نشر موقع فورين بوليسى مقالا للكاتبة Heather Ashby، تتحدث فيه عن أن التطرف ليس مرتبطا بالمسلمين فحسب وتؤكد بالأمثلة ذلك ذاكرة هجمات وقعت فى النرويج ونيوزيلندا والولايات المتحدة. تقول أيضا أن انتشار اليمين المتطرف لا يحدده الهجمات العنيفة فقط لكن يحدده توجه السياسيين أيضا كما الحال فى ترامب والهند والمجر.. نعرض منه ما يلى.
من البرازيل إلى الولايات المتحدة، ومن المجر إلى نيوزيلندا، تشكل الأفكار والجماعات اليمينية المتطرفة تهديدا خطيرا للمجتمعات الديمقراطية. وفى هذا السياق، يعكس الدعم المستمر الذى تلقاه دونالد ترامب من أجزاء من قاعدته على الرغم من أعمال الشغب فى مبنى الكابيتول الأمريكى فى 6 يناير الجارى التطور المستمر للتهديد العالمى للديمقراطية. من جانبها، قالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردن بعد أن قتل إرهابى يمينى أكثر من 50 شخصا فى مسجدين فى بلدها: «ليس هناك شك فى أن أفكار ولغة الانقسام والكراهية موجودة منذ عقود، ولكن شكل توزيعها وأدواتها جديدة».
على أى حال، إذا كان هناك أى أمل فى إصلاح هذه الانقسامات والنهوض بالمساواة وسيادة القانون وإقامة مجتمع مدنى شامل واحترام حقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى العمل مع الدول الأخرى والمنظمات متعددة الأطراف لبناء تحالف لمكافحة نمو وانتشار اليمين المتطرف.
***
بعد ما يقرب من عشرين عاما من هجمات الحادى عشر من سبتمبر وما تلاها من إعلان ما أطلق عليه القادة الأمريكيون «الحرب العالمية على الإرهاب»، يجد العالم نفسه فى مواجهة تهديد جديد (نمو التطرف اليمينى فى جميع أنحاء العالم). وساعد على ذلك توافر منصات وسائل التواصل الاجتماعى ومحادثات الدردشة Chat والتى كانت بمثابة وسائط مهمة للأشخاص لتبادل الأفكار والتواصل والتعلم من بعضهم البعض بغض النظر عن الموقع الجغرافى، مما يسهل الاتصالات التى كان من الصعب تكوينها قبل ذلك.
وفى حين أن الأيديولوجية والجماعات اليمينية المتطرفة ليست جديدة على أجزاء كثيرة من أوروبا، إلا أن نمو الهجرة من الدول الإسلامية، وزيادة حركة الأفراد داخل الاتحاد الأوروبى، وانتشار الأفكار اليمينية المتطرفة من السياسيين الشعبويين كرد فعل على ارتفاع الهجرة، أدى إلى تصاعد اليمين المتطرف بدءا من 2010.
على سبيل المثال، نفذ الإرهابى النرويجى اليمينى المتطرف أندرس بيرينج بريفيك هجومه الوحشى والقاتل فى أوسلو وجزيرة أوتويا فى يوليو 2011. وفى بيانه، برر فعلته بالحاجة إلى الدفاع عن أوروبا من الهيمنة الإسلامية والتعددية الثقافية. وردا على الهجمات، غيرت النرويج قوانينها لإعادة تعريف متطلبات إدانة الإرهاب، ووافقت على مشاركة معلومات بصمات الأصابع من التحقيقات الجنائية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لتمكين الدول الأخرى من مراقبة تصرفات الأفراد الذين يعبرون الحدود، وأطلقت استراتيجية وطنية لمكافحة خطاب الكراهية فى عام 2016. الاستراتيجية تبنت توصيات من الأمم المتحدة. ويضمن النهج الذى تتبعه النرويج فى معالجة التطرف مشاركة المواطنين بفاعلية فى تعزيز قيم البلاد لمكافحة التهديدات.
وبينما كانت النرويج لا تزال تعمل على مواجهة التطرف، ضرب الإرهاب اليمينى المتطرف الولايات المتحدة. ففى عام 2015، قتل ديلان روف تسعة أشخاص سود فى كنيسة إيمانويل الإفريقية الميثودية الأسقفية التاريخية فى ساوث كارولينا. كان روف يعتقد أن البيض بحاجة إلى الحماية من مخاطر المجموعات الأخرى. وبالنسبة إليه، تشمل المجموعات الأخرى اليهود واللاتينيين والسود. تبنى روف أيضا السمات الرئيسية للأفكار اليمينية المتطرفة التى تركز على الحنين إلى الماضى الأبيض التاريخى العظيم لذلك فعل ما فعله رغبة منه فى مواجهة الإيذاء المتصور ضد البيض فى الوقت الحاضر.
لكن على الرغم من أن رد الولايات المتحدة على الهجوم لم يؤد إلى اتباعها نهجا رئيسا ضد التطرف اليمينى كما فعلت النرويج، إلا أنه أدى إلى حوار ومبادرات على المستوى المحلى فى ساوث كارولينا؛ حيث أجبرت جرائم القتل التى وقعت فى 2015 سكان ساوث كارولينا والنشطاء والسياسيين والأكاديميين على مواجهة تاريخ الولاية الطويل من العنصرية والتمييز. كما تعاون نشطاء الحقوق المدنية وجامعة ساوث كارولينا على إنشاء هيئة تعاونية فى ساوث كارولينا «للعرق والمصالحة»، لتشجيع المجتمعات المحلية على مواجهة العنصرية من خلال بناء تحالفات وعلاقات أقوى بين الأعراق المختلفة.
