فى الساعات الأخيرة من حياته قال: «من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضى فليستقد منه.. ألا وإن الشحناء ليس من طبعى ولا شأنى ألا وإن أحبكم إلىَّ من أخذ منى حقا كان له عندى أو حللنى منه فلقيت الله وأنا طيب النفس».
بهذه الكلمات الرائعة المودعة من رسول وحاكم رحيم عطوف هز أجيالا من الصحابة والتابعين.. وكل من تأسى بالرسول العظيم.
أتذكر هذه الكلمات وأنا أقرأ بدهشة كبيرة أحكام الإعدام الكثيرة وهو تتوالى وتتراكم على قادة الإخوان وغيرهم من الإسلاميين دون تمييز بين من يمكن أن يحمل السلاح أو يفجر ومن لا يفعل ذلك؟.. ومن يستطيع قطع الطرق من غيره؟.. وبين من لا يعرف عنه التهييج والإثارة وبين غيره؟
قد تختلف مثلا مع د/ محمد عبدالمقصود فى خطابه وفتاواه.. ولكنك تدهش حينما ترسل أوراقه إلى المفتى للتصديق على إعدامه بتهمة قطع الطريق باشتباكاته العنيفة وهو يعانى شلل أطفال فظيع يجعله يتحرك بصعوبة.
وهل من المقبول إرسال أوراق د/ بديع إلى المفتى.. لقد حرص نظام مبارك وكان يوصف بأنه الأشد والأقسى على عدم القبض على المرشد أو المساس به طوال 30 عاما كاملة.. واعتبر ذلك خطا أحمر وهذا أفاد الدولة فى المقابل.. وهل يليق أن يكون اسم د/ باسم عودة ضمن هؤلاء المطلوب إعدامهم.
ألا نستطيع أن نقلد السياسيين السودانيين فى صراعاتهم.. إذ يتعاملون حتى فى أشدها كالأهل والعشيرة.. ويضعون خطوطا حمراء لصراعاتهم منها عدم السجن الطويل أو الإعدام.. فلم نر سياسيا سودانيا أعدم طوال أكثر من سبعين عاما.. السجن أقل من عام ثم يخرج.. وقد يتولى الحكم بعد ذلك ثم ينزل عنه.
ألا نستطيع أن نقلد الأردن التى حكمها الملك حسين 40 عاما، وقامت عليه 40 محاولة اغتيال وانقلاب ولكنه استطاع بحنكته ومهارته أن يقود سفينة الأردن السياسية دون أن يعدم أى سياسى.. وكان يجعل المناصب تدور بين الكفاءات فإذا سخط الناس على رئيس الوزراء عزله وجعله رئيسا للديوان.. أو عزل رئيس الديوان ليعينه فى مجلس النواب أو مستشارا له.. وهكذا تسير دفة الدولة برشاقة ودقة وحكمة دون قفزات غير طبيعية أو منطقية.
إننى أتعجب كثيرا لبقاء رجل مثل أ/ مهدى عاكف فى السجن وقد قارب التسعين.. أو المستشار الخضيرى وقد جاوز السبعين.. وما قيمة أن يبقى طالب فى أولى ثانوى فى السجن.. فلا نحن نفيده ونعلمه أو نحاضر له فى السجن.. أو نطلق سراحه قبل أن يدمر.
إن علينا أن نعاقب الجناة الأصليين الذين قاموا بالأحداث أو القتل أو التفجير.. ولو اقتصر الأمر على التشديد فى العقوبات للمجموعات التكفيرية التى فجرت أو اغتالت أو استخدمت السلاح والسيارات المفخخة لوقف الناس جميعا خلف هذه الأحكام.
لقد خلصت من حياتى كلها إلى أن الدولة التى تكثر فيها الأحكام والإعدام يقل فيها العدل والإنصاف.. وأن الدولة التى تعامل بعض مواطنيها على أنهم مجرمون حتى يثبت العكس.. هذه الدولة تحتاج إلى مراجعة ملف العدالة فيها.
لقد تعلمت من تجربة إعدام الشيخ سيد قطب أن إعدام المفكرين هو أسوأ وأخطر شىء على الدولة والفكر والحركة الإسلامية.. فقد منح الإعدام أقوال الشيخ سيد قطب حصانة وقداسة كبيرة بحيث لا يستطيع أن ينقدها أحد.. وأى أحد يقترب من نقدها تقوم الدنيا عليه ولا تقعد.. كيف تنتقد الشهيد فلان.. ومن أنت حتى تفعل ذلك؟.. مع أن نقد الأقوال العلمية لا علاقة له بمكانة العالم.. فهو كغيره يؤخذ منه ويرد.
ولو عاش سيد قطب لراجع بعض أفكاره إذ أنه سيرى بأم عينيه كيف وضع أكثرها فى غير موضعه.. وكيف كان بعضها سبيلا لتكفير الحكام والجيش والشرطة و... و... والحكم على المجتمعات كلها بالجاهلية التى لا يدرى الكثيرون أنها لا تعنى الكفر بحال. يا قوم تذكروا أن الرسول لم يعدم أحدا من أمته حتى حاطب بن أبى بلتعة الذى تجسس.. وحتى عبدالله بن أبى زعيم المنافقين.. وحتى كل أسرى الحروب إلا واحدا وهذا استثناء من الأصل.
إن المبالغة فى كل شىء ممجوجة مستهجنة.. فما بالنا فى الإعدامات والسجن؟
يا قوم كل شىء بالعقل حتى الإعدامات.