مكافأةُ حوارٍ أجريته مع فؤاد زكريا! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:26 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكافأةُ حوارٍ أجريته مع فؤاد زكريا!

نشر فى : السبت 26 مارس 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2022 - 8:10 م

ــ 1 ــ
بدون أى مناسبة.. فجأة ودون أى سابق إنذار، وجدتنى أستعيد لحظاتٍ وذكريات مؤلمة فى حياتى تتصل بأول مشوارى فى عالم الصحافة، وخاصة الصحافة الثقافية التى كنت أرى ــ وما زلتُ ــ أنها واحدة من أجل وأعظم فروع الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية على السواء، وأن محرريها يجب أن يكونوا دائما من ذوى المهارات العالية والاستعداد الخاص من لغة راقية وثقافة واسعة واطلاع أصيل وذائقة مدربة، وقدرة على تقديم وتحرير مواد ثقافية جادة وحقيقية.
كان تذكرى لها (أى لتلك اللحظات) يؤلمنى ويبكينى بمرارة لا تقل عن تلك المرة التى عشت فيها هذا الشعور قبل ما يزيد على 15 سنة!

ــ 2 ــ
فى مستهل طريقى فى الصحافة، التحقت بالعمل بإحدى الصحف العربية الكبرى فى مكتبها بالقاهرة؛ كان حلمى أن أكون ضمن فريق محرريها فى القاهرة أو مراسلا ثقافيا لها، أنشر موضوعاتٍ صحفية متنوعة؛ بين قراءات وحوارات وتحقيقات، ومراجعات للكتب.. بالجملة كل ما يندرج تحت مسمى شغل «الصحافة الثقافية» التى كنت أحلم بها وأتمناها.
وظللت أكافح عاما كاملا للانتقال من قسم المراجعة والتصحيح الذى التحقتُ به إلى التحرير (ولو بالكتابة بالقطعة)، وبخاصة القسم الثقافى الذى كان يشرف عليه أحد الأسماء المعروفة فى مجال الكتابة الإبداعية. اقترحتُ على القائمين بالأمر مجموعة من الموضوعات والحوارات مع شخصيات ثقافية وفكرية لها قيمتها ووزنها الفكرى والثقافى، كان اسم الواحد منها يشكل تحديا غير مسبوق لصحفى شاب لا يعرفه أحدا، ولا يهتم به أحد! (اقترحت على سبيل المثال؛ أسماء محمد عابد الجابرى، وعبدالله العروى، وفؤاد زكريا.. وغيرهم).
عوملت حينها بجفاء شديد وتعالٍ وقسوة لم أجد لها مبررا حتى الآن. ومع ذلك، فقد أنجزت عددا من الموضوعات نُشر منها موضوع أو اثنان، وكان الحوار الأول الذى قدَمت به نفسى إلى مدير المكتب آنذاك كنت أجريته مع المرحوم الدكتور فؤاد زكريا أكبر العقول الفلسفية فى مصر والعالم العربى.

ــ 3 ــ
كان لهذا الحوار قصة غاية فى الإثارة سجلتها فى مناسبةٍ سابقة، لكن بعد ممانعات وتقييدات وصعوبات جمة استطعت أن أحدد مع المرحوم فؤاد زكريا موعدا فى بيته بمدينة نصر، وأجرى معه حوارا نُشر على صفحة كاملة بالجريدة.. وبعد فترة وجيزة من نشر الحوار رحل عنا فؤاد زكريا، وفجأة أصبح الحوار المنشور معه على صفحة كاملة حديث المثقفين جميعا ليس فى مصر فقط بل فى جميع أنحاء العالم العربى، وبات كبار الكتاب ينقلون عنه ويستشهدون بمقاطع منه فى مصر والكويت والمغرب وغيرها (رغم أن واحدا منهم لم يكلف نفسه عناء الإشارة إلى اسم من أجرى الحوار؛ باستثناء كاتب واحد فقط هو من تفضل وأشار إلى اسمى مسبوقا بكلمة الزميل) المهم تصورت أن نجاح الحوار الساحق والنقل عنه والإشادة به سيكون شهادة الاستحقاق لإكمال الطريق بثقةٍ وهدوء، وناوشتنى الأحلام والآمال وارتفع سقف الطموحات إلى البعيد!
كانت مكافأة الحوار المدوية هى استبعادى تماما من التعاون مع مكتب الجريدة فى القاهرة؛ لأن مديره العام ارتأى آنذاك أننى غير جدير بالعمل الصحفي؛ لأن الحوار تناقلته ونشرته جهات وصحف أخرى (وكأنها جريمة يتوجب على تحمُل وزرها!)، ومنها جريدة أسبوعية ثقافية فى القاهرة، فاعتبر مدير المكتب أن نشر الحوار وعليه اسمى نقلا عن «الجريدة» جريمة تستوجب عقابى، وعدم التعاون معى مرة أخرى!

ــ 4 ــ
لماذا أتذكر هذه الحكاية الآن؟ وقد ظُلمت مرارا وأُوذيت كثيرا أو كما نقول فى مصريتنا الدارجة المتأملة «ياما دقِت على الراس طبول»؟!!
ربما لأنها المرة الوحيدة التى شعرت فيها باليأس المطبق يحاصرنى من كل جانب، فشل ذريع مع سبق الإصرار والترصد! صرتُ بلا عمل ولا مصدر دخل، وكنت أبا مسئولا عن طفلة فى الثالثة من عمرها، وطفل حديث الولادة.. ولم أعرف ماذا أفعل، وقد فقدت المصدر الأساسى لدخلى، والذى كنت أعتمد عليه كليا، وأراهن على استمراره حال إثبات كفاءتى وجدارتي! كانت المرة الوحيدة التى ذقت فيها طعم دموعى مالحا، وكان لاذعا ممضا وثقيلا.
كنت أرى أننى أستحق أن أكون مراسلا ثقافيا لهذا الجريدة، ومحررا بها، وأن أحظى بهذه الفرصة «عدلا» واستحقاقا، وليس منا ولا صدقة ولا تفضلا! لم يكن لزاما على أن أكون من صحبة رئيس القسم المتعالى أو مريديه أو منافقيه أو من المقربين من مدير المكتب أو على صلةٍ بأحد المتنفذين فى المقر الرئيسى للجريدة فى أوروبا حتى أنال الحظوة وتتاح لى المساحات والمكافآت! أنا أحب ما أعمل، وأظن أننى أجيده، وأجتهد طول الوقت فى تطويره وتجويده، لكن هذا وحده لا يكفى!

ــ 5 ــ
لم يسمعنى أحد، ولم يكترث لدفاعى أحد، وشمت بى وقتها البعض ممن كان يدعى زمالتى وصداقتى فى المكتب، ولم يبدِ المسئول عن هذه المأساة حينها أدنى رحمة أو شفقة أو مراجعة لما فعل معتقدا صوابه بل استحقاقه، دون أن يجفل له جفن.
بكيتُ بمرارة. وأقسمت بينى وبين نفسى بأن يوما قادما ــ لو عشتُ ــ سأتجاوز هذه المحنة وسأصير أفضل، وسأُدعى للكتابة فى هذه الصحيفة، أو غيرها، وقد تكون أهم وأكبر وأكثر انتشارا ومقروئية منها، باسمى وتعبى وجهدى وحده ولا شىء آخر، وحينها سأعتبر هذا ردِى على الأذى الذى عانيتُه دون ذنب أو جريرة سوى أننى كنتُ «محررا يجتهد فى أن يكون متقنا لعمله لا أكثر»..
الآن.. أقول الحمد لله على ما قسم لنا فى كل حال.. وهو خير حالٍ، وأكرمه وأعزه، بفضل الله.
والحمد لله أولا وأخيرا.. وفى كل وقتٍ وحين.