لابد أن نكون على يقين بإمكانية الجمع حتى فى أحلك الظروف بين رفض دخول نفق الفوضى المظلم والإصرار على الحيلولة دون السقوط فى فخ الدولة الضعيفة الرخوة وبين المحافظة على انسانيتنا كذلك ورفضنا المساومة على الحرية وأبسط حقوق الإنسان.
فى مصر كما فى غيرها جربت بعض الجماعات الإسلامية فكرة تغيير الأنظمة الديكتاتورية بالصدام المسلح ضد أطراف الدولة القمعية الممثلة فى الشرطة وحدها آنذاك فمالذى جنته إلا إهراق شلال من الدماء المعصومة وتثبيت لأركان تلك النظم على جماجم القتلى وتنشئة أجيال قد شوهت فكرتها عن الدعوة الإسلامية بالكامل؛ فكيف يسعى البعض الآن إلى تكرار نفس التجربة أيا كانت الظروف والمبررات؛ والأدهى أن المواجهة الآن امتدت ليس فقط لتشمل الجيش نفسه بل وغالبية شعبية لم يسبق لها أن امتلأت كراهية من الإخوان المسلمين كحالها اليوم بعد عام من تخبط إدارى وسياسى لم يكن أكثر المتابعين تشاؤما ليتوقعه؛ غالبية شعبية سبق وأن سمعت بنفسها دعوات التحريض المباشرة على الحافظ والناس وغيرهما؛ وقامت باقى القنوات الإعلامية بدورها فى غسيل الأدمغة إلى الحد الذى يُكذب فيه الناس اليوم أعينهم وهى ترى عشرات الجثث ممزقة الأشلاء ومبتورة الأطراف لتصدق أن كل هؤلاء بصغارهم ونسائهم كانوا إرهابيين قتلة يستحقون أشنع قتلة دون شفقة أو رحمة.
ومؤتمر السيد مصطفى حجازى شىء من هذا القبيل؛ فبدلا من ترك الفصل فى الحقائق للجان قانونية على الأقل لأن الحكومة طرف أصيل فى النزاع فلا تتمتع بالحيادية اللازمة؛ طفق يتحدث بالمفردات الأمنية فقط عن أخطر أزمة تواجه المجتمع المصرى فى العصر الحديث.. فحديثه عن الفاشية الدينية محاولة بدائية ركيكة لإخفاء عجز وفشل الإدارة التى يمثلها بل ويشير عليها ضمن مهام وظيفته بأفضل مسار سياسى ممكن فإذا به يتحدث بالمفردات القمعية التى تُرسخ تعميم العقاب وتلبس الحق بالباطل وتدلس على من لا يعرف.
لم يقل طاغية عن نفسه يوما أنه قامع للحريات قاتل لمناهضيه منتهك لحقوق الإنسان؛ وإنما كلهم يتحدثون رغم اختلاف الأماكن وتباعد الأزمنة عن أمن الدولة - لا أقصد الجهاز الشهير وإنما المصطلح - وحفظ النظام؛ بل وعن نعت كل معارضيهم بأبشع الأوصاف وأحط التهم؛ ووراءهم دائما جيش من الإعلاميين والكتاب والصحفيين ونجوم مجتمع وأحيانا قانونيين يبررون كل ممارسة قمعية ويفلسفون كل مجزرة مروعة بل ربما يوصون فى تقاريرهم بالمزيد.. ولسنا فى حاجة إلى استدعاء أمثلة خالد سعيد والسيد بلال وغيرهما فما أظن أن العهد قد طال إلى هذا الحد بين اندلاع شرارة يناير وبين وقتنا الحالى؛ لكنها الذاكرة السمكية للشعوب.