لا سلام ولا أمن لإسرائيل دون تحقيق العدالة للشعب الفلسطينى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:39 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا سلام ولا أمن لإسرائيل دون تحقيق العدالة للشعب الفلسطينى

نشر فى : الأحد 23 يونيو 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الأحد 23 يونيو 2024 - 7:10 م

«المذبحة» التى حدثت فى 7 أكتوبر والحرب التى تلتها يجب أن تشكلا نقطة تحوّل فى علاقة إسرائيل بالنزاع الإسرائيلى ــ الفلسطينى. مرة أُخرى، نشهد حدود القوة، ونتعلم أن الاعتماد عليها لا يمكن له قط أن يؤمّن الاستقرار والأمن لسكان إسرائيل. من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، يجب التفكير فى طبيعة الدولة ودورها فى المنطقة: هل نريد الاندماج فيها، ومن خلال تحقيق الرؤية الديمقراطية، والاعتراف بالحقوق الشرعية لجيراننا الفلسطينيين، أم نريد أن نكون دولة عسكرية تعيش على حدّ السيف، وكنبتة غريبة فى الشرق الأوسط؟

 •  •  •

 نشأت دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد «المحرقة»، وبعد اعتراف دولى واسع النطاق، كانت بدايته مع وعد بلفور ووثيقة الانتداب اللذين نصّا على ضمان وطن قومى للشعب اليهودى فى وطنه التاريخى يشكل «ملاذا آمنا»، بعد الاضطهاد الذى عاناه جزء من هذا الشعب خلال مئات الأعوام. لقد اعتمد هذا الإعلان على الصلة التاريخية التى تربط الشعب اليهودى بأرض «إسرائيل»، وعلى الاعتراف بالحق فى تقرير المصير، مثل أى شعب آخر.

لكن دولة إسرائيل لم تنشأ فى أرض خالية. «اليشوف العربى» ــ أى الوجود العربى ــ كان يعيش على أرض فلسطين طوال مئات الأعوام، وله جذوره هناك. ولديه ارتباط تاريخى مستمر بهذا البلد لا يقلّ عن الصلة اليهودية التاريخية بأرض إسرائيل كموطن للأجداد.

لدى قيام الانتداب البريطانى فى سنة 1922، كان 90% من سكان البلد عربا، وكانوا يملكون معظم الأراضى الخاصة فى فلسطين التاريخية. وعلى الرغم من هذا الواقع، فإن مبدأ «الحق فى تقرير المصير لم يُطبّق على فلسطين خلال الانتداب.. بسبب السعى لإقامة الوطن القومى اليهودى» (من تقرير لجنة التقسيم فى سنة 1947). لو طُبّق هذا المبدأ، لكان منح العرب دولة.

فقط فى سنة 1947، وبعد نضال استمر ربع قرن، أدرك المجتمع الدولى أن من حق الشعبين الحصول على وطن، كما وصفه جيدا حاييم وايزمان بكلمات «العدالة تتحقق بالعدالة». وصدر قرار الجمعية العامة فى 29 نوفمبر1947، الذى قضى بتقسيم فلسطين الانتدابية وإقامة دولتين ــ يهودية وعربية ــ لديهما اقتصاد موحد (مع بقاء القدس كيانا منفصلا تحت سيطرة الأمم المتحدة). وكانت مساحة الدولة اليهودية أكبر (55%)، على الرغم من أن عدد السكان العرب كان يبلغ ضعف السكان اليهود.

اليشوف العبرى فى البلد قبِل خطة التقسيم، بينما رفضتها الزعامة الفلسطينية، وهو ما أدى إلى نشوب حرب «الاستقلال» فى سنة 1947. كانت الحرب طويلة، وفى جزئها الثانى، وبعد إعلان دولة إسرائيل، انضمت دول عربية إلى القتال إلى جانب الفلسطينيين. وكانت نتائج هذه الحرب كارثية على اليشوف الفلسطينى (النكبة). جزء منه طُرد، أو هرب خارج حدود فلسطين، والجزء الأكبر بقى فى نهاية الحرب فى أراضٍ واقعة خارج حدود دولة إسرائيل، وتُعرف اليوم بالضفة الغربية (التى جرى ضمّها إلى الأردن)، وفى قطاع غزة (الذى بقى تحت السيطرة المصرية).

بعد حرب «الاستقلال»، اعترفت دول العالم، فى معظمها، بإسرائيل، وبخطوط الهدنة فى سنة 1949، على أنها حدود الدولة حتى نشوب حرب الأيام الستة [حرب يونيو 1967]. أدت هذه الحرب إلى تغيير جغرافى كبير فى الأراضى الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، هى تسيطر على الشعب الفلسطينى فى هاتين المنطقتين بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة.

