محنة الطفل العربى مع لغته الأم - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محنة الطفل العربى مع لغته الأم

نشر فى : الخميس 21 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 21 مارس 2013 - 8:00 ص

مثلما أن طرح موضوع التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستمر هو الجواب عن أسئلة التخلُّف العربى فإن طرح موضوع حماية وتنمية اللغة العربية الأم هو الجواب على أسئلة الوجود العربى فى التاريخ والحضارة. إنه موضوع وجودى بامتيـاز وليس فذلكة تخصُّ علماء اللغة ومثقَّفى الأمة لكى ينشغلوا أو يتسلُّوا بها.

 

من هنا التزايد المتنامى للجهات المتعدٍّدة المهتمة بموضوع الحماية والتنمية ذاك. من بين تلك الجهات مؤسسة الفكر العربى التى تقوم بمشاريع متعددة، حتى ولوكانت محدودة، للارتقاء بمكانة اللغة العربية، تعليما واستعمالا وتبسيطا، على الأخصّ فى حقول التربية والتعليم والثقافة والإعلام.

 

من بين تلك المشاريع مشروع كتاب الطفل العربى. فإذا أريد للإنسان العربى البقاء على صلة مستمرة بثقافة أمته، فكرا وأدبا وشعرا وفنونا وعلوما مختلفة، فإن المدخل إلى ذلك يبدأ فى فترة الطفولة المبكّرة. فإذا تعلّم لغته فى مدرسته بصورة مبسَّطة وغير معقدة ولا مملّة، فصحى ميسرّة، فأجاد استعمالها بسهولة وانسياب عفوى، وإذا وجد الكتاب الذى يتناسب مع إمكاناته اللغوية والذهنية ومع مستوى نضجه العاطفى والنفسى والاجتماعى، وإذا وجد الإجابات عن تساؤلاته فى الشبكة العنكبوتية بلغة فصيحة غير متكلفة وبمستوى علمى رصين، وإذا فتح التليفزيون فوجد برامج أطفال ثقافية فنية مسلّية بلغته الأم وبمستوى لا يقلُّ عن البرامج الأجنبية المقدّمة بلغات أجنبية كما كان الحال مثلا مع برنامج «افتح يا سمسم» الشهير، إذا وجد الطفل العربى كل ذلك فإن صلته العميقة بالثقافة الدينية المستنيرة وبقصص كليلة ودمنة أو كامل الكيلانى وبالمتنبٍّى وبابن رشد وبالكواكبى وبطه حسين وبنجيب محفوظ وبمحمد عابد الجابرى وبكثير من مبدعى هذه الأمة، صلته تلك لن تنقطع، ولن يضعفها انفتاحه على ثقافات الآخرين وحتى انغماسه فيها.

 

•••

 

إذن فوجود كتب الأطفال وعلى الأخص كتب القصص والتسلية المحركة للخيال والانبهار والفرح، المكتوبة بلغة فصيحة مبسّطة بعيدة عن التكلُّف وإظهار مقدرة المؤلف اللغوية، الآخذة بعين الاعتبار عمر الطفل الذى تتوجّه إليه بحيث لا يجدها سخيفة بليدة ولا معقدة مملّة، هو مدخل هام فى ملحمة حماية اللغة العربية. من هنا تركّزت جهود مؤسسة الفكر العربى على وضع معايير مبسّطة لتصنيف كتب أدب الأطفال العربى لغة وأفكارا وإخراجا لكى تكون صالحة لمرحلة عمرية محدّدة تمتدُّ من بداية الخمس سنوات وتنتهى بالثامنة عشرة. وبمعنى آخر فإن الآباء والأمهات والأطفال العرب سيجدون عند ذاك الكتاب الأدبى الذى يذكر على غلافه أنه صالح لهذه السن أو تلك، تماما كما يجده الإنسان مكتوبا على أغلفة عدد كبير من كتب الأطفال الأجنبية.

 

إنها خطوة تنفَّذ بالتعاون مع مجموعة من أكبر دور النشر العربية التى وعدت بأن تأخذ بعين الإعتبار تلك المعايير قبل نشر كتب الأطفال الأدبية من قبلها. إنه نجاح صغير فى معركة كبيرة تحققه مؤسسة مجتمع مدنى. لكن مثل هذا النجاح وغيره من النجاحات التى تحققها مؤسسات مدنية ملتزمة أخرى، وهى كثيرة، يحتاج إلى أن يتراكم فيكبر وأن يتناغم مع بعضه البعض. وذلك سيحتاج إلى تفاهم وتعاضد وتكامل فيما بين مؤسسات المجتمع المدنى العربية المهتمة بهذا الموضوع. وسيكون مؤسفاَ أن تبدأ كل مؤسسة من المربَّع الأول أو تتّسم الجهود بالازدواجية المضعفة للكفاءة والإنجاز.

 

•••

 

إن حقل حماية وتشجيع استعمال اللغة الأم وإغناء مفرداتها حسب حاجات العصر الذى تعيشه الأمة واسع وبالغ التركيب، وبالتالى فإن تركيز كل مؤسسة مجتمع مدنى على جزء من ذلك الحقل، مع تناسق جهودها مع الآخرين، سيؤدّى إلى وجود مشروع شامل، كبير الحجم، ثقيل الوزن، تتعامل معه الجهات المعنية فى سلطات الحكم العربية بجديّة وتطبقه فى الواقع من خلال قوانين وأنظمة تحكم نوع ومستوى وامتداد الاستعمال من جهة وإصلاحات جذرية فى أنظمة التعليم والتدريب والمناهج وتعريب التعليم فى المستوى الجامعى من جهة أخرى.

 

لكننا هنا نقف أمام إشكالية الإرادة السياسية لأنظمة الحكم العربية. فاذا كانت الغالبية السَّاحقة من أنظمة الحكم العربية قد فشلت إلى حدٍّ مفجع فى إحداث تنمية حقيقية مستدامة فى حقول السياسة، بما فيها الاستقلال الوطنى والالتزام القومى، والاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلوم والمعرفة، فهل يعوّل عليها فى تبنٍّى برنامج متكامل لحماية وتنمية اللغة العربية؟ خصوصا وأن أعدادا متزايدة من المسئولين العرب المعولمين حتى النخاع أصبحوا يؤمنون بأن لغات التخاطب والإستعمال المهيمنة فى العصر العولمى هى لغات الآخرين وبالتالى يجب أن تعطى الأولوية فى حياتنا الاقتصادية والثقافية والإعلامية حتى ولو كان ذلك على حساب اللغة الأم، وبالتالى على حساب الهوية. من هنا أهمية جهود المجتمع المدنى العربى.

 

•••

 

فى هذا الوقت الذى تتكالب فيه قوى الامبريالية – الصهيونية وبعض قوى الداخل على تفتيت هذه الأمة، جف رافيا وبشرا واجتماعا، تصبح قضية اللُّغة الموحِّدة سلاحا هاما فى ساحة المجزرة التى تعيشها الأمة العربية حاليا. ومع ذلك فيجب ألا ينبرى أحدهم ليشكّك فى هذه الجهود ويعتبرها انغلاقا لغويا أو حضاريا، إذ إننا أيضا نؤمن بما قاله الشاعر الألمانى غوتة بأن أولئك الذين لا يعرفون شيئا عن اللغات الأجنبية لا يعرفون شيئا عن لغتهم، فتلك اللغات هى روح ثانية للفرد وللأمة.

 

 

 

 

 

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات