إن الحدث المأساوى فى خان يونس، الذى قُتل فيه ضابط وستة جنود من وحدة الهندسة الحربية، يُعد إخفاقًا خطِرًا يصل إلى أعلى مستويات القيادة فى إسرائيل، من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مرورًا بوزير الدفاع يسرائيل كاتس، وصولًا إلى رئيس الأركان اللواء إيال زامير ونائبه العميد تامير يدعى وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال يانيف عاشور، وغيرهم من كبار الجنرالات.
مقطع الفيديو الذى يوثّق الهجوم مروع، ويظهر فيه «المقاتل» وهو يتسلق ناقلة الجند المدرعة من طراز «بوما»، التابعة للجيش الإسرائيلى، وهى مركبة كان من المفترض إخراجها من الخدمة قبل عقود، ويلقى عبوة ناسفة داخلها عبر البرج.
لقد فشل قادة الجيش الإسرائيلى فشلًا ذريعًا فى بناء قوة جزء من القوات البرية، والسماح بإدخال معدات قديمة إلى ساحة المعركة، من دون أنظمة مراقبة وحماية حديثة، وهو ما يكشف إهمالًا طويل الأمد فى تجهيز الوحدات التى تقف اليوم على الخطوط الأمامية للقتال.
نعم، صحيح أن ما حدث فى خان يونس كان خطأ تكتيكيًا، إذ لم تُفعَّل القوة العسكرية بشكل صحيح. لكن المزيج ما بين الفشل فى الإعداد والتجهيز، وسوء إدارة العمليات الميدانية، والانهاك الكبير الذى يعيشه الجنود فى غزة فى حرب لا تنتهى - أمور كلها تجعل هذا الحدث مأساةً يجب أن تزلزل الرأى العام الإسرائيلى.
قد ننتشى بـ«الانتصار على إيران»، لكننا فى ورطة حقيقية فى غزة. نحن نشهد فشلًا عسكريًا وسياسيًا مستمرًا. مساء الخميس الماضى، من المتوقع أن يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتماعًا أمنيًا لمناقشة الوضع فى غزة.
بعد 629 يومًا من القتال، حان الوقت للاعتراف بأن الجيش الإسرائيلى يواجه صعوبات كبيرة، بل صعوبات خطِرة. يعمل الجيش بقوة فى غزة، وقد نفّذ كل ما فى وسعه - احتل جباليا عدة مرات، دمّر بيت حانون، احتل رفح أكثر من مرة، ودمّر معظم مبانيها وأحيائها. وفى خان يونس، يشن عمليات متكررة فى محاولة للقضاء على الكتائب المحلية.
حاليًا، يقاتل الجيش بأربع فرق تضم معظم الألوية النظامية. الفرقتان 143 و162 تقاتلان باستمرار فى غزة منذ السابع من أكتوبر. يخوض جنود «غفعاتى»، واللواء 401، واللواء المتعدد الأبعاد، ووحدات عديدة أُخرى، قتالًا متواصلًا منذ ما يقارب العامين فى غزة.
يدركون فى الجيش الإسرائيلى أن الإنهاك الذى يواجهه الجنود مروّع. هذا الإنهاك يؤدى إلى نتائج سلبية: من حوادث ميدانية، إلى تباطؤ فى الأداء، إلى انخفاض فى الحيوية القتالية، وإرهاق ذهنى وجسدى، وضعف فى التخصص العسكرى. إلى جانب الإنهاك البشرى، هناك تآكل فى الأسلحة، وفى الدبابات وناقلات الجند والطائرات.
إن مشكلة الجيش الإسرائيلى الكبرى هى أن القيادة السياسية لا تعرف إلى أين تريد الذهاب فى غزة. فعملية «عربات جدعون» لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف التى وضعها المستويان السياسى والعسكرى. الجيش الإسرائيلى مُرهق بعد ما يقارب العامين من القتال على سبع جبهات. جنود الاحتياط وعائلاتهم على حافة الانهيار، الجنود النظاميون لا يتذكرون الطريق إلى بيوتهم، ضباط يفكرون فى الاستقالة، ويبحثون عن وظائف فى الخارج.
لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس منفصلان عن الواقع. يتجاهلان الوضع، وينشغلان الآن بحملة انتخابية بعضلات منفوخة. يجب أن نقول بوضوح: إنهما لا يتصرفان بمسئولية وطنية. لا يريان حال الجيش، ولا حجم الإنهاك، ولا عدم وجود هدف من استمرار الحرب.
فى أواخر التسعينيات، فى ذروة فقاعة «الهايتك»، عندما كان كل الإسرائيليين يرغبون فى السفر إلى الخارج والتسوق من السوق الحرة فى مطار بن جوريون، اخترعت شركة «إلعال» رحلة جوية سمتها «رحلة إلى اللا مكان». أمّا اليوم، فلدينا «حرب إلى اللامكان». نرسل الجنود إلى الأماكن نفسها للقتال، المرة تلو الأُخرى، فقط للحفاظ على استقرار الائتلاف، ومن أجل إرضاء سموتريتش وبن غفير، اللذين يعارضان دفع أى ثمن من أجل الإفراج عن الرهائن. بل نرى بن جفير يتباهى بأنه أفشلَ صفقات تبادُل الأسرى.
الآن، على رئيس الأركان، الجنرال إيال زامير، أن يعرض هذا المساء صورة الوضع، حرب لا هدف لها، ويجب أن يعرض حال الجيش، وتبعات الاستمرار فى الغرق فى المستنقع الغزاوى، والتكاليف المحتملة التى قد ندفعها، لا قدّر الله.
قد يكون «الانتصار على إيران» مثيرًا للبهجة، لكنه لا يعكس الواقع المرير الذى نعيشه.
آفى أشكينازى
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية