لماذا غاب عنا «أحمد لطفى السيد»؟! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأربعاء 1 يناير 2025 4:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا غاب عنا «أحمد لطفى السيد»؟!

نشر فى : السبت 21 ديسمبر 2024 - 7:00 م | آخر تحديث : السبت 21 ديسمبر 2024 - 7:00 م

(1)
أعترف أن من مزايا العمل على إخراج النصوص ونشرها (قراءة وتحريرًا ومراجعة)، رغم المشقة والعنت والوقت والجهد الذى يستنفد الطاقة والصحة والوقت، الوقوفَ بتأن عند بعض الموضوعات والقضايا، أو اكتشاف فترات تاريخية مهمة لم تلق ما تستحقه من العناية والاهتمام والأضواء، أو الالتفات إلى جهود بعض المفكرين والمثقفين الكبار لم ينالوا ما يستحقونه من قراءة وتحليل!
وهناك كتاب جديد عن أحد أهم وأكبر مثقفينا المعاصرين عن الفلسفة والترجمة والإبداع، أعتبره من أهم إصدارات 2025 الجديدة (سيصدر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، يناير 2025) لفتنى بشدة ذلك الحضور الوافر والوارف لأستاذ الجيل بل أستاذ الأجيال أحمد لطفى السيد؛ أول مدير للجامعة المصرية فى فترة تأسيسها وتدشين نشاطها النهضوى والحضارى الذى لم نشهد له مثيلا منذ العام 1908 وحتى منتصف القرن العشرين!
لاحظت الغياب شبه التام لحضور الرجل وأفكاره ونشاطه الكبير فى أوساط أو عموم المهتمين بالفكر والثقافة فى مصر والعالم العربى، لم يحظ أحمد لطفى السيد بذات الاهتمام الذى حظى به تلاميذه ورفقاؤه من أعلام العصر، على خطورة الأدوار التى لعبها والمهام التى اضطلع بها، والتأسيسات العظيمة التى أرساها وقدمها لأبناء أمته، وأبناء لغته وثقافته العربية طيلة ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن!
(2)
تذكرت أن أول ما صافح عينى، وأنا فى المرحلة الثانوية، عن هذا المفكر الكبير، كتيِّب صغير من إصدارات إحدى دور النشر المعروفة بانتمائها إلى تيارات الإسلام السياسى؛ وبقلم واحد من أشهر منظريهم ومروجى الدعاية الأيديولوجية لهم طيلة العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين. الكتاب عنوانه هكذا (أكذوبتان فى تاريخ الأدب العربى)! ولك أن تتعجب وتندهش وتفغر فاهك -عزيزى القارئ- عندما تعرف أو تكتشف أن مؤلف الكتاب يقصد بالأكذوبتين أحمد لطفى السيد، وطه حسين!
ولشد ما تكتشف، وأكتشف معك، كمْ تعرض هؤلاء الأعلام الكبار إلى حملات لا أخلاقية، مغرضة ومنظمة وما زالت حتى وقتنا هذا من أبناء هذا التيار استهدفت التسفيه منهم، ومن أفكارهم، وتشويه كل ما قدموه من جهود إصلاح وتجديد ونهوض، وصرف الناس عنهم بكل ما أوتوا من قوة وشراسة.. بدعاوى مقاومة «التغريب» تارة، وبدعاوى أنهم يحرضون على نشر الفلسفة والعلوم والمعارف الحديثة تارة أخرى! وكأن الانفتاح على الآخر والاتصال بالثقافات الأخرى جريرة وجريمة فى نظر هؤلاء، وما زالوا حتى وقت الناس هذا يمارسون هذه الدعاية ضد معظم أو كل أعلام الفكر والثقافة منذ الطهطاوى وحتى نجيب محفوظ، ووصمهم بكل ما لذ وطاب من موبقات وآثام، بدءًا من وصمة الانسلاخ من الدين، وصولًا إلى التكفير الكامل، وطبعًا مع ما يترتب على هذا الحكم من آثار -فى نظر أبناء هذا التيار- الذى استهدفهم استهدافا مبينا ومنظما طيلة هذه العقود!
(3)
المهم، أعود إلى أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد (1872- 1963)؛ مؤسس جريدة «الجريدة»، ومؤسس حزب «الأمة»، وأول مدير للجامعة المصرية، ومترجم أشهر أعمال أرسطو الفلسفية إلى اللغة العربية، وصاحب «التأملات» و«المنتخبات» والمقالات الرائعة، وصاحب المواقف المشرفة دفاعًا عن استقلال الجامعة، ودفاعًا عن حرية الرأى والتعبير، وكان ثانى من ترأس مجمع اللغة العربية، خلفا للرئيس الأول الدكتور محمد توفيق رفعت باشا سنة 1945، وظل رئيسا له حتى وفاته فى 1963.
اكتشفت أننى رغمًا عنى، وقد وقعت لسنواتٍ ليست قليلة، تحت تأثير الدعاية المضادة للتيار الدينى، وتيارات الإسلام السياسى بالجملة، الذين طعنوا فى الرجل واتهموه بأشنع التهم وأبشعها، واعتبروه يمثل خطرًا على الإسلام والمسلمين بسبب تصوره السياسى للدولة المصرية وضرورة أن تكون «مصر للمصريين»، فلم أولِ الرجل ما يستحقه من قراءة ومراجعة، ولم أتوقف عند سيرته الملهمة «قصة حياتى»، وأدواره الفكرية والثقافية والتعليمية الخطيرة -وأكرر الخطيرة- فى تاريخ ثقافة هذه الأمة، وسعيها المحموم -فى ذلك الوقت- إلى التقدم والنهوض، واحتلال موقعها اللائق بها بين الأمم المتقدمة والمتحضرة.
(4)
وجاء الكتاب القيم ليعيد تقديم الرجل مرة أخرى، ورسم صورة فكرية وثقافية رصينة ودقيقة وأمينة له من خلال التوقف عند محورين أو مدخلين مهمين فى تراث الرجل: الأول؛ دوره الكبير فى ترجمة أعمال أرسطو ونقلها إلى العربية، ودعوته إلى الفلسفة ونشر تعليمها فى ضوء إيمانه الراسخ بوحدة الثقافة الإنسانية، وضرورة تواصل حلقاتها الفكرية والثقافة منذ أقدم العصور، وحتى زمنه.
والثانى؛ إسهام الرجل الكبير فى التأسيس للفكر السياسى النظرى، والممارسة السياسية «الحزبية»، فيما عرف بحقبة مصر الليبرالية أو شبه الليبرالية (1923-1952)، وكان أحمد لطفى السيد أول من نادى بالليبرالية، واعتنق مبادئها وسعى إلى نشرها فى أوساط النخب الثقافية والسياسية، وإلى جمهور الناس فى مصر فى ذلك الوقت.. وفى سبيل ذلك أسس حزب «الأمة» المصرى فى ديسمبر من العام 1907، حيث كان هدف الحزب الرئيسى هو المطالبة بالاستقلال التام، والدستور..