رحلة المازنى إلى الحجاز! - عاطف معتمد - بوابة الشروق
الأربعاء 23 أبريل 2025 12:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

رحلة المازنى إلى الحجاز!

نشر فى : الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 7:26 م

بين أيدينا كتاب لطيف ساخر، دونه صاحبه، كعادته، بقلم ذكى حر مستخفا بالحياة، عارضا لرحلة قام بها إلى ينبع والمدينة ومكة فى عام 1930.

قام إبراهيم عبد القادر المازنى بهذه الرحلة على متن باخرة من سفن «البوستة الخديوية» وهى شركة إنجليزية تنظم رحلاتها بين السويس والسودان، علاوة على نقل الحجاج إلى ينبع وجدة.

وكتاب المازنى هذا دون المئة صفحة، وفيه وصف لسلوك رفقاء الرحلة، سواء على متن الباخرة أو فى المدن والبلدات الحجازية، العظماء منهم ومن دون ذلك.

 

 

سؤال حاضر منذ 100 سنة

 

المدهش أن مؤلفنا يطرح فى أولى صفحات كتابه عن الرحلة السؤال الذى نطرحه نحن اليوم فى 2025 حين يقول:

«ماذا يُرجى لهذه الأمة العربية؟ هل تكر على العالم بنهضة جديدة؟ أو دَعِ الكَرَّ فقد تكون مسافة ما بينها وبين العالم أطول من أن تعين عليه أو تجعل له محلّا، وسل: هل فى وسعها أن تشق طريقها إلى منزلة من منازل الحياة العزيزة، وهل فى الأمة العربية مادة صالحة لما تتطلبه الحياة فى العصر الحاضر من الكفاح المر؟ هل يتاح لأمة واحدة أن تنهض مرتين وأن يكون لها فى التاريخ مدنيتان عالميتان؟ ألَا تستنفد النهضة الأولى قواها وتعتصر حيويتها ولا تبقى منها إلا ما يَبقى من ألياف «القصب» الجافة بعد مصه أو اعتصاره؟".

 

خط سير الرحلة

 

يبدأ مؤلفنا من السويس إلى ينبع واصفا جبال «رضوى» الواقعة خلفها. وحين تدخل الباخرة ينبع يكتب المازنى عن تواضع الميناء وفقر أهله، ويجمل رؤيته لينبع بالقول:

 

«وفى ينبع عشرة آلاف نسمة وأقل من مائة جندى، والحكومة كأبسط ما يكون، ولا حاجز هناك بين الأمير وأحقر الأهالى، وسلطان الحكومة ليس مستمدًّا من الخوف الذى تبعثه القوة، بل من الاحترام والحب والتعاون، وآية ذلك أن الناس صريحون مع حكامهم، وأن الحكام لا يبدو عليهم تكلُّف، ولا تكون الصراحة مع الخوف والتقية، ولا الخوف مع البِشْرِ الذى ينضح به الوجه ولا يخفى فيه صدق السريرة، ولا هذه البساطة المبتسمة مع القسوة والاستبداد».

 

وفى تقييمه لمسألة العلاقة بين الحاكم والرعية يغمز بقوله:

«ولم تأخذ عينى منظرَ قسوة واحدًا، وكثيرًا ما كانوا يفسحون لنا الطريق أو يصدون الناس ليوسعوا أمامنا ــ فى ينبع وفى جدة وفى الكندرة وفى مكة وفى وادى فاطمة ــ وكان الذين يتولون ذلك الجند، ولكن بإشارة يَدٍ من غير أن يدفعوا فى صدور الناس أو يرفعوا فى وجوههم عصا أو يتجهموا لهم وهم يصنعون ذلك، وقد عدت من ينبع إلى الباخرة وأنا أحس أنى بدأت أفهم، وقد زدت فهمًا لمَّا زرت جدة ومكة، ذلك أن الرعية راضية وأن الحاكم والمحكوم متعاونان».

 

من المدينة إلى مكة

 

ينتقل المازنى من ينبع إلى «المدينة» التى يصفها باعتبارها بلدة صغيرة فقيرة سوقها لا يزيد عن حارة ضيقة. ثم يصف ساكنى «المدينة» بقوله:

«والأهالى خليط من كل جنس وملة، وسِحَنهم معرض للأمم الشرقية، فمن زنجى إلى جاوى، ومن عربى إلى مصرى، ومن هندى إلى فارسى، ومن سورى إلى صومالى … وهكذا».

 

وبقلمه الساخر اللاذع عن مستوى جمال المرأة يكتب قائلا:

 

ونزلنا فى ينبع وجُبْنَا طرقاتِها ومَرَرْنَا بحوانيتها ورأينا ناسها، وكنت أسمع زملائى يتحدثون عن المرأة والحجاب المضروب عليها، ويردِّدون ما سمعوا من أنها لا تخرج ولا تظهر ولا يراها غير زوجها وذوى قرابتها الأدنين.

 

من ينبع إلى جدة

 

واصلت الباخرة رحلتها من ينبع إلى جدة مرورا بميناء «رابغ» فأحرم ركاب الباخرة القاصدين بيت الله. وحين تدخل الباخرة جدة يصف المازنى البحر قائلا:

«بحر بليد، هذا هو البحر الأحمر، بليد كالرجل الذى تعابثه اليوم فيضحك غدًا. والبليد صحبته متعبة، ورفقته مشقة؛ فإن حسن الفكاهة ولذتها ــ كحسن الكراهة ــ فى تبادلها، لا أن ينفرد بها جانب أو ينوء بثقلها واحد».

وفى العام الذى وصل فيه المازنى إلى جدة كانت الأمطار قد هطلت كما لم تهطل من أربعين سنة، حتى بدت المدينة الصحراوية للمازنى بأنهار شوارعها كأنها «البندقية»، لا ينقصها سوى الجوندولا.

 

فى ضيافة كبار الأمراء

 

ولأن الرحلة كانت بدعوة رسمية من حكام الحجاز وفى ضيافتهم، فقد سجل فيها المازنى المواقف مع الأمراء وكبار الموظفين. ويعرض المازنى للعديد من سلوكيات «ابن السعود» السياسية والأمنية والدينية.

وفى مكة لا يتوقف المازنى عن الأسلوب الساخر فى وصف قباقيب الوضوء وأساليب المطوفين وتقبيل الحجر الأسود، ومواقف أخرى طريقة فى السعى بين الصفا والمروة.

 

حين كانت مصر ترسل كسوة الكعبة

 

وبعد أن قدم وصفا للكعبة من الخارج إلى الداخل ختم بقوله:

 

«وقد كانت مصر ترسل إلى الكعبة فى كل عام كسوة جميلة دقيقة الصنع، فكفت عن ذلك فخسرت مركزها الدينى الممتاز وثناء العالم الإسلامى عليها وحمده لها وإعجابه بصناعتها، وتبطَّل من جراء ذلك صُنَّاعُ الكسوة المصريون الذين ورثوا هذا الفن عن آبائهم وانقطعوا له، وأنشأت الحكومة السعودية دارًا لصنع الكسوة جلبت لها الأساتذة من الهند ليتولَّوْا ذلك وليعلموا أبناء الحجاز. وقد زرنا هذه الدار ورأينا أنوالها ونماذج مما تُخرج من الحرائر الموشَّاة والمطرَّزة بالقصب والفضة، ومن السجاجيد وما إليها، وهكذا أفاد الحجاز صناعة جديدة وخسرت مصر صناعتها القديمة البديعة، وأصيب عمالها بالفاقة».

 

ختام الرحلة

ويواصل المازنى وصف مدينة جدة، معرجا على قصر الكندرة الشهير، ثم زيارة وادى فاطمة. وفى نهاية الرحلة ملاحظات سياسية على تنافس روسيا وإنجلترا لاستقطاب الأمراء السعوديين.

أما ختام الكتاب فخصه المازنى بملاحظات إجمالية عن العرب فى الحجاز (حضر، ومزارعين، وبدو) وما اتخذه «ابن السعود» من سياسة تجاههم.

 

وآخر سطرين خطهما المازنى فى عام 1930 يقول فيهما:

 

«ولقد عدت من الحجاز وأنا مقتنع بأن مصر إذا ظلت تتخبط وتولى الشئون السياسية هذا الحظ الباهظ من رعايتها على حساب المرافق الجديدة والمراشد الحيوية، فسيسبقها الحجاز بلا أدنى ريب».

عاطف معتمد الدكتور عاطف معتمد
التعليقات