 •  •  •

 على الرغم من اعتراف إسرائيل بقرار مجلس الأمن 242 ومبدأ «أراضٍ فى مقابل السلام»، فإنها رفضت ذلك، عمليا، وقامت بالاستيطان فى شتى أنحاء أرض فلسطين الانتدابية، وما وراءها فى شبه جزيرة سيناء، وفى هضبة الجولان. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تظهر تطلعات مسيانية غير أخلاقية وغير واقعية، ترى أنه يجب «إنقاذ» أراضى إسرائيل كلها، على الرغم من أن شعبا آخر يعيش فى أقسام كبيرة منها منذ مئات الأعوام، وعلى الرغم من تعارُض هذا الأمر مع القانون الدولى.

الانتفاضة الأولى التى نشبت فى سنة 1987، أوضحت بصورة جيدة أن السيطرة على شعب آخر محفوفة بالمصاعب، وغير أخلاقية، ولها ثمن لا يُحتمل.

هكذا وصلنا إلى اتفاقات أوسلو (1993) ومحادثات أنابوليس (2008) والأمل بإنهاء النزاع وتحقيق العدالة بين الشعبين من خلال الأخذ بالواقع الناشئ بعد حرب 1948، مع تعديلات طفيفة على حدود 1967، وفى ذلك الوقت، كانت أغلبية الجمهور الإسرائيلى مع هذا الموقف وتؤيده.

لكن القوى المتطرفة وسط الشعبين أدت إلى فشل اتفاقات أوسلو. وبعد اغتيال يتسحاق رابين، الذى كان يؤيد هذه الاتفاقات، ومع إنهاء النزاع بين الشعبين لقاء إعادة مناطق، ومع حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى فى المناطق، وبعد فشل المفاوضات فى كامب ديفيد فى سنة 2000، نشبت الانتفاضة الثانية، وبدأ الجمهور اليهودى الإسرائيلى بالابتعاد عن فكرة تقسيم البلد إلى دولتين. وتعمّق هذا الابتعاد مع وصول نتنياهو إلى الحكم، الأمر الذى أدى إلى اليأس وسط الجمهور الفلسطينى وتصاعُد «الإرهاب» ضد الإسرائيليين والإسرائيليات الذى وصل إلى ذروته فى «مذبحة» 7 أكتوبر.

اليوم، وبعد 9 أشهر على «مذبحة» 7 أكتوبر... اختفت فكرة الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير تماما من الحديث العام وسط الجمهور اليهودى، ولا وجود لها فى أى مكان وسط القيادة الإسرائيلية الحالية. وهذه النظرة تنطوى على انعدام للمنطق ونظرة لا أخلاقية إلى العلاقات بين الشعبين، وتستخف بمقاومة الشعب الفلسطينى والعالم، وتتجاهل المخاطر الأمنية الحقيقية التى تهدد دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية مع أغلبية يهودية.

يتطلب هذا الوضع، أكثر من أى يوم فى الماضى، بلورة حركة شعبية وسط الجمهور اليهودى فى داخل إسرائيل والعالم، تعترف بعمق ارتباط الشعب الفلسطينى بهذه المنطقة من البحر إلى النهر، وبحقه الطبيعى والشرعى فى تقرير مصيره، وفى الاستقلال، وحقه فى دولة ذات سيادة قابلة للحياة فى المناطق إلى جانب دولة إسرائيل. بهذه الطريقة فقط، يمكن معالجة الظلم الذى لحِق بالشعب الفلسطينى… بهذا فقط يمكن إصلاح الظلم نتيجة حرمان فلسطين من مبدأ تقرير المصير فى سنة 1922، والأثمان التى تكبدها جرّاء النكبة فى سنة 1948، والاحتلال بعد حرب الأيام الستة. هذا الإصلاح هو فقط يمكن أن ينهى النزاع بين إسرائيل والشعب الفلسطينى، ويؤمّن الأمن الحقيقى لإسرائيل ومواطنيها ومواطناتها.

إن الحركة الشعبية التى ندعو إلى قيامها، يجب أن تقول الأمور بصوت عالٍ وقوى، ويجب أن تحظى بالتأييد من معظم دول العالم الراغبة فى حلّ النزاع وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وضمان أمن ووجود إسرائيل.

ندعو مواطنى ومواطنات إسرائيل، اليهود والعرب، إلى الانضمام إلى هذه الحركة الشعبية، وإلى العمل خارج النشاط البرلمانى فى إسرائيل، وتبنّى هذه الرؤية وتحقيقها. وندعو الفلسطينيين والفلسطينيات إلى العمل معا من أجل تحقيق هذه الرؤية.

إن تقسيم أراضى فلسطين الانتدابية، بحيث تحصل إسرائيل على 78% من الأراضى، وفلسطين على 22%، ما زال ممكنا. كما أظهرت المفاوضات فى أنابوليس فى سنة 2008 وجود حلول عملية ومعقولة لكل القضايا الأساسية للنزاع: الحدود والأمن والقدس واللاجئون واللاجئات وغيرها. المطلوب قيادة شجاعة من الطرفين تتبنى هذه الحلول، وتقود الجمهور إلى الثقة بها وتأييدها، حرصا على المصالح المشتركة للطرفين.

 مجموعة كتاب

هاآرتس

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات