فى مرحلة هى الأحرج فى تاريخ العواصم العربية منذ بدء حركات التحرر خمسينيات القرن الماضى تعى الرياض أن المطلوب منها يفوق بمراحل مجرد التماسك أمام الرياح المعاكسة.. دورها القيادى بجانب القاهرة حليفتها التقليدية يتطلب الأخذ بزمام الأمور وإعادة توجيه دفة المنطقة للعبور بأقل خسائر ممكنة وسط أمواج الإرهاب الداعشى والتقسيم الطائفى والتوحش الإيرانى والفتور الأمريكى.
من قبل وفاة الملك عبدالله بحوالى شهرين تقريبا وحينما كانت إرهاصات مرض الموت واضحة ظللت أتابع كل ما ينشر من تحليلات سياسية عربية أو غربية تتكهن بشأن ترتيبات البيت السعودى فى مرحلة ما بعد الوفاة.. أغلبها تقريبا كان يضخم من شأن نزاع (مفترض) حول منصب الرجل الثالث، ويتخرص بانقسامات هائلة داخل العائلة المالكة ستمهد لمزيد من التشرذم والضعف.
تم كل شىء بسلاسة منقطعة النظير.. الطابع (الكلاسيكى) للحكم فى الرياض جعلها أكثر استقرارا مما يبدو للمتابعين.. ومنصب ولى ولى العهد الذى كان إجراء استثناءيا فى تاريخ المملكة صار بقرار الملك سلمان الأخير وفى هذا التوقيت الحرج آلية مؤسسية آمنة وصارمة تقضى على محاولات خارجية حثيثة تروم بدءب إلهاء المملكة السعودية بشأن داخلى.
أغلب الظن أن رجال الرياض الثلاثة سيعتمدون سياسة أكثر صرامة فيما يتعلق بالشأن الداخلى، أكثر استيعابا فيما يتعلق بالشأن الخليجى أكثر حذرا فيما يتعلق بالمستنقع السورى ــ العراقى، أكثر حسما فيما يتعلق بالتدهور اليمنى أكثر فتورا فيما يتعلق بالشأن الأمريكى.
صعب جدا أن تتورط الرياض بحرب مباشرة داخل العمق اليمنى ومستحيل فى الوقت نفسه أن تترك الأمور تسير وفق الترتيب الإيرانى الحوثى، ستعمل الرياض بالهدوء اللازم والسرعة المطلوبة على فرض طوق من العزلة حول التجمعات الحوثية بصنعاء لتقطع جذورها فى باقى الجسد اليمنى.. لكنها قطعا ستواجه أياما صعبة مع تنظيم القاعدة هنالك.. فقط لو تلاقت المصلحة المشتركة بالخلاص من خطر الحوثيين أولا سيكف كل من الطرفين ــ الرياض / القاعدة ــ يده عن الآخر مرغما ويؤجل مواجهة ثنائية محتومة لموعد آخر.