الخروج من عبثيات الهويات المتناقضة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخروج من عبثيات الهويات المتناقضة

نشر فى : الخميس 25 ديسمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الخميس 25 ديسمبر 2014 - 7:50 ص

فى ندوة عقدت فى بيروت جرى الحديث عن الهوية العربية: تاريخها، تعريفها، مكوناتها، علاقتها بالهويّات الفرعية الأخرى.

الواقع أن هذا الموضوع يجب أن ينظر إليه بطريقة مبسّطة، فلا يعقّد أو يفلسف ليصبح عصيّا على استيعابه من قبل المواطن العربى العادى، ولا ينقل إلى ساحة الثنائيات العربية الشهيرة التى تصرُّ على تضاد الأشياء والأفكار بدلا من تكاملها. والنتيجة أن ننتهى إلى الدّوران حول الموضوع عبر القرون دون أن نستقرُّ على شىء نهائى، تماما كما فعلنا بثنائيات من مثل الأصالة / المعاصرة، الدّين / العلم، القومية / الوطنية... إلخ.

واقع الحياة يقول إن كل إنسان يرتبط بعدة هويات، وليس بهوية واحدة. هناك هويات مثل الدين والمذهب والعائلة والقبيلة والأيديولوجية السياسية والأصول العرقية واللغة والثقافة، والكثير غيرها. إذن فالتعددية فى الهوية هى جزء من الاجتماع البشرى.

عندما ننقل مشهد التعددية من واقع الفرد إلى واقع الأمة تصبح كل تلك الهويات هويات فرعية أو جزئية لأنها هويات تتعلق بفرد أو بمجموعة أفراد. هنا يتطلب واقع الأمة أو المجتمع أن توجد، إضافة إلى الهويات الجزئية، هوية جامعة مشتركة يتمسك بها جميع أفراد الأمة والمجتمع.

القضية الأساسية لا تكمن فى تعدُدية الانتماء لهويات فرعية، وإنما تكمن فى إصرار البعض على عدم تعايشها مع بعضها البعض من جهة وإلى تفضيل البعض لهوية فرعية، التى تخص وتخدم جزءا من الأمة، على الهوية الجامعة المشتركة التى تخصُ وتخدم كل الأمة. مثلا أن تكون وطنيا محبا لوطنك العربى الصغير ومراعيا لكل مصالحه، أو أن تكون منتميا لمذهب دينى دون تزمُت أو مشاعر طائفية، فإن ذلك يعنى التزامك الأخلاقى المسئول تجاه الوطن أو المذهب وهو دليل على حيويتك الاجتماعية والإنسانية.

لكن أن تسمح بأن تقدم مصلحة الوطن الصغير أو مصلحة الطائفة على حساب مصلحة الوطن الكبير أو الأمة فهذا يعنى إعلاء المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وتفضيل للجزء على الكل.

•••

لا ينشغل الناس بالحديث عن الهوية الجامعة إلا عندما يسعون إلى بناء أمة. مبررات وضرورات بناء الأمُة الواحدة، وبالتالى الوطن الكبير الواحد، تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر. بالنسبة للأمُة العربية لا يحتاج الإنسان لأن يفتّش عن المبررات الوجودية لضرورة بناء هذه الأمة الموحّدة. فلقد أدّى تقسيمها وتجزئة وطنها وتفتيت مجتمعاتها وإعلاء الهويات الجزئية لبعض فئاتها على الهوية الجامعة.. أدى كل ذلك إلى تسلط قوى الاستعمار بأشكال مختلفة على كل جزء منها وبالتالى استباحة كل ثرواتها، وأدى الوجود الصهيونى فى فلسطين المحتلة إلى منعها من بناء قوتها الذاتية والتركيز على تنمية الاقتصاد والسياسة والعلم فى مجتمعاتها، وأدت المصالح الفئوية الداخلية إلى التناحر الدائم فيما بين أجزائها، وأدى كل ذلك فى النهاية إلى بقائها ضعيفة متخلفة عن ركب حضارة العصر.

هكذا وضع بائس لا يمكن مواجهته إلا بجهود أمة موحدة، إن لم يكن فى الواقع الجغرافى الواحد، فعلى الأقل فى الواقع النضالى الواحد ضدُ أعداء الخارج المتكالبين عليها وضد أعداء الداخل الذين يتفرجون على عذاباتها وأحزانها وانسداد أفق مستقبلها.

من هنا الأهمية القصوى لجهود المفكّرين والكتاب والإعلاميين وقادة المجتمع المدنى وشباب الأمة من أجل تعريف ونشر ودعم مفهوم الهوية العربية الجامعة ومن اجل توضيح دروب إمكانية تعايش الهويات الفرعية مع بعضها البعض من جهة ومع الهوية الجامعة المشتركة من جهة أخرى.

لن يكون ذلك بالسهل، فالتاريخ يعلمنا أن الهويات المشتركة تنتعش فى فترات الانتصارات فى ملاحم الأمم الكبرى وتخفت وتضعف فى فترات الهزائم التى تحيط بالأمة من كل حدب وصوب، كما هو الحال بالنسبة لأمة العرب.

•••

لكن التاريخ يعلمنا أيضا أنه لا يوجد قدر ثابت مكتوب على أية أمة. إنى شخصيا واثق أن تغيير قدر الأمة العربية قد بدأ منذ أربع سنوات عندما أطلت بشائر ربيع عربى مبهر.

أن يواجه الربيع عواصف مفاجئة أو أن تموت زهور من هنا أو هناك فهذا لا يعنى إلا استراحة الطبيعة المؤقتة لتعاود حيويتها وألقها وسيرورة مسارها الطويل.

المطلوب ألا يبقى موضوع الهوية العربية الجامعة، هوية العروبة، موضوع سجالات عبثية لا تؤدّى إلا إلى إدخال الأمّة فى دوّامة من المشاعر والأحلام والآمال المتناقضة المتصارعة. هناك حاجة لطليعة تعمل ليل نهار لمنع وصول الأمة لتلك الحالة وإدخال السرور إلى قلب الصهيونية والاستعمار والاستبداد الأنانى المتخلُّف.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات