مر الثامن والعشرون من يناير كما مر من قبله الخامس والعشرون.. المحصلة النهائية تشير إلى عشرين قتيلا على أقل تقدير، عشرات المصابين واحتراق عدد لا بأس به من المرافق العامة.. وأيقونة جديدة اسمها (شيماء الصباغ) لم يتحدد بعد بشكل قاطع من سيستخدمها وضد من.. فيما عدا ذلك لا شىء يستحق الذكر، السيسى) فى جولة خارجية.. حركة المحافظين تنتظره.. قمة الزمالك والأهلى فى موعدها.. لجنة شئون الأحزاب تعلن موعد فتح باب الترشيح.. جمال وعلاء مبارك خارج السجن... إلخ إلخ.
فى جولة على كورنيش المدينة الساحرة سألنى أحدهم: يا أستاذ من سيدفع ثمن احتراق (الترام) فى الإسكندرية؟ أكيد حضرتك عارف إن اللى بيركبها بيدفع ربع جنيه.. شوف حضرتك بقى مين اللى ميقدرش يدفع غيرهم فى مواصلات لغاية النهارده.. تأملت مليا هيئته البسيطة وكلامه الأبسط.. هؤلاء من يدفعون الثمن فى كل مرة!
كم من هؤلاء ينبغى أن يسقط مضرجا فى دمه حتى يفهم شباب الإخوان والاشتراكيون الثوريون وسائر من لفّ لّفهم ؟ كم مكتب بريد وكم أتوبيس وكم تاكسى لأجير يعمل عليه ينبغى أن يحترق ليكف هؤلاء عن العبث؟ كم ألف مستقبل سيضيع؟.. وكم ألف أم سيحترق قلبها؟.. وكم ألف سجين سيخرج معبأ بالحقد على وطنه ومجتمعه؟
لست ألومكم وحدكم بل ألوم أيضا من استهتر بالدم الحرام، وصار الضغط عنده على زناد البنادق حية الذخيرة أسهل من توجيه النداء بمكبر الصوت.. ومن إزهاق الأرواح عنده أسهل من ترويضها.
ولست ألومهم وحدهم أيضا.. فمعهم إعلامى وصحفى ورجل إعلام ومحلل وخبير استراتيجى... إلخ يبرر بغير بينة ويؤيد بغير ضمير ويهاجم من يخالفه بغير تحفظ.. يقودون الجميع إلى هاوية ما لها من قرار.
عربة الوطن على رأس منحدر شديد الخطورة.. وباستماتة غير مسبوقة يدفعها لاقتحامه والانحدار معه معسكران يبدوان فى الظاهر متنافرين أشد ما يكون التنافر؛ لكنهما فى الحقيقة يدفعان العربة معا بنفس القوة والحماسة حتى لتكاد كل الكوابح (الفرامل) الوطنية أن تخور قواها وتُسلم العربة لقدرها المحتوم.