تميز الاجتماع العربى الإسلامى المشترك فى الدوحة بحضور مكثّف على مستويات عالية وبروح جديدة تبشر برغبة شديدة لدى البعض فى بناء أسس جديدة لإرادة عربية إسلامية مشتركة فى المستقبل المنظور. الإنصاف يقضى بإبراز ذلك الجانب الإيجابى الذى عبرت عنه خطابات بعض رؤساء الوفود وبعض فقرات البيان الختامى.
كان واضحًا أن هناك محاولة جادة من قبل غالبية الأعضاء الحاضرين لوضع أسس سياسية، فكرية وسلوكية، ستحكم علاقات هذه الكتلة العربية الإسلامية الكبيرة مع الآخرين من جهة وستمثّل مداخل تضبط تقييم القضايا العربية والإسلامية فى المستقبل من جهة أخرى.
لكن مؤتمر الدوحة اتّصف بنقاط ضعف سلبية تقتضى الموضوعية إبرازها.
فأولاً، تجنّب اللوم والعتاب لأمريكا على فشلها، أو غضها الطرف عن منع الكيان الصهيونى من ارتكاب حماقته وتهوره وعنجهيته تجاه الدوحة، مع أن القاصى والدانى يعرفان بأن الكيان كان ولا يزال لا يجرؤ على مثل هذا التصرف دون حصوله على موافقة وليّة نعمته فى عوالم المال والتسليح والتكنولوجيا والدّعم الأعمى فى المحافل الدولية.
ولا يستطيع الإنسان أن يفهم كيف لم يدرك المؤتمرون أن إرسال حكومة أمريكا مبعوثًا رسميًا إلى تل أبيب ليؤكد للكيان الصهيونى التزام هذه الدولة الاستعمارية بحماية الكيان وبصداقته العميقة وبحمايته من كل ضائقة أو خطر، وليقول علنًا بأن أمريكا تبارك وجود العديد من مثل هذا الكيان الصهيونى فى هذه المنطقة مستقبلًا لأنها ستكون مصدر سلام وأمن لدول المنطقة.. كيف لم يدرك المؤتمرون أن ذلك المشهد فى تل أبيب وتصريحات الرئيس الأمريكى اليومية عن حبّ وغرام الكيان وقادته قصد به الاستهزاء بالمؤتمر والمؤتمرين وكل قراراتهم؟
هذا التجنب الغريب لذكر الدور الأمريكى وإبرازه كعداء واضح تجاه أمة العرب وكل الدول الإسلامية كان ملفتًا ولا يمكن تبريره.
ثانيًا، كان هو الآخر غياب أى قرارات فى صورة أفعال عقابية وتحذيرية للكيان الصهيونى. كان الناس ينتظرون على الأقل استدعاء سفراء الدول العربية والدول الإسلامية من الكيان الصهيونى وطرد السفراء الصهاينة المتواجدين فى الدول التى أقامت فى السابق علاقات دبلوماسية مع الكيان. وبالطبع كان الكثيرون يترقبون قرار مقاطعة اقتصادية ومالية استثمارية وسياحية وثقافية للكيان.
أما إن كانت حادثة الدوحة، مع المذابح الإجرامية الصهيونية فى غزة، مع احتلال الجنوب اللبنانى والقتل المتعمد اليومى لقادة المقاومة، مع الغارات شبه اليومية لأجزاء من سوريا واحتلال أجزاء منها، مع الجرائم الدموية الصهيونية المرتكبة بحق الشعب اليمنى الشقيق، مع التهديدات المختلفة التى لا تنتهى بحق جمهورية إيران المسلمة وعلى الأخص مشروع تطويرها للعلوم والتكنولوجيا الذرية، مع تهديد قادتهم بأنهم سيباشرون قريبًا التمدد لإيجاد إسرائيل الكبرى، مع تدنيس كل مؤسسات العبادة الإسلامية والمسيحية فى مدينة القدس، مع.. ومع.. إلخ.. بل ألا يكفى كل أنواع الاستعلاء والاستهزاء بشأن كل العرب وكل المسلمين كل يوم وكل ساعة أن يكونوا مبررات لقطع العلاقات جميعها، وبلا استثناء، مع هذا الكيان الاستعمارى المجرم الذى لا يعرف حدودًا للتدمير الممنهج ولقتل الأبرياء الذى لا يتوقف وللحديث عن أحلام دينية وهمية كاذبة فى كل أرض العرب والمسلمين؟
ما نرجوه هو أن تبادر الجامعة العربية ومنظمة التعاون العربى الإسلامى إلى قلب المبادئ الجيدة التى جاء ذكرها فى البيان الختامى إلى استراتيجية عمل مشتركة تحافظ على كرامتنا وعلى أوطاننا وعلى وجودنا الحضارى. المناسبة والمبرّرات موجودة، وما نحتاجه هو بناء الإرادة الغائبة. لن يحصل العرب والمسلمون على أى احترام أو تقدير إذا لم يفعّلوا تلك الإرادة فى مؤسسات المجتمع المدنى وفى أنظمة الحكم العربية والإسلامية.