هل يخرج الاقتصاد المصرى من تحت السلم؟ - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الجمعة 21 فبراير 2025 8:26 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل يخرج الاقتصاد المصرى من تحت السلم؟

نشر فى : الخميس 20 فبراير 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الخميس 20 فبراير 2025 - 8:10 م

فى هذه السلسلة من المقالات بعنوان «أمام المرآة»، أضع نفسى مع صانع القرار أمام مرآة النقد الذاتى. وإن كنت لا أشاركه فى عملية اتخاذ القرار إلا أننى أشاركه فى حب هذا الوطن الغالى، الذى خرجت من قلب عاصمته النابض، بعد تخرجى فى الجامعة منذ أكثر من ثلاثين عامًا. وعملت فى قطاعات تعتبر مقياسًا لإيقاع الاقتصاد المصرى حتى استقرارى حاليًا فى مجال إدارة صناديق الاستثمار الدولية من أهم عواصم المال والاقتصاد الأوروبية، ولكن يظل قلبى وعقلى ساكنين بمصر، أتحين فرص الاستثمار بها بفارغ الصبر، متمنيا لها الرفعة والتقدم والرخاء، التى لن تتحقق دون شجاعة النقد البناء من كل غيور على وطنه. هى مجموعة مقالات ترددت كثيرًا قبل كتابتها. ففى بعضها سيظننى القارئ منتقدًا وفى مقالات أخرى سيظننى مدافعًا عن الأداء الحكومى بينما الغرض الحقيقى من هذه المقالات هو التحليل وإلقاء الضوء على ما أراه فرصًا وتحديات. فأرجو أن يتسع صدر الجميع لرؤيتى والتى قد تصيب أو تخطئ ولكنها فى كل الأحوال تأتى من منطلق وطنى خالص.

أتعاطف مع السيد وزير المالية. هو فى تقديرى على مستوى علمى يضعه فى مصاف الخبراء العالميين ونشهد له بالكفاءة حيث أتابعه وأقدره من فترة طويلة فى مناصبه السابقة داخل الوزارة. وسبب تعاطفى أنه يدخل عش دبابير لم يسبقه فى الدخول إليه سوى الدكتور يوسف بطرس غالى وهدفه أن يخرج الجزء من الاقتصاد المصرى الموجود «تحت السلم» حتى تستفيد الدولة من الدخل الإضافى الذى يمكن أن توفره هذه المنظومة من عائدات. من أجل ذلك يعمل الوزير على عدة محاور منها توحيد الجهات التى تطرق باب المستثمر حتى لا ينزعج يوميًا بجهات مختلفة ومنها محاولات لإصلاح المنظومة الضريبية وفى نفس الوقت تجرى محاولات بالتعاون مع البنك المركزى فى تعظيم الشمول المالى Financial Inclusion حتى تكون معظم الأموال داخل النظام المصرفى. فى تقديرى هنا تنتهى القصة وبالتأكيد سيكون هناك بعض المكاسب وكيف لا يكون هناك مكاسب وهناك نية خالصة للحل على الأقل فى الجهات العليا من المنظومة. ولكن فى تقديرى فخروج الاقتصاد من تحت السلم يحتاج إلى إعادة تفكير للمنظومة بشكل متكامل ويحتاج ذلك إلى حل جذرى خارج عن المألوف مثل حل خلق منظومة موازية تصبح مع الوقت هى المنظومة الوحيدة ونترك المنظومة الموجودة حاليًا تتآكل مع الوقت.
مشاكل المنظومة متعددة وبعضها فى تقديرى لن يظهر سوى بتأسيس نظام جديد. مثلاً، بينما تتحدث الحكومات المتعاقبة عن تسهيل إجراءات إنشاء الشركات والشباك الواحد ومبادرات أخرى نجد أن بعض هذه المبادرات تسببت فى إبطاء إجراءات الإنشاء والتسجيل بدلاً من تسريعها وذلك لأن المنظومة لا تتماشى مع الفكر. وفى نفس الوقت، نسيت كل هذه المبادرات عنصرًا هامًا فى السوق وهو عنصر الخروج من السوق، فالخروج من السوق فى مصر هو رابع المستحيلات فأى شركة لها ما نطلق عليه بالعامية «ذيول» جمع «ذيل» وهذه الذيول كما تكون المنظومة مصممة لتبقى سنوات بل وفى أغلب الأحوال عقود طويلة. حتى إغلاق حساب مصرفى فى مصر شبه مستحيل وبينما هو إجراء فى العالم كله يتم من على تطبيق المحمول فى ثوانٍ معدودة ولكن لسبب ما يبدو مستحيلاً فى مصر فخدمة العملاء فى البنوك نصيحتها الوحيدة أترك الحساب حتى يتم تهميشه مع الوقت.
ثم كيف نطالب الشركات بالخروج من تحت السلم بينما الملعب ليس متساويًا ويجب بالأحرى مساواة الملعب أو ما يعرف بالإنجليزية Level the Playing Field ما بين الشركة الصغيرة والكبيرة من ناحية وذلك من خلال تطبيق قوانين عادلة لحماية المنافسة والأهم هو مساواة الملعب بين المستثمر مهما كان حجمه والحكومة. فأى صراع بين المستثمر والحكومة هو صراع غير متساوٍ حتى وإن لجأ إلى القضاء فالقوانين تميل للحكومة بل أكثر من ذلك فإذا قاضيت أية جهة حكومية تصبح المصاريف القضائية سيفًا على رقبتك تجعلك تتجنب ممارسة حقك فى اللجوء للقضاء حتى وإن كنت على حق فثمن الخسارة يصبح أكثر فداحة. والصراع مع أى بنك هو صراع آخر غير عادل فالكفة ترجح البنك الذى يبلغ البنك المركزى بموقفه وكذلك «الآى سكور» الذين ينحازون لموقف البنك كأمر واقع حتى فى ظل وجود صراع قضائى فيجد المستثمر أو حتى الشخص العادى نفسه فى موقف غير محسود عليه ومعاملاته المصرفية متوقفة تمامًا بسبب اتهام بنك له حتى إذا كان الاتهام غير صحيح أو محل نزاع وتقاضٍ. وفى أفضل الأحوال تأخذ إجراءات التقاضى شهورًا إن لم تكن سنوات تتعطل فيها الأعمال والمصالح. والبنوك لا تدفع أى ثمن فى حالة خسارتها. حتى قضايا التعويض يخاف منها العملاء فأولاً لا يسمح القانون بتعويضات سوى فى حدود ضيقة ويبقى بالطبع خطر المصاريف القضائية مرة أخرى على عاتق العميل إذا خسر القضية. وتمتد المخاطر ليس فقط للعميل ولكن لورثته من بعده فبينما يحمى القانون الوريث إلا فيما آل إليه من ورث فالتطبيق به تجاوزات تجعل الوريث محل إجراءات عنيفة حتى بينما قضايا براءة الذمة تتداولها المحاكم. فبالله عليكم، كيف نقنع شخصًا بإخراج أمواله من تحت المرتبة سوى فى حدود ضيقة للاستفادة من الفوائد المرتفعة وكيف نقنعه بإخراج أعماله إلى النور بينما يبقى هو وعائلته وورثته فى تهديد فى أى لحظة حتى وإن لم يتعدى القانون بما يثبته القضاء بعد خراب مالطة.
مشكلة أخرى يشتكى منها العديد من المواطنين مؤخرًا، فرغم تصريحات المسئولين بقبول العملة الصعبة التى تحصل عليها المواطنون أثناء الفترة الصعبة الماضية بدون أسئلة، تبقى البنوك فى حالة رفض لقبول العملة الصعبة فى الحسابات. هل ندفن رءوسنا فى الرمال ولا نعترف أن المواطنين وضعوا مدخراتهم فى الدولار والذهب فى وقت ما أم نحاول إدخال هذه الأموال فى المنظومة الرسمية والاستفادة منها. ولماذا لا يتم تنفيذ تصريحات كبار المسئولين فى هذا الصدد؟ خصوصًا أن البعض يتعامل بالدولار حتى لأبسط المصروفات ولا يوجد حل سوى أن نطلق مبادرة للمصارحة والمكاشفة ونبدأ بعدها من جديد، الآن وقد أصبحت العملة المصرية فى وضع أفضل بعد الخطوات الأخيرة كما أوضحت فى أحد مقالات هذه السلسلة؟
التغيير الحقيقى يحتاج إلى تغييرات أكثر عمقًا وأوسع نطاقًا من المعلن عنها. ما يشجعنى على كتابة هذا المقال هو أن الوزارة الحالية هى فى تقديرى الأقدر منذ سنوات عديدة على إحداث تغيير حقيقى وخاصة المجموعة الاقتصادية فهل يدخل آخرون عش الدبابير مع السيد وزير المالية لإحداث هذه التغييرات؟ وهل تقرر الحكومة بدلاً من محاربة بعض الدبابير أن يتخلصوا منها نهائيًا بتغييرات أكثر شمولاً تجعل الدخول فى المنظومة الرسمية ميزة وليست عبئًا مما يشجع المستثمر على الخروج من تحت السلم وصاحب المرتبة على إخراج أمواله إلى النور؟

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات