استشهدت صحيفة محلية ليهود مدينة سان دييجو بجنوب كاليفورنيا تدعىSan Diego Jewish World بموقف الحكومة المصرية فيما يتعلق بالعدوان على قطاع غزة، وخرج عنوان الصحيفة يوم السبت الماضى «نهاية تعاطف مصر مع حماس»، وذكرت أنه وعلى عكس ما أعتاد عليه العالم من وقوف الدول الإسلامية ضد إسرائيل فى كل المواجهات التى جمعتها مع تنظيم حماس سواء كانت دولة سنية كالسعودية أو دولة شيعية كإيران، تتمنى عدة دول عربية من جيش الدفاع الإسرائيلى أن يقضى على تنظيم حماس. وذكرت الصحيفة أن مصر تجىء على رأس هذه الدول. واستشهدت الصحيفة بما ذكره عدد من الاعلاميين وصناع الرأى وبعض السياسيين فى مصر ضد المقاومة الفلسطينية.
صدمة شخصية كبيرة سببها استشهاد أحد وسائل إعلام اللوبى الصهيونى بموقف البعض داخل مصر، وإضافة للصدمة، استدعت هذه الأزمة فى ذاكرتى تساؤل هام لم أجد إجابه له بعد. ويتعلق التساؤل بعدم اقتناعى أو فهمى لمنطق الدعم الأمريكى الأعمى لإسرائيل؟ دعم من كل الإدارات، الجمهورية والديمقراطية، وفى كل القضايا وعلى مختلف الجبهات، بما يجعله يمثل نمطا من الدعم لم يتكرر مطلقا فى التاريخ الإنسانى أو فى تاريخ العلاقات بين الدول على مر العصور.
•••
تمكن اللوبى الصهيونى الذى يتشكل مع عشرات ومئات المنظمات والشبكات المؤثرة أن يسيطر بدرجة كبيرة على عملية صنع القرار الأمريكى فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. كما أستطاع أيضا أن يقوم بإقناع الأمريكيين بأن مصالحهم ومصالح إسرائيل متطابقة فى الأساس.
بمجرد بدء العدوان على قطاع غزة، أعدت منظمة آيباك، وهى أكبر تنظيمات اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، مذكرة قصيرة تشمل ثلاث نقاط، ووزعتها على أعضائها لكى تكون بمثابة الرد على أى تساؤل من الإعلام أو المسئولين أو المواطنين الأمريكيين بخصوص أزمة غزة. أول هذه النقاط يظهر أن حماس مصممة على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، والنقطة الثانية أن إسرائيل تمارس حقها الشرعى فى الدفاع عن نفسها، والنقطة الثالثة تعلق بضرورة أن تقف الولايات المتحدة مع حليفتها إسرائيل.
من هنا خرج الموقف الأمريكى الرسمى فى خلاصته معتبرا أن تنظيم حماس يطلق صواريخه على أبرياء فى إسرائيل التى اضطرت للرد دفاعا عن نفسها، وهو ما جاء فى تصريحات رسمية للخارجية والبيت الأبيض. أما الإعلام الأمريكى فقد نقلت غالبية وسائله أخبار العدوان مطابقة للموقف الرسمى الذى يعتبر القصف الإسرائيلى لغزة من قبيل الدفاع عن النفس. وركزت التغطية على الصواريخ المنطلقة من غزة وتغاضت عن سيل الصواريخ الإسرائيلية المنهمرة من أحدث الطائرات الأمريكية على مئات المواقع الفلسطينية. وساوى الإعلام الأمريكى بين القدرة الإسرائيلية العسكرية وقدرة حماس، حتى إن شبكة «آى بى سي» المرموقة صورت مدنيين ضحايا للقصف على أنهم إسرائيليون رغم كونهم فلسطينيين، وذلك قبل أن تستدرك خطأها فى اليوم التالي.
تتنوع تنظيمات اللوبى الصهيوني، وتنتشر فى أرجاء الولايات المتحدة. ومنذ تأسيسها عام 1951، تعد آيباك أهم وأقوى الجماعات نفوذا فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وهذا النفوذ ليس مقتصرا على العاصمة الأمريكية، فقوة المنظمة قائمة على تواجدها فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة حيث تتمتع اللجنة بالعديد من المكاتب المحلية فى الولايات الخمسين خارج مدينة واشنطن. ومع هذا التوسع دعمت آيباك إنشاء ثينك تانك (مركز أبحاث) مهم هو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy عام 1985. وكان الهدف الأصلى من تأسيس هذا المعهد هو نشر الأبحاث المؤيدة للموقف الإسرائيلى والداعمة لأمن الدولة. وروج المركز خلال الأيام الماضية أن الحكومة المصرية تبنت نفس رد الفعل على أزمة غزة هذه المرة بدون اختلاف عما كان يحدث تحت حكم حسنى مبارك أو حكم محمد مرسى.
وإعلاميا تم تأسيس معهد الأبحاث الإعلامية عن الشرق الأوسط ميمرى MEMRI ، ويثير سجل المعهد الكثير من التساؤلات حيث إنه من المعروف على نطاق واسع قربه من الدوائر الحكومية الإسرائيلية، رغم أنه مسجل رسميا فى واشنطن كمنظمة أمريكية غير حكومية تأسست عام 1998 على يد العقيد إيجال، وهو ضابط استخبارات سابق بالجيش الإسرائيلي، وعمل مستشارا أمنيا لمكافحة الإرهاب لكل من رئيسى الوزراء الإسرائيليين إسحاق شامير وإسحاق رابين. نشر المعهد خلال الاسبوعين الماضيين ترجمة لعدد من الفيديوهات التى يهاجم فيها إعلاميون وسياسيون مصريون تنظيم حماس، وأرسلها لقائمة بريدية تبلغ عدة آلاف من المهتمين بشئون الشرق الأوسط داخل وخارج الولايات المتحدة.
•••
مع بدء ربيع العرب شن اللوبى الصهيونى حملات متكررة ضد الديمقراطية العربية مخافة أن تأتى بقوى ديمقراطية تناصب إسرائيل العداء. ودعم جهود هذا اللوبى فى واشنطن سفارات عدة دول عربية قاومت، ومازالت تقاوم بشدة حركة التغيير العربية. وجمع الطرفين رغبة عارمة فى إبقاء المواطن العربى متعايشا مع وباء الاستبداد وآفة الديكتاتورية.
وهكذا تثبت أزمة غزة أن أهم ما تتميز به إسرائيل هو نحن، «جيرانها» أو «أعداؤها»، فقد حبا الله إسرائيل بجار أو عدو غارق فى ظلمات التخلف، وللأسف امتد هذا التخلف للعديد من المنابر التى تقود الرأى العام وتساهم فى تشكل فهم أطفالنا وشبابنا للعالم الذى نحيا فيه. وبدلا من البحث الحقيقى عن أسباب تخلفنا، وأسباب تقدم إسرائيل وجيش إسرائيل. اختار الإعلام المصرى أن يتجنب العدو القوى الذى لا تقدر مصر على مواجهته اليوم. وبدلا من ذلك تم شيطنة قوى المقاومة الفلسطينية بسبب توازنات وسياسات محلية ضيقة، وقصيرة الأجل، لا يستفيد منها اليوم ومستقبلا إلا العدو الإسرائيلي. ويبدو أنه لم يعد كافيا الاختلال الكبير فى توازن القوة لصالح إسرائيل، لذا قام البعض بتقديم هدايا مصرية مجانية للوبى الصهيونى ليستخدمها كمبرر للعدوان والقتل والظلم.