كذلك الأمر فى الهجوم المميت فى مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا فى عام 2019 والذى أبرز أن التطرف اليمينى استمر فى النمو فى جميع أنحاء العالم. مطلق النار فى كرايستشيرش ذكر اسم النرويجى المتطرف بريفيك فى بيانه الخاص وأشار إلى أنه فعل ذلك لحماية البيض من أصل أوروبى من الهجرة والمسلمين والتهديدات الأخرى التى وصفها بأنها ترقى إلى «الإبادة الجماعية للبيض». تحركت حكومة نيوزيلندا بسرعة بعد الهجوم لمعالجة التطرف اليمينى وغيرت قوانين الأسلحة فى البلاد لحظر نوع الأسلحة شبه الآلية المستخدمة فى الهجوم، كما أظهرت دعما واضحا للمجتمع المسلم فى نيوزيلندا.
نيوزيلندا لم تكتفِ بكل ذلك بل عملت مع فرنسا وشركات التكنولوجيا لإيجاد حلول للقضاء على المحتوى الإرهابى والمتطرف العنيف على منصات التواصل الاجتماعى بناء على القوانين المعمول بها وكذلك معايير الصناعة وحقوق الإنسان الدولية بما فى ذلك حرية التعبير. وأدى الهجوم أيضا إلى استجواب وطنى حول قيم البلاد ومعاملة مجتمعاتها المتنوعة. وفى تقرير صدر فى ديسمبر 2020، كشفت اللجنة الملكية للتحقيق فى الهجوم عن فشل قوات الأمن فى البلاد فى تتبع التهديد اليمينى المتطرف والكراهية والتمييز وسوء المعاملة التى واجهها المسلمون والجماعات الأخرى فى نيوزيلندا. قدم التقرير أيضا سلسلة من التوصيات بما فى ذلك تعزيز التواصل مع تلك المجتمعات وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المسئولة عن مكافحة الإرهاب.
***
ليست الهجمات المباشرة فقط هى التى تحدد انتشار أيديولوجية اليمين المتطرف. فعلى مدى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تغلغلت هذه الأفكار فى الأحزاب السياسية وأثرت على السياسيين.
ففى عام 2010، أصبح فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر. وخلال فترة ولايته، أعرب عن أفكار مناهضة للاجئين والمهاجرين وادعى أن أوروبا قد ضربتها ثقافات وجماعات أخرى، وخاصة المسلمين. وباستخدام سلطته التى أتت من حكمه للدولة، عمل أوربان وحزبه على تقويض الديمقراطية من خلال تغيير القوانين لوضع الموالين له فى الخدمة المدنية، ومهاجمة المؤسسات الأكاديمية، والحد من حرية الصحافة، وتعزيز مفهوم الهوية القومية المجرية المفردة. ووصل الأمر إلى قيام أوربان بالإشادة ببرنامج ترامب «أمريكا أولا». لكن ردا على ذلك، سار آلاف المواطنين المجريين للاحتجاج على سياسة الحكومة. وفى الآونة الأخيرة، اتحدت أحزاب المعارضة لتحدى حكم أوربان وحزبه فى انتخابات 2022.
مثال أخر، فى عام 2014، فاز ناريندرا مودى وحزبه اليمينى بالأغلبية فى الانتخابات الهندية. قبل فوزه، رفضت الحكومة الأمريكية منح تأشيرة لمودى بسبب الاشتباه فى دعمه لهجمات عصابات المتطرفين الهندوس على المسلمين فى ولاية غوجارات الهندية عام 2002، عندما كان رئيسا للوزراء فى ذلك الوقت. لكن أخيرا احتضنه المجتمع الدولى وشجع مودى الفصائل الأكثر تطرفا فى حزبه، وأدخل الأفكار المتطرفة إلى التيار الرئيسى، ودفع الاعتقاد بأن الهند دولة هندوسية بغض النظر عن تنوعها الكبير.
كما سعى سياسيون من حزب مودى أمثال بهاراتيا جاناتا إلى تعزيز سرد الضحية الهندوسية لتبرير دعم التدابير المناهضة للديمقراطية مثل قانون تعديل المواطنة لعام 2019، والذى يستثنى المسلمين من قائمة الجماعات الدينية المضطهدة من البلدان المجاورة الذين يمكن أن يكونوا مؤهلين للحصول على الجنسية الهندية. ولكن ولتحدى مودى وتصرفات الحكومة، احتشد مئات الآلاف من الهنود لإثبات كذب هذه المعلومات المضللة. كما يقوم موقع الأخبار الهندى AltNews بفحص حقائق السياسيين والمقالات والمعلومات الأخرى، وتحديد التقارير المضللة والكاذبة لإبلاغ الجمهور بها.
مثال أخير، أدى صعود جاير بولسونارو إلى الرئاسة فى البرازيل فى الفترة 2018 ــ 2019 إلى استمرار الأفكار اليمينية المتطرفة فى الظهور. فخلال حملته، دعا بولسونارو إلى إعادة البرازيل إلى مجدها السابق من خلال الهجمات على المؤسسات الحكومية والأقليات، فضلا عن العنف ضد المجرمين والنشطاء وأحزاب المعارضة. وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعى، تمكن من زيادة دعمه فى جميع أنحاء البلاد.
كان بولسونارو أيضا مؤيدا قويا لترامب وحتى أنه أيد ترامب خلال حملة إعادة انتخابه. لكن نتيجة لهجمات بولسونارو على الديمقراطية البرازيلية، أصبحت الجماعات المهمشة فى البرازيل أكثر انخراطا فى السياسة لإعادة تصور المجتمع المدنى فى البلاد. وتتنافس النساء السود الآن فى البرازيل على المناصب وعلى منصات تركز على حقوق الإنسان والكرامة والمساواة ومكافحة العنصرية.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى