هل نثق في التنبؤ بحالة الطقس؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 7 يونيو 2025 6:17 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل نثق في التنبؤ بحالة الطقس؟

نشر فى : الجمعة 6 يونيو 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الجمعة 6 يونيو 2025 - 8:22 م

منذ أن كنا صغارًا ونحن نشاهد النشرة الجوية التى تأتى فى نهاية أخبار التاسعة، وكنا نقلد المذيع أو المذيعة فى جملة «الرياح شمالية إلى شمالية شرقية خفيفة إلى معتدلة» ونحن لا نفهم منها شيئًا. ثم أصبحنا نتندر على التنبؤات الخاطئة للأرصاد كأن تتنبأ بعاصفة لا تحدث أو لا تتنبأ بشىء وتحدث عاصفة. مقالنا اليوم عن الأرصاد الجوية من الناحية العلمية، كيف نتنبأ بأحوال الطقس؟ ولماذا تحدث أخطاء؟

المحاولة الأولى للتنبؤ بالطقس حدثت سنة 1920 وكانت عن طريق بعض الحسابات اليدوية، لكن النقلة الكبرى حدثت سنة 1950 عندما بدأ استخدام الكمبيوتر، كان الكمبيوتر بدائيًا فى ذلك الوقت ولكنه كان أسرع من الحساب اليدوى، كان الكمبيوتر المستخدم اسمه (ENIAC)، الفريق البحثى الذى قام باستخدامه فى التنبؤ بأحوال الطقس يضم عالم الرياضيات العظيم جون فون نويمان والعالم الأمريكى جول تشارنى والعالمين النرويجيين أرنت الياسون وراجنر جورتوفت (ترجمتى الأسماء للعربية قد لا تكون دقيقة خاصة للأسماء النرويجية)، الطريف أن الكمبيوتر كان يأخذ أكثر من 24 ساعة ليعطى التنبؤ بالطقس لليوم التالى، نظرًا لضعف أجهزة الكمبيوتر آنذاك.

معرفة الطقس فى المستقبل القريب وكيف سيتطور المناخ فى المستقبل المتوسط والبعيد من أهم الأشياء لنا كبشر، التنبؤ بالطقس للغد أو المستقبل القريب يساعدنا على الاستعداد لهذا الطقس من حيث السفر والخروج… إلخ، تطور المناخ فى المستقبل المتوسط والبعيد يساعد الدول على انتهاج سياسات تحاول تقليل الأخطار المناخية التى تحيق بكوكبنا؛ لأن ذلك يؤثر على التلوث والزراعة والمياه… إلخ، وبالتالى صحة الناس. لكل هذا تشارك كلوس هاسلمان وسيوكورو مانابى فى نصف جائزة نوبل (أى حصل كل منهما على الربع) فى الفيزياء سنة 2021 لأبحاثهما المتعلقة بالمناخ وكيفية محاكاته على الكمبيوتر للتنبؤ بحالة المناخ فى المستقبل.

لكن ما هى خطوات التنبؤ بالطقس؟

• • •

الخطوة الأولى تقوم على قياس وتجميع أكبر عدد من المعلومات عن الحالة الجوية سواء فى الوقت الراهن أو على مدار الأشهر والسنين الماضية، يتم ذلك عن طريق العديد من الأجهزة المختلفة:

     •    محطات أرصاد أرضية تقوم بقياس الضغط الجوى والرطوبة وسرعة الرياح وتكاثر السحب… إلخ.

     •    بالونات أرصاد لقياس نفس الأشياء لكن البالون يتحرك وتتم متابعته بالجى بى إس وبالتالى يغطى مساحة أكبر، البالون يرسل معلوماته حوالى مرتين يوميًا.

     •    الأقمار الصناعية وهى تغطى مساحة أكبر وتقوم بقياسات فى طبقات الجو العليا.

     •    أجهزة الرادار تراقب تحركات السحب والأمطار والثلوج… إلخ.

     •    الطائرات المدنية وبعض المراكب تقوم أيضًا ببعض القياسات المتعلقة بالأرصاد الجوية.

كل هذه القياسات تتم يوميًا، بل وعدة مرات فى اليوم الواحد ثم يتم تجميعها وتصنيفها ووضعها فى معادلات رياضية معينة تقوم بالتنبؤ بحالة الطقس، هذا التنبؤ يتم ليس فقط بالمعادلات لكن أيضًا بمراجعة تغير القراءات فى الماضى.

 

 

هذا كله جميل، لكن لماذا تحدث الأخطاء (الجسيمة أحيانًا) فى التنبؤ بالطقس؟

• • •

نحن فى عصر يتصدر فيه العلم المشهد ويبهر الناس بالاختراعات التكنولوجية والاكتشافات العلمية، لكن مع ذلك ما زالت هناك أخطاء، ماذا يمكن أن يقود إلى الخطأ فى التنبؤ بحالة الطقس؟ هناك عدة عوامل قد تقود إلى الخطأ:

     •    أجهزة القياس الرصد ليست دقيقة 100%، لذلك تحدث بعض الأخطاء فى القياسات. كلما تقدم العلم وتحسنت التكنولوجيا زادت دقة الأجهزة لكنها أبدًا لن تكون بدقة 100% فالطبيعة ستظل دائمًا لها اليد العليا على البشر.

     •    استخدام القياسات فى المعادلات الرياضية يستلزم أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، كلما كان جهاز الكمبيوتر أقوى تمكن خبراء الطقس من استخدام معادلات أكثر دقة. قد يتساءل البعض: لماذا لا نستخدم تلك المعادلات الأكثر دقة بغض النظر عن قوة جهاز الكمبيوتر؟ لأن الكمبيوتر الضعيف سيستغرق وقتًا طويلًا فى تلك المعادلات الدقيقة وأنت تريد أن تعطى الناس حالة الطقس قبلها بوقت كافٍ حتى يتخذوا احتياطهم إن كان فى الأمر شىء خطير. كلما زادت قوة أجهزة الكمبيوتر زادت دقة المعادلات المستخدمة فى التنبؤ وبالتالى قلت نسبة الخطأ، لكن نسبة الخطأ لن تكون صفرًا أبدًا لأن المناخ والغلاف الجوى فى الأرض نظام معقد جدًا وبالتالى حتى أسرع كمبيوتر فى العالم لن يمكنه استخدام معادلات معقدة بالقدر الكافى بحيث تجعل نسبة الخطأ تتلاشى.

     •    نوع المعادلات الرياضية المستخدمة فى حالة الطقس يسميها علماء الرياضيات (chaotic)، هذه الكلمة ترجمتها الحرفية «فوضوية» لكن ليس هذا هو المعنى المقصود، المعنى المقصود هو المعنى الرياضى ومعناه أن مجرد خطأ صغير فى الأرقام المستخدمة فى المعادلات (أى خطأ صغير فى المعطيات) قد يقود إلى نتيجة خاطئة بدرجة كبيرة فى المخرجات (أى التنبؤات).

لكل تلك العوامل فإن حدوث خطأ فى التنبؤات الجوية وارد جدًا، لكن هناك عاملًا آخر لا نعتبره خطأ فى القياس لكنه خطأ فى توصيل المعلومة، فما هو؟

• • •

عندما يستمع الناس إلى النشرة الجوية سواء فى القنوات التليفزيونية أو عن طريق الإنترنت أو التطبيقات الكثيرة فإنهم يريدون ببساطة معرفة درجة الحرارة والرطوبة وهل هناك عواصف محتملة حتى يتخذوا حذرهم، لكن جملة كالتى ذكرناها فى بداية المقال: «الرياح شمالية إلى شمالية شرقية» لا تعنى شيئًا للشخص العادى ولا تهمه، الشخص العادى قد لا يفهم معنى «منخفض جوى» لكنه يفهم أن فى الغد هناك عاصفة رعدية كبيرة محتملة من الساعة كذا للساعة كذا.

لذلك من المهم لمن يعملون فى توصيل معلومات الطقس ألا يستخدموا تلك الجمل التى لن تفيد الرجل العادى.

توصيل المعلومة للعامة مهارة يجب تعلمها.

• • •

الطقس وتقلباته والمناخ ومستقبله وتأثيره علينا من أهم الأشياء وهناك أشياء نستطيع عملها للسير قدمًا فى هذا العلم، مثلًا:

     •    هل فكر طلاب الماجستير والدكتوراه عندنا فى دراسة استخدام الذكاء الاصطناعى فى نظم محاكاة المناخ على كوكب الأرض؟ وعلى وسائل التنبؤ بالأحوال الجوية؟ هذا باب فى البحث العلمى قد تم فتحه، ولكنه لم يغلق بعد.

     •    الآن نعرف أهمية الحصول على أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، هل فكرنا فى «تجميع» هذه النوعية من الأجهزة عندنا؟ قد لا نستطيع بناء أسرع كمبيوتر فى العالم لكن تجميع كمبيوتر فائق السرعة محليًا هى الخطوة الأولى.

نحن نتقدم فى المعرفة العلمية والتطبيق التكنولوجى لكن الطبيعة ستظل دائمًا أكثر تقدمًا منا.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات