.
ورأى كثيرون ممن تحدثت إليهم أن «هؤلاء ممن يقيمون ويعملون فى مدن ليبرالية يسارية مثل واشنطن ونيويورك لا يمكنهم فهم أو تقدير ما يقوم به ترامب لخدمة الشعب الأمريكى».
وأدركت فى هذه الرحلة إلى الجنوب الأمريكى حجم التحديات التى نحن بصددها أمام انتخابات فريدة لن يقبل نتائجها أنصار الرئيس ترامب بعد ما توفّر كل ما يدعم شكوكهم فى نزاهة الانتخابات بفضل آلاف المواقع وملايين المساهمات فى صفحات على وسائل التواصل الاجتماعى، وقبل ذلك كله رئيس تعهّد أثناء حملته الانتخابية بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إذا خسرها.
***
نعم صمدت ديمقراطية أمريكا أمام أكبر تحدّياتها المتمثلة فى رفض رئيس فى السلطة الإقرار بهزيمته، ورغم ما سبّبه ترامب من زلازل سياسية فى السياسة الأمريكية، فإن المؤسسات انتصرت أمام رئيس لم يقتنع بأن منصبه هو وظيفة مؤقتة تنتهى فى تمام الساعة 12:00 ظهر يوم 20 يناير، وليس له أن يبقى دقيقة واحدة رئيسا بعد ذلك الوقت، وهو ما كان. ومع ذلك يبدو أن أضرار وتبعات ما جرى، لن نعرفها سريعا، فما جرى بالقوة والخطورة التى لن تترك أمريكا كما كانت، وكما عرفها العالم والأمريكيون أنفسهم.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات