مؤخرا، نشر المكتب المركزى للإحصاءات الإسرائيلى، وهو هيئة رسمية تتمتع بسمعة واستقلالية لا تشوبهما شائبة، سلسلة جديدة من التوقعات الديموغرافية للسكان فى إسرائيل حتى سنة 2065. فى بداية 2018 بلغ عدد سكان إسرائيل قرابة 8.8 مليون نسمة، بينهم 6.6 ملايين يهودى، إضافة إلى 400.000 هم أبناء عائلات غير يهودية يطبَّق عليهم قانون العودة (أى يبلغ العدد الموسع لليهود 7 ملايين)، وهناك 1.8 مليون من العرب فى إسرائيل، بينهم سكان القدس الشرقية، والجولان الإسرائيلى وسكان المستوطنات فى الضفة الغربية. ولا يشمل الإحصاء السكان العرب فى الضفة الغربية وفى قطاع غزة.
طبعا التوقع ليس تنبؤا: إنه استقراء للأحداث المعروفة فى المجتمع وتوجهات التغيير التى تحدث فى أنماط العائلة، وعلى مستوى الصحة ومستوى الهجرة.
ضمن هذه الحدود تُظهر التوقعات الجديدة حتى سنة 2065 أن عدد سكان إسرائيل سيبلغ 10 ملايين فى بداية عشرينيات القرن الحالى، أى خلال سنوات قليلة؛ وسيصل إلى 15 مليونا فى نهاية أربعينيات هذا القرن، وإلى 20 مليونا فى الستينيات. هذه الأرقام تثير خشية خبراء نوعية البيئة وعلى رأسهم آلون طال من جامعة تل أبيب، الذى تساءل فى كتابه الأخير «البلد امتلأت، المواجهة مع انفجار قنبلة سكانية فى إسرائيل،» كيف يمكن إيجاد مكان لهذا العدد الكبير من الأشخاص، ويقترح تقليصا جذريا لوتيرة النمو السكانى فى إسرائيل.
المشكلة معقدة لأن السكان فى إسرائيل ليسوا كتلة متجانسة. وهم يتألفون من مجموعات متعددة، ذات صفات ثقافية وديموغرافية متعددة ومعدلات نمو متنوعة. العمليات الديموغرافية شديدة التعقيد. وتُظهر التوقعات أن جزءا أكبر فأكبر من السكان اليهود سيعكس النمو السريع للمكوّن الحريدى. سيرتفع عدد الحريديم بين السكان اليهود من 14% فى سنة 2015 إلى 28% فى سنة 2045، وإلى 40% فى سنة 2065. بينما سيحافظ السكان العرب فى إسرائيل على حجمهم الحالى، أى 21% من مجموع السكان، مع ارتفاع ضئيل على المدى الأبعد.
فى سنة 2065 سيصل عدد السكان اليهود فى كل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر إلى 16 مليونا وسيصل عدد السكان العرب إلى 13 مليونا. وسيبلغ مجموع السكان فى المنطقة كلها نحو 30 مليون نسمة. لكن على افتراض أن النمو السكانى للحريديم سيتباطأ بالتدريج نتيجة زيادة اندماجهم فى المجتمع وفى سوق العمل، فإن عدد السكان اليهود سينمو بصورة أكثر بطئا، وحجم السكان العرب سيزداد بما يتلاءم.
سيكون لهذه الاتجاهات انعكاسات عميقة على التوازن بين المجموعات الإثنية ــ الدينية الأساسية وسط السكان. بالاستناد إلى التعريف الموسع للسكان اليهود داخل حدود دولة إسرائيل كما ذكرناه سابقا، فإنه حتى النصف الأول من القرن الـ21 ستشكل الأغلبية اليهودية نحو 80%، لكن تختلف الصورة إذا أدخلنا المناطق الفلسطينية وسكانها. وإذا أضفنا إلى دولة إسرائيل كل الأرض فى الضفة الغربية وسكانها، ستتراجع الأغلبية اليهودية إلى 60%، الأمر الذى سيجعل مصطلح «دولة يهودية ديمقراطية» لا معنى له فعليا؛ وإذا أضفنا سكان غزة ستتقلص الأغلبية اليهودية إلى 50% وبذلك ستكون نهاية مشروع الدولة اليهودية.
يطرح الواقع الجديد الارتباط بين النمو السكانى اليهودى بصورة عامة والنمو السكانى الحريدى. إذا ازداد السكان الحريديم بصورة أقل، سيتقلص معدل زيادة السكان اليهود كلهم، وتبعا لذلك سيزداد معدل السكان العرب. وفى المقابل فإن النسبة المتزايدة للحريديم ستسمح بالمحافظة على التوازن الديموغرافى الحالى، لكن تُطرح هنا أسئلة أُخرى: هل سيمكنهم الاندماج بصورة أفضل فى المجتمع والاقتصاد وتحسين مستوى حياتهم من خلال تحقيق استقلالية أكبر وأقل فقرا واعتمادا على الدعم العام؟ هل سيؤدى هذا إلى تقليص العائلات الحريدية؟ الأكيد أن مفتاح المستقبل الديموغرافى فى إسرائيل موجود فى يد الحريديم. فى ديموغرافية دولة إسرائيل يوجد نوع من حلف مقدس بين الأجزاء المتعددة للمجتمع اليهودى. فى جميع الأحوال سنكون أمام مجتمع إسرائيلى مختلف تماما فى منتصف القرن الـ21.
سرجيو دولا برغولاهاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية