يحظى معرض أبو ظبى للكتاب باهتمام كبير من المتابعين لصناعة النشر فى العالم العربى ونجح المعرض عبر سنوات فى إثارة اهتمام المثقفين العرب، خاصة بعدما ارتبط بإعلان جائزة البوكر للرواية العربية وبحفل تسليم جائزة الشيخ زايد للكتاب.
وفى هذا العام بالذات توقع الكثير من المصريين أن تذهب جائزة البوكر للروائية المصرية المقتدرة ميرال الطحاوى عن روايتها الجميلة (أيام الشمس المشرقة ) إلا أن فوز الروائى العمانى زهران القاسمى عن روايته (تغريبة القافر) لم تنتج عنه حروب وانتقادات ذات نزعة شوفينية وهو تطور إيجابى يظهر رغبة القراء فى الانفتاح على تجارب سردية جديدة لا سيما أن الأدب العمانى حقق طفرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة بعد أن نجح أدباء عمانيون فى الفوز بجوائز مهمة، فقد حصلت بشرى خلفان العام الماضى على جائزة كتارا ونافست على البوكر بروايتها الرائعة «دلشاد» كما فازت منى حبراس بجائزة السلطان قابوس وفازت عائشة السيفى بجائزة شاعر المليون ونالت جوخة الحارثى أرفع جائزة عالمية وهى جائزة البوكر البريطانية العريقة فى العام 2019 لتسلط الضوء على مساهمات جيلها من الكاتبات هناك خاصة الروائية هدى حمد التى تعد فى طليعة الأسماء الجديرة بالالتفات إلى جانب سليمان المعمرى ويحيى المنذرى ومحمود الرحبى وكلها أسماء تعزز حضورها خلال السنوات التى أعقبت ظهور مجلة نزوى التى تولت بفضل سيف الرحبى التبشير بالكتابة الجديدة التى تخطت الأدب التقليدى هناك وبعد نحو ربع قرن من صدور المجلة يمكن قياس ما استطاعت ترسيخه على صعيد محلى وعربى أيضا فهى لا تزال المجلة الثقافية الوحيدة الصامدة فى مواجهة التحولات التى عصفت بالكثير من المجلات الثقافية، ولا شك أن فوز زهران جاء ليلفت نظر القراء للطفرة العمانية التى تستحق تأملا جادا وبحثا نقديا متعمقا.
وأجمل ما فى هذا الفوز أنه لم يهز ثقة كاتبة كبيرة مثل ميرال الطحاوى فى قيمة عملها وجدارة مشروعها السردى، فقد حرصت على تهنئة الفائز بفوزه وواصلت مع القراء من كل مكان الاحتفال بمشروعها الروائى الكبير داخل أروقة معرض أبو ظبى وخارجه.
لا يختلف اثنان على أن تجربة ميرال تكشف عن مشروع إبداعى واضح الملامح، صحيح أن ميرال غابت عن الكتابة لأكثر من عشر سنوات بعد استقرارها فى أمريكا لكن عودتها جاءت قوية ونجحت خلال عام واحد فى إصدار 3 مؤلفات من دور نشر مختلفة عززت من تواجدها ونجحت معها فى استعادة جمهورها والتفاعل مع الأجيال الجديدة من القراء الذين قدمتهم مواقع التواصل الاجتماعى ونوادى القراءة على خلاف الكثير من أبناء جيلها الذين لا زالوا محاصرين فى الأطر القديمة.
أعترف أننى مثل كثيرين توقعت فوز ميرال وروايتها وراهنت على فوزها، إلا أن لجنة التحكيم التى رأسها الروائى المغربى محمد الأشعرى كان لها رأى آخر وهو محل احترام ومهما كانت الانتقادات لهذا القرار علينا أن نحترمه، لأن شروط لعبة الجوائز واضحة، وشخصيا لا أعتقد فى وجود مؤامرات وتربيطات لكنى أرى الجوائز مغامرة مفتوحة على احتمالات كثيرة خاصة أن هناك دائما فائز واحد بينما المرشحون كثر.
ظنى أن ما يستحق التفكير حقا هو سؤال عن علاقة ميرال وجيلها بجوائز الدولة فى مصر فهم أولى بالتقدير المحلى وهو جيل على مشارف الستين وصار من الضرورى أن يتصدر قوائم الترشيح فى جوائز بلاده، فمن المخجل جدا أن هذا الجيل الذى نال التشجيعية من عشرين عاما لا يزال بعيدا عن خيارات الجامعات والمؤسسات التى تحصر ترشيحاتها للجوائز فى إطار هيئات التدريس وتنظر للجوائز كمكافأة لنهاية الخدمة.
والسؤال: لماذا تحظى أسماء مثل إيمان مرسال وفاطمة قنديل ومى التلمسانى وميرال الطحاوى ومحمود قرنى وإبراهيم داوود وابراهيم عبدالفتاح ومنتصر القفاش وغيرهم باهتمام وتكريمات تأتى من الخارج بينما يتم تجاهل مشروعها من المؤسسات داخل مصر بل إن هناك جيلا كاملا هو جيل الثمانينيات سقط تماما من الحسابات وهو بحاجة إلى انصاف حقيقى لمشروعه الإبداعى.
وعلى الرغم من الاحباط الذى تولد من عدم فوز ميرال الطحاوى بجائزة البوكر إلا أن فوز الفنان عمر خيرت بجائزة شخصية العام فى جائزة الشيخ زايد للكتاب وفوز الدكتورة فاطمة البودى بجائزة التقنيات والنشر فى نفس الجائزة خفف كثيرا من هذا الإحباط ومد المشاركين المصريين بطاقة فرح غمرت الجميع ليتحول المعرض إلى مناسبة للبهجة.