الأم.. والتعب اللذيذ - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأم.. والتعب اللذيذ

نشر فى : الجمعة 18 مارس 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 18 مارس 2022 - 8:45 م

الأم والأمة صنوان، الأم الصالحة نواة الأمة الصالحة، والعكس صحيح، الأم أمة وحدها، الأم هى أقدس شىء بعد الرب سبحانه، هى أقرب شىء لعطاء الربوبية، فالله يعطى بغير حساب، ودون منٍّ، ويعطى من يطيعه ومن يعصيه من عباده، لا ينتظر مقابلا من عباده.

والأم ــ ولله المثل الأعلى ــ هى أقرب شىء لعطاء الرب سبحانه ــ فعطاؤها متواصل لا ينقطع ودون منٍّ ولا أذى ولا انتظار مقابل وتعطى أولادها جميعا من يطيعها ومن يعصيها تشفق على العاصى من أولادها وتمنحه مئات الفرص لكى يثوب إلى رشده ولا تقطعه أبدا.

قلب الأم ورحمته ودفئه وحنانه من أعظم مخلوقات الله على الأرض، وذلك فى كل الخلائق، إنها هبة الرب سبحانه للأم، فلا اطمئنان للابن مثل اطمئنانه وهو فى حضن أمه الذى يتدفق بالرحمة والحنان، هذا الحضن وهذا القلب له أسرار لا يعلمها إلا الله، إنه يهب الابن حتى لو كان كبيرا طاقة لا يجدها عند أحد من خلق الله.

قلب الأم وحضنها يشع بالطاقة الإيجابية، وبالنور الإلهى والرحمة الإلهية، ومن تضلع من معين السماء وعبودية الله الصافية ثم صدر وقلب أمه فلن يشقى أبدا، لو حصل أى إنسان رضا الله ورضا والديه وخاصة أمه فقد حاز كل شىء وأدرك نور السماء والأرض، فالأم هى العزاء فى الحزن والسلوى فى الألم والمحن، وهى الرجاء عندما يدب اليأس، وهى القوة فى الضعف.

 من يريد أن يعرف الأمهات فليتأمل آلاف الأمهات وهن يتابعن أولادهم المرضى فى المستشفيات، وفى الحضانات وفى العناية المركزة وقبل الجراحات وبعدها، بكاء، دعاء، رجاء، سؤال لكل أحد بدءًا من الطبيب وحتى العاملة مرورا بالممرضة، دوران على المستشفيات، وخاصة إذا كان لدى الأولاد مرض مزمن أو سرطان، دورات لا يعرف مشقتها وآلامها وأحزانها إلا الأمهات ولا يستطيع الصبر عليها إلا الأمهات.

من يريد أن يعرف الأمهات فليذهب إلى السجون والأقسام والمحاكم ليجد الأمهات خلف الأبناء يصلحن أخطاءهن ويسددن مسيرتهن ويشجعهن على التوبة والوقوف من جديد، لولا الأمهات لذل كل ابن تعرض لمحنة، تأمل من يزور السجناء والمعتقلين لن تجد سوى الأم ثم الزوجة والأخت، فالأم هى أول شخص تبادر إليه حينما تكون فى ورطة أو محنة أو أزمة، وهى أعظم من يصدقك فيها ويقف إلى جوارك، فهى تحب أولادها بلا شروط مهما أخطأوا، الأم هى القوة فى الضعف، قلبها عميق فى قاعه المغفرة لأولادها مهما صنعوا.

إذا أردت أن تعرف الأم فاسأل عن أمهات مرضى التوحد الذين يتبولون ويتبرزون على أنفسهم فيتجنبهم الجميع وينصرفون عنهم ويتمنى الجميع موتهم، إلا الأم تتحمل أذاهم وتمسح عنهم وتتمنى طول عمرهم وتبذل حياتها من أجلهم، لك أن تسأل عن العنت الذى تعيشه الأم التى ابتليت بطفل التوحد، سل عن صبرها وحلمها وحكمتها.

إذا أردت أن تعرف الأم فاسأل عن مكابدة أمهات الشهداء والجرحى فى كل الحروب والصراعات فى كل العصور، وأمهات الذين قتلوا فى القصف أو التفجيرات أو الذين لم يعثر لهم على جثث، سل عن تضحيات وبكاء وعويل وحزن وألم وصبر ورضا هؤلاء الأمهات.

أسكن بجوار عدة مدارس فأرى كل يوم الأمهات ينتظرن الأولاد وخاصة البنات بالساعات فى البرد أو الحر، أما فى الامتحانات فحدث ولا حرج ينتظرون بالساعات أمام اللجان، ومن قبلها يستيقظن من الفجر ليعشن ساعات قلق وتوتر مع أولادهن استعدادا للامتحان، تجهيز خاص، طعام خاص، صمت خاص.

كل البيوت مرت بتجربة الثانوية العامة، الأمهات تموت مع كل ابن كان فى الثانوية، وحينما يكون فى جبهات القتال، وقبل زواج البنت، وبعد زواجها، وحين ولادتها ومع مرض كل حفيد لتدور فى ساقية من العناء لا تنتهى، ولكنه الألم اللذيذ.

هذه هى الأم، التى لا يعطينا الله إياها إلا مرة واحدة، حب الأم لا يضعف ولا يشيخ أبدا ورحمتها تقوى مع الأيام، صدرها هو المدرسة الأولى لكل الناجحين فى الحياة، عيناها سر إلهام أولادها النابهين، واليتيم حقا هو من فقد أمه.

الأم تستعذب العذاب فى ذات الله وحبا فى أولادها، حبا يفوق الكلمات ولا تكفيه العبارات.

سلام على الأم صنو الأمة، سلام على صانعة الأبطال والرجال والأجيال، سلام على من أعطت فلم تستبق شيئا، سلام على أمى الغالية التى أعطت عطاءً خاصا أكثر من أى أم.

التعليقات