هل نجح السوريون فى بلادنا؟ - نادر بكار - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نجح السوريون فى بلادنا؟

نشر فى : الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 8:00 ص

دفعت مقدم التعاقد بالفعل ومر َشهر ٌوأكثر وأنا أؤجل لحظة تسلم غرفة نوم الأطفال الجديدة...أنا وزوجتى فى شدة الحاجة إليها، لكنى أعلم مواصفات اليوم الذى سأرهن فيه نفسى ووقتى وبيتى وأعصابى أيضا بين يدى العمال ( الصنايعية بالمصطلح الدارج )...يوم ٌطويل ثقيل عصيب مرتبك مشحون ووو...وقل ما شئت...هذا إن كان يوما واحدا ! ولم يمتد إلى اثنين أو ثلاثة...لهذا كنت سأماطل حتى أتفرغ تماما ليوم الطوارئ هذا، مازالت ذكرى انتقالى إلى سكن ٍجديد ماثلة أمام عينى بكل ما عانيته فيها مع العمال... زوجتى التى وعدتها مرارا أن كل شىء ٍسيكون على ما يُرام لم تلمنى مع كل زجاج تكسر أو قطعة أثاث تهشمت لكن عينيها يومها نطقتا بالكثير !

طبعا استلام غرفة واحدة وتركيبها لا يماثل نفس المأساة، لكنه على أية حال نوع من التعامل مع نفس هذا النموذج الفريد من البشر...الصنايعية !

مفاجأتى الأولى كانت مع رنين هاتفى يدق تقريبا فى الموعد الذى اتفقت عليه مسبقا مع شركة الأثاث لاستلام الغرفة، اسأت الظن قطعا واعتقدت أنهم بصدد التأجيل فهيأت نفسى لمعركة تليفونية أعرف خسارتى لها مقدما....ورغم أنه لا مواعيد محددة لعملى لكنى تذكرت متحسرا كل ترتيباتى لأظفر بيوم الاجازة هذا وكيف سأتمكن من تهيأة يوم بديل.... لكنى لم أصدق أذنى أولا وأنا اسمع من محدثى أنهم أمام المنزل تقريبا وثانيا لطريقته شديدة التهذيب فى التأكد من العنوان ومواصفات الغرفة المطلوبة....اللكنة لا تخطئها الأذن لاسيما فى هذا التوقيت...هذا سورى ٌلا شك فى ذلك !

ساعتان فقط استغرقهما العمل داخل الغرفة !.... سوريان أحدهما قائد المجموعة ومصرى واحد أنجزوا ما فرغت له يوما كاملا فقط فى ساعتين ! والعجيب أن هدوء ثلاثتهم أغرانى شيئا فشيئا لاختلاس لحظات أتابع فيها قراءة بريدى الإلكترونى ثم ما لبثت اللحظات أن تحولت إلى ساعة ونصف الساعة نسيت فيها وجودهم أصلا وما تنبهت إلا وصوت الشاب السورى شديد التهذيب ينادينى لأستلم الغرفة أو أوجه بأى تعديل !

ساعتان ما سمعت لثلاثتهم صوتا لا فى نقاش ٍبينى ولا فى غيره وأنا الذى تعودت من الصنايعية على الصياح بل وربما العراك أيضا !... قدمت لهم واجب الضيافة قطعا لكن طن َالشاى الذى كنت قد وطنت نفسى عليه طالما أن المسألة تعامل مع صنايعية لم يعد لوجوده ضرورة مع هؤلاء...لم يتركوا قصاصة ورق أو بقايا أكياس بلاستيكية وراءهم إلا وحملوها معهم...تخيل !

«تمام أنا مش عارف اشكركم ازاى »...«لا أبدا تحت أمرك ده شغلنا....طيب السلام عليكم !» «وعليكم السلام...استنى بس حضرتك معلش كام الحساب ؟»...«لأ حضرتك الحساب ضمن المبلغ اللى حضرتك أصلا دافعه النقل والتركيب مجانا !»...«لا لا ما ينفعش أنا مبهور بيكم مجانا إيه بس...اتفضل حضرتك دى حاجة بسيطة للشباب»...«أبدا يا فندم ما ينفعش !»....ربع الساعة أحايله أن يقبل منى مالا لا يساوى بحال تقديرى وامتنانى لهم...تذكرت طبعا أن هذا ما ذكره معرض الأثاث من قبل وتذكرت أيضا أنى ضحكت فى سرى يومها لأنى أعرف مصر...وأعرف الصنايعية...لكن هؤلاء كانوا شيئا آخر...هؤلاء كانوا سوريين !

لماذا ينجح السوريون فى بلادنا؟ الأمر ليس مقتصرا على هذه الحالة بالطبع، فأنا عن قرب ٍواطلاع لم أر إلا نجاحا منقطع النظير لفتيان وفتيات سوريا ليس فى مصر وحدها بل فى دول ٍعربية عديدة زرتها قبل اندلاع الثورة فى دمشق وبعدها...ما السر؟ الطينة واحدة ــ إلى حد كبير ــ نفس اللغة، الموروث الثقافى، الدين وغيرها .

لا أحب التعميم إيجابيا كان أم سلبيا، وكنت فى طفولتى أسخر كثيرا من الذى يتحدث عن اليابانيين مثلا كل اليابانيين وكأنهم كائنات فضائية لا تنتنمى لعالم البشر ! كنت ومازلت موقنا خطأ هذا التصور...يمكن أن يكون السمت ُالغالب على شعب ٍبعينه الذكاء أو الاجتهاد أو على النقيض البلادة أو التعصب، لكن هذا لا يعنى بالضرورة انطباق ذلك على كل أفراده .

لكن السؤال مازال مطروحا...لماذا ينجح السوريون فى كل دولة ارتادوها ووفرت لهم الحد الأدنى من الفرص ؟