رون بن يشاى
• مما لا شك فيه أن مجزرة كنيس القدس جرى التخطيط لها بصورة مسبقة وبدقة. واختار المخربان بصورة مقصودة هدفا يحمل صفة دينية واضحة. كما اختارا التوقيت كى يكون للهجوم تأثيره القاتل، أى صلاة الصباح حيث يكون المبنى مليئا بالناس. ولم يكن اختيار السلاح صدفة، فقد كان فى إمكانهما القتل بواسطة المسدس الذى كان فى حوزتهما، لكنهما حملا معهما سواطير وسكاكين حادة من أجل إظهار المكون الطقسى الإسلامى، كما يبدو محاكاة لأعمال القتل التى يقوم بها عناصر داعش فى سوريا والعراق.
• ما حدث هنا هجوم ذو دوافع دينية ــ إسلامية، وهو نتيجة التحريض الذى يحدث على مستويين: تحريض إقليمى بتشجيع من أشرطة (قطع الرءوس) التى تعرضها داعش والتنظيمات المنضوية تحتها، وتحريض فلسطينى وعربى محوره الادعاءات بأن إسرائيل تحاول المس بالمسجد الأقصى والسيطرة على الموقع بأكمله.
• يشارك فى المستوى الثانى من التحريض أبومازن، وملك الأردن والشيخ رائد صلاح زعيم الجناح الشمالى فى الحركة الإسلامية فى إسرائيل، كما تلعب «حماس» دورا مهما فى التحريض. ففى الوقت الحالى تمر الحركة فى ضائقة صعبة من جراء عدم سماح المصريين بإعادة الإعمار بالوتيرة التى تريدها، بعد الأضرار التى تسببت بها عملية «الجرف الصامد» فى غزة. ولذا يجب هنا أن نتفحّص جيدا احتمال تورط «حماس» المباشر فى التخطيط للهجوم أو الإعداد له أو اختيار التوقيت.
• تزعم «حماس» أن الهجوم انتقام لمقتل سائق الحافلة العربى فى القدس. وعلى الرغم من أن تشريح الجثة الذى جرى بمشاركة طبيب فلسطينى أثبت أن الحادثة انتحار، فإن وسائل الإعلام فى السلطة الفلسطينية وشبكات التواصل الاجتماعى واصلت القول بأن الأمر جريمة ارتكبها يهود، ولم يحاول أبومازن تبديد هذا الانطباع.
• انطلاقا من هذا كله، يبدو أن ما حدث فى القدس مجزرة حصلت مسبقا على شرعية دينية من جانب أطراف إسلامية فلسطينية. لكن على الرغم من ذلك، فمن المستحيل إحباط هذا الهجوم بصورة مسبقة لعدم تورط أى تنظيم إرهابى مباشرة فيه. ومثل هذه الهجمات من الصعب جدا إحباطها مسبقا أو التحذير من حدوثها. من الصعب جدا ردع شخص يريد أن يتحول إلى شهيد. ومنفذوها كانوا يعلمون مسبقا لدى تخطيطهم للهجوم، بأنهم لن يخرجوا أحياء، لذا يجب استخدام جميع وسائل المنع والكبح المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية، وقد جرى استخدامها فعلا، ولكن ما إن بدأ شيء من الهدوء يبرز على الأرض، حتى بدأ التخفيف من تلك الوسائل. وما يجب أن نأخذه فى الاعتبار أنه حتى عندما يسود الهدوء فى جبل الهيكل (الحرم القدسي) فإن الهبة الشعبية، أو الانتفاضة، ما تزال هنا، تحت الأرض وهى تنتظر حادثة ما كى تستخدمها ذريعة لارتكاب مجزرة ضدنا.
• إن أهم الوسائل التى يجب القيام بها هى:
• إغراق شوارع القدس العربية (جبل المكبر وسلوان والعيسوية وأحياء أخرى)
بالدوريات والحواجز.
تعبئة قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود، والجيش عند الضرورة. والقيام بدوريات تفرض فيها وجودها، وتزويد هذه القوات ليس فقط بوسائل تفريق التظاهرات، بل أيضا بتعليمات دقيقة تمنع استخدام السلاح والقتل من دون ضرورة. اعتقال وقائى للمحرضين. يعرف الشاباك من هم الذين يحرضون ومن هم أئمة المساجد الذى يثيرون المشاعر، ومن شأن هذه الاعتقالات تهدئة الأجواء.
• وإلى جانب هذه الوسائل الهجومية، فإن الوسائل الدفاعية لا تقل أهمية وفى طليعتها تحصين المؤسسات العامة. وفى الواقع، فقد ثبت أن يقظة الجمهور مهمة، فالأعين المفتوحة واستدعاء قوات الأمن فى الوقت الملائم أثبتا خلال الانتفاضة السابقة أنهما وسيلتان ناجعتان جدا. كما يتعين منع انزلاق الأحداث فى القدس إلى مناطق أخرى داخل الخط الخضر ووسط العرب فى إسرائيل وإلى يهودا والسامرة (الضفة الغربية). ومن المهم جدا منع العمليات الانتقامية من جانب اليهود.
• يعتبر هدم منازل المخربين وسيلة رادعة. لكن ثمة نقاشا فى هذا الصدد، فمن الواضح أن هدم بيوت فى هذا الوقت سيؤدى إلى إلهاب المشاعر، لذا من الأفضل الامتناع عنه على الأقل فى الفترة الحالية، ثم إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل لا تهدم منازل مخربين يهود. وهذا يحول الردع إلى وسيلة عقابية غير عادلة وغير مبررة بالنسبة إلى عائلات المخربين، الأمر الذى سيساهم فى تهييج الأجواء بدلا من تهدئتها.
• المهم هو تغيير أسلوب التفكير. تختلف الانتفاضة الحالية التى نحن فى ذروتها عن الانتفاضتين السابقتين، لكنها موجودة، ويجب أن نوفر الوسائل لمواجهة الخصائص الجديدة لهذه الانتفاضة، أى صعوبة الإحباط المسبق للهجمات وصعوبة الردع بسبب الدافع الدينى والتحريض.
• إن وسائل كبح موجة الإرهاب الحالية يجب أن تكون مزيجا من العمليات الهجومية، والطلب الصارم من أطراف فلسطينية وعربية وقف التحريض، وعمليات دفاعية متواصلة تشمل وضع كتل أسمنتية للحماية.