لماذا الصناعة الدفاعية فى أمريكا معزولة لهذا الحد عن اقتصادها؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا الصناعة الدفاعية فى أمريكا معزولة لهذا الحد عن اقتصادها؟

نشر فى : الخميس 29 أغسطس 2024 - 6:50 م | آخر تحديث : الخميس 29 أغسطس 2024 - 6:50 م

 فى أبريل 2022، أعربت نائبة وزير الدفاع، كاثلين هيكس، عن قلقها إزاء «التراجع الكبير» فى المنافسة داخل الصناعة الدفاعية فى الولايات المتحدة، كما وجدت دراسة أجرتها وزارة الدفاع فى فبراير 2022 انكماش عدد المقاولين الرئيسيين فى مجال الدفاع من 51 إلى أقل من عشرة! علاوة على ذلك، أصبحت العديد من قطاعات سوق الدفاع خاضعة لسيطرة شركات ذات طابع احتكارى أو شبه احتكارى. وفى حين أن نائبة وزير الدفاع تعمل فى إدارة بايدن الديمقراطية، إلا أن مخاوفها غير حزبية، فقد صرح أيضا الرئيس السابق، دونالد ترامب، فى عام 2019 بأن شركات الدفاع الأمريكية «اندمجت جميعها، لذا فمن الصعب التفاوض.. إنها بالفعل غير تنافسية».

الإفراط فى دمج الصناعات الدفاعية وعدم كفاية المنافسة يشكلان تحديين حقيقيين لوزارة الدفاع، لكن هناك مشكلة أخرى يتم تجاهلها ولا يتم دراستها بشكل كافٍ وهى عزل القاعدة الصناعية الدفاعية عن الاقتصاد التجارى الأوسع للولايات المتحدة. لماذا مشكلة؟ لأن هذا الانعزال يحد من الاستثمار الرأسمالى فى التكنولوجيا المرتبطة بالدفاع، كما يحد من قدرة وزارة الدفاع على الوصول إلى التكنولوجيا التجارية الناشئة، وأخيرا يترك لشركات الدفاع التقليدية نفوذا هائلا فى مواجهة عملائها الحكوميين.

•  •  •

لا داعى للقول أن الولايات المتحدة فى عصر جديد من المنافسة الجيوسياسية والتكنولوجية. ومع ذلك، فإن قاعدتها الصناعية الدفاعية مختلفة تمامًا عن تلك التى ساعدت فى الفوز بالحرب الباردة، عندما كانت الشركات التجارية رائدة فى كل من الأسواق الدفاعية وغير الدفاعية على حد سواء. لكن أدت التخفيضات الكبرى فى ميزانيات الدفاع بعد نهاية الحرب الباردة إلى قيام الشركات الأمريكية التى كانت علامات تجارية بارزة فى كل من الأسواق التجارية والدفاعية ببيع أقسام الدفاع الخاصة بها، بينما قامت الشركات التى اختارت البقاء فى قطاع الدفاع بتوحيد برامجها وعملياتها.

على سبيل المثال، كانت شركة فورد موتورFord Motor  Company العملاقة لصناعة السيارات تمتلك شركة تابعة، وهى شركة فورد إيروسبيس Ford Aerospace، التى كانت تصنع الصواريخ والأقمار الصناعية. باعت فورد شركتها التابعة فى عام 1990 وخرجت من سوق الدفاع. ثم اشترت شركة لورال كوربوريشن Loral Corporation، وهى شركة طيران ودفاع، أعمال فورد الدفاعية، والتى باعت بدورها عملياتها الدفاعية لاحقا لشركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin فى عام 1996.

عمليات الدمج والبيع هذه تمت بدعم صريح من قادة الأمن القومى الأمريكى، ومع تفكك الاتحاد السوفييتى، شعر قادة وزارة الدفاع بالقلق من أن ميزانيات الدفاع المتراجعة لن تكون قادرة على دعم اتساع وتعميق الصناعة الدفاعية التى كانت قد توسعت بالفعل خلال ثمانينيات القرن العشرين.

ومع ذلك، عمليات الدمج والبيع استمرت حتى بعد عودة نمو الإنفاق الدفاعى. ففى العقد الذى أعقب الهجمات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، زاد الإنفاق الدفاعى بنسبة 50%، وخلال هذه الفترة، استمرت الشركات التجارية الرائدة فى التخلص من فروعها الدفاعية. مثلا، شركة كوداكKodak ، اسم الشركة المشهورة طوال القرن العشرين بأفلامها وكاميراتها، قامت ببناء المعدات البصرية عالية الأداء التى تشكل جوهر أقمار التجسس الأمريكية، ثم باعت أعمالها فى مجال الأمن القومى فى عام 2004 لشركة آى. تى. تىITT، التى قامت بدورها بفصل أعمالها الدفاعية ككيان مستقل فى عام 2011.

•  •  •

الشركات المتخصصة فى الدفاع قد لا تعرف الكثير عن القطاعات التجارية، ولكنها تعرف الكثير عن فن البيع للحكومة. وفى الحقيقة، الخبرة اللازمة للمشاركة فى التعاقدات الحكومية معقدة ومكلفة للغاية فى التطوير والصيانة، وتتجنبها العديد من الشركات التجارية تماما. إذ يعد الالتزام الحكومى الأمريكى فى التعاقدات هو خندق واسع وعميق وملىء بأسماك القرش يتنافس خلفه المتخصصون فى الدفاع ضد بعضهم البعض (غالبا ما يشير الخبراء الماليون إلى «الخندق» باعتباره ديناميكية تعمل على ردع الوافدين الجدد إلى سوق معينة). إذن، ديناميكية «الخندق» تفسر سبب هيمنة الشركات المتخصصة على سوق الدفاع، حتى فى القطاعات التى يشترى فيها العملاء السلع والخدمات، مثل خدمات التنظيف ولوازم المكاتب.

ومع ذلك، بعض الموردين الرئيسيين لوزارة الدفاع الأمريكية يشاركون فى الطيران التجارى كمجال قريب من الدفاع. تعد بوينج Boeing ، وتيكسترونTextron ، و«جى دى GD التى تمتلك شركة تصنيع الطائرات النفاثة التجارية جلفستريم»، من اللاعبين الرئيسيين فى كل من الطيران الدفاعى والتجارى. إن التعاون الفنى بين الطيران التجارى والعسكرى مفهوم، لكن الحاجة إلى إدارة العلاقات المعقدة مع الهيئات الحكومية الأمريكية تؤثر أيضا على العديد من شركات الطيران التجارى لخدمة الأسواق الحكومية.

باختصار، تم ردع العديد من الشركات التجارية عن خدمة وزارة الدفاع الأمريكية بسبب عبء التزام الحكومة فى التعاقد، بل تم ردعها أيضا بسبب المكاسب المالية المحدودة، فعلى الرغم من أن عقود الدفاع قد تكون ضخمة من حيث القيمة الدولارية والإيرادات المرتبطة بها، إلا أنها تنطوى عادةً على هوامش ربح أقل بكثير من العديد من المجالات الأخرى. مثلا، فى عام 2023، حققت شركة لوكهيد مارتن، التى تعتمد أعمالها بشكل كبير على الحكومة الأمريكية، هوامش تشغيلية بلغت حوالى 10.9 فى المائة. على النقيض من ذلك، حققت شركة آبل المصنعة لهواتف آيفون فى عام 2023 هوامش ربح تجاوزت 44 فى المائة. وتعتبر القيود المفروضة على ربحية المقاولين الدفاعيين منطقية، بالنظر إلى أن الحكومة تتحمل معظم مخاطر الاستثمار فى تكنولوجيا الدفاع.

•  •  •

بطبيعة الحال، مع توجه وزارة الدفاع الأمريكية نحو القدرات فى مجالات مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعىذ، فإنها تحاول جذب مزيج من الشركات الناشئة والشركات التجارية الراسخة. وفى السنوات الأخيرة، أطلقت وزارة الدفاع مجموعة من المبادرات لإغراء الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا التجارية لدخول سوق الأمن القومى. وهناك أدلة على أن هذه التحركات بدأت تجتذب مجموعة أوسع من الموردين، وتمثلت هذه التحركات فى آليات تعاقد جديدة تنطوى على عقبات بيروقراطية أقل، وممارسات استحواذ تؤكد على السرعة على حساب إتمام العملية.

نفهم من ذلك أن قادة وزارة الدفاع يدركون أن التكنولوجيات التى قد تقرر الحروب المستقبلية -الذكاء الاصطناعى، التعلم الآلى، وشبكات الجيل الخامس - يجرى تطويرها بشكل أساسى بين الشركات التجارية. لكن الابتكار الذى يحاول البنتاجون الآن تعزيزه يتعارض مع أولوية مضادة لسياسة وزارة الدفاع وهى حماية أموال دافعى الضرائب. فإغراء الشركات التجارية لخوض غمار سوق الدفاع قد يعنى تخفيف بعض الممارسات المقصود منها حماية الحكومة الأمريكية، مثل التنازل عن السيطرة على الملكية الفكرية والسماح بهامش ربح أعلى. والسؤال الآن هو ما إذا كان الشعور بالإلحاح من جانب وزارة الدفاع والكونجرس كافيا للتفكير فى تغييرات وتنازلات مثل هذه.

 Center for Strategic & International Studies

ترجمة وتلخيص: ياسمين عبداللطيف

النص الأصلى

التعليقات