خمسة سيناريوهات متوقعة للحرب الإيرانية الإسرائيلية - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأربعاء 25 يونيو 2025 12:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

خمسة سيناريوهات متوقعة للحرب الإيرانية الإسرائيلية

نشر فى : الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 6:50 م

 

بعض الناس يظنون أن كل ما يجرى فى منطقتنا هو مؤامرة، وأننا لا ندرى حقيقة ما يحدث، وأن كل ما نشاهده هو سيناريوهات محكمة تهدف لإقناعنا بأن هناك حربًا حتى بعد استهداف الولايات المتحدة لثلاثة مواقع نووية إيرانية، بينما الواقع من منظورهم أن كل هذا كان متفقًا عليه. وفئة أخرى من الناس لم يظنوا، ولو للحظة، بأن ثمة حربًا قد تقع يومًا بين إسرائيل وإيران، ناهيك عن دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر فيها، لأنها تهدم النظام الإقليمى الذى يستفاد منه الغرب، ويعتبرون أن وقف إطلاق النار جاء تصديقا لرأيهم! وفئة أخرى ترى بأن توسع إسرائيل الآن لتحقيق أسطورة إسرائيل الكبرى هى أمر واقع لا محالة. والتحدى الذى يواجه تلك الآراء هو الواقع الذى لا يسير طبقًا لما يتصورون. ولذلك، نفهم أن التحليل لا يملى الواقع، وإنما الواقع هو الذى يفرض نفسه بلا استئذان. ومن الأحداث الجارية نحاول رسم خمسة سيناريوهات لما قد يحمله وقف إطلاق النار، لعلها تضىء الطريق.

السيناريو الأول، وهو الافتراض بأن إيران صمدت بعد وقف إطلاق النار واستعصت على الكسر. العديد من الشواهد تعزز هذا السيناريو. فلقد استمرت إيران فى تصديها للعدوان الإسرائيلى الأمريكى، بالرغم من هول الضربة الاستباقية، وفقدان الصف الأول من القادة العسكريين، إضافة لكبار العلماء المسئولين عن البرنامج النووى. وحتى بعد استباحة المقاتلات الإسرائيلية لسماء إيران، فإن الصواريخ الإيرانية استمرت فى ضرب قلب تل أبيب، ومناطق حساسة، وحيوية، تعتبر من صميم الأمن القومى الإسرائيلى، منها مثلًا مصفاة نفط من أصل اثنين تعتمد عليها إسرائيل لإنتاج الوقود، ومقر الموساد، الذى اخترق إيران عن طريق الخونة، والجواسيس، وأنزل بها ضربات مؤلمة. لقد استطاعت إيران إعادة بعض التوازن، بالرغم من عدم تكافؤ النتائج بين الطرفين. وبوقف إطلاق النار بدون تدمير البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، أو إسقاط النظام الحاكم، فإن التداعيات ستمتد لفترة زمنية طويلة.

• •

السيناريو الثانى، وهو الافتراض بأن إيران لم تصمد وانكسرت. بعض الشواهد تعزز هذا الاتجاه، حيث انخفض عدد الصواريخ الإيرانية التى كانت تستهدف إسرائيل، بالرغم من قدرتها التدميرية العالية. والبعض فسر ذلك بالقول بعدم حاجة إيران لإغراق سماء تل أبيب بالصواريخ بعدما انخفضت قدرة منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلية (حيتس، ومقلاع داوود، والقبة الحديدية) ومنظومة ثاد الأمريكية على التصدى للصواريخ الإيرانية. ومع تراجع الأداء الإسرائيلى، ودخول إدارة ترامب الحرب بشكل مباشر، تم التوصل لوقف إطلاق النار. وكان من المتوقع حدوث تداعيات كارثية، منها سقوط النظام، وتمزيق إيران لدويلات فى أربع مناطق، وهى بلوشستان فى جنوب شرق إيران، والأذر فى شمال شرقها، والكرد فى شمال غربها، وعرب الأهواز فى جنوب غربها. وستسفر هذه التطورات عن موجة نزوح ولجوء إلى تركيا وأوروبا كالتى جرت من سوريا. كما سيتحمل الخليج العربى أثمان باهظة بسبب الفوضى الإقليمية، يدفعها من استقراره وتماسك دوله. وسيختل توازن القوى فى آسيا الوسطى، وتفقد باكستان، والصين، وروسيا، دولة صديقة، تعود إلى أحضان الغرب كما كانت وقت الشاه قبل ثورة 1979. هذا ويتحول الحرس الثورى أو ما تبقى منه إلى ميلشيا بلا مسئوليات تجاه الدولة أو الشعب، لكنها ميليشيا تمتلك بقايا برنامج نووى، وبعضًا من مخرجاته. وعلى التوازى، تهيمن إسرائيل على ما بعد نهر الفرات.

• •

السيناريو الثالث، وهو الافتراض بأن كل من إيران وإسرائيل، أنهكته الحرب بالرغم من نهايتها المفاجئة. بينما يبدو أن هذ التعادل قد يأتى لصالح إسرائيل بعد تدخل الولايات المتحدة، فإن الواقع قد يأتى لصالح طرف ثالث غير ضالع فى المواجهات، وهو تركيا. ولنتذكر بأن المشروع التركى لم يمت، وإنما تحول بعدما فقد ورقة الإخوان. ولقد رأينا جميعا كيف استفاد من حرب غزة، حيث فاجأ الجميع بدفع قوات الجولانى فأسقطت نظام بشار فى غضون أسبوع. وكلما تراجعت قوة الدفع للمشروعات السائدة بالمنطقة، سواء الإسرائيلى أو الإيرانى، فإن هذا يفتح الطريق لتطوير أعمال «منظمة الدول التركية» التى تضم تركيا، وأذربيجان وكازاخستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان، وأوزبكستان. ومظاهر الطموح التركى التوسعى تتخطى منطقة المشرق العربى، ونرى شواهدها فى ليبيا، والسودان، والصومال، لكن نكتفى بالإشارة لدورها فى المشرق العربى. ولا نستبعد استغلال تركيا الموقف لتفاجأ الجميع بتحريك مواليين لها لتتوسع فى العراق على غرار ما فعلته بسوريا، لا سيما بعد تراجع الدعم الإيرانى.

* • •

أما السيناريو الرابع، فهو الافتراض بأن إسرائيل اعتبرت أنها لم تحقق نتائج الحرب. والشواهد ليست بالقليلة، فكما تستبيح إسرائيل سماء إيران، فإن الأخيرة ردت بالمثل، وكما تستهدف العمق الإيرانى، فإن الأخيرة ضربت بالمثل. وحتى لو كانت أعداد الضحايا أكبر فى إيران، فإن النتائج ستتغير إذا تم قياس نسبة الضحايا لتعداد سكان كل طرف. أخذن بالاعتبار بأن المعادلة تغيرت بعد الضربات الأمريكية على إيران. والتداعيات لن تقتصر على سقوط حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، لكن أيضًا ستصبح المكاسب التى حصدتها منذ بدأ حربها على غزة فى أكتوبر 2023 على المحك، علمًا بأن إسرائيل لم تدمر حزب الله وحماس بالكامل، ناهيك عن الحوثيين! وإسرائيل لا تستطيع استيعاب هذا النوع من النتائج فى حرب ضربت العمق وزعزعت المجتمع. ولنتذكر أنه قبل وقف إطلاق النار ارتفعت أعدد الإسرائيليين المغادرين إلى قبرص واليونان وأصبحت بالآلاف، حتى قالت وزيرة المواصلات الإسرائيلية، فى اليوم الخامس من المواجهات ضد إيران، لن نوافق على مغادرة الإسرائيليين إلى الخارج فى هذه المرحلة، باستثناء الأشخاص الذين أتوا لزيارة البلاد سواء كانوا سياحا أو فى رحلة عمل أو دبلوماسيين، هم من سيعودون إلى بلادهم! فما بالكم لو تسلل إحساس الإخفاق لإسرائيل؟ ومن ثم، سيصبح المشروع الصهيونى على المحك.

* • •

وأخيرًا، السيناريو الخامس، وهو الافتراض بأن وقف إطلاق النار لن يصمد بالرغم من الدور الأمريكى، فإن التداعيات ستكون كارثية على المنطقة. والأمر المتوقع هو توسيع نطاق الصراع ليشمل بعض دول المنطقة بصورة مباشرة، ما يفتح أو يعزز احتمالات نشوء محور دفاعى بين إسرائيل وهذه الدول بقيادة الولايات المتحدة، تتوزع فيه الأدوار وتتكامل فيه المصالح أو تتطابق. وستكون لهذا المحور الدفاعى أبعاد أخرى لفترة ما بعد الحرب، لا تقتصر على التحالف العسكرى، لكن تشمل التطبيع الاقتصادى الكامل، بما يسهم فى نجاح مشروع ممر الهند -أوروبا الذى تم تدشينه فى قمة العشرين قبل سنتين.

الشاهد، مهما جاءت النتائج المرحلية لصالح مزورى التاريخ، الذين يدعون بأنهم يصححون حركته، وهم فى الواقع يفسدونها، فإن التاريخ سيصحح نفسه! ولو استمر توهم البعض أن ثمة منافع مشتركة قد تنعش آمال السلام، فهم على موعد مع جولة جديدة لتفتيت ما تبقى من الأوطان، لكن هذه المرة فى قلب العالم العربى.

 

 

 

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات