نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، تناول فيه أحوال الصحة النفسية لشعوب القارة الأوروبية، وما هى أسباب اكتئابهم... نعرض من المقال ما يلى:
فى العنوان أعلاه بعض التعسف أو كثيره. لا يصحّ أن توصف شعوب قارة بكاملها مثل أوروبا بأنها كئيبة، خاصة أننا نعلم أن دولاً أوروبية تتصدر فى كل سنة قائمة البلدان الأكثر سعادة فى العالم، وبينها الدولة الصغيرة المساحة فنلندا. ومنذ فترة قريبة كتبنا عن الاستثناء الإسكندنافى، مشيرين إلى حجم الخدمات الاجتماعية، فى مجالات الصحة والتعليم والترفيه وسواها، التى تجعل شعوب هذه البلدان، ومن يشابهها فى ظروف المعيشة، شعوبا سعيدة.
هذا استدراك لا بد من قوله بداية، ونحن نقرأ ما يقوله الأوروبيون أنفسهم عن شعورهم بالكآبة، فحسب موقع «يورونيوز»، فإن استهلاك مضادات الاكتئاب ازداد بأكثر من الضعف فى السنوات العشرين الماضية، وكان الأوروبيون أكبر المستهلكين، وينقل التقرير بيانات لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، تفيد بأن استخدام مضادات الاكتئاب زاد بنحو مرتين ونصف المرة من عام 2000 إلى 2020 فى 18 دولة أوروبية، ورغم أن التقرير عزا الأمر، فى جانب منه، إلى الظروف التى شاعت فترة انتشار وباء «كورونا»، لكنه لم يفد بأن الحال قد تحسنت بعد انحسار الجائحة.
الموقع المذكور أشار إلى أن العالم كله يواجه أزمة صحية نفسية، وأن معدلات الاكتئاب لدى الشعوب الأوروبية، على عهدتهم هم أنفسهم، تختلف بين الشباب وكبار السن، وأكثر ضحايا هذا الاكتئاب هم الواقعون فى الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاما، وكبار السن فوق 70 عاما. واستنادا إلى بيانات من مسح صحى أوروبى يُجرى كل ست سنوات، شمل نحو 300 ألف شخص من الاتحاد الأوروبى والنرويج وآيسلندا وصربيا، فإن الوضع فى فرنسا هو الأسوأ، حيث يعانى ما نسبته 11% من السكان من الاكتئاب، وتلى السويد فرنسا، حيث تبلغ النسبة 10%. أما فى جنوب وشرق أوروبا، فالمعدلات أقل، خاصة فى صفوف الشباب.
فيما يتصل بكبار السن، أشار التقرير إلى أن أحد أسباب الاكتئاب لديهم فقدان شركائهم فى الحياة بسبب تقدّم العمر، فيجد من أصبح أرمل، رجلاً كان أو امرأة، نفسه وحيدا، وقد يؤويه ملجأ للعجزة لا يعوض دفء الحياة مع الشريك، وخصّ التقرير دول أوروبا الشرقية بهذا العامل، دون أن ينفى أنه موجود فى البلدان الأخرى أيضا، فثمة اختلافات بين بلد وآخر، ومنطقة وأخرى، ومنها مستوى الرعاية الاجتماعية.
هذه المعلومات تعيدنا إلى الشكوى التى نسمعها من الكثير من أصدقائنا العرب المقيمين فى أوروبا من الجو البارد والعتمة التى تطول كثيرا، وندرة ظهور الشمس فى معظم فصول السنة، ما يشعرهم بشىء من الكآبة، وعلى صلة بهذا يقال إن شعوب بلدان البحر الأبيض المتوسط هى الأكثر شعورا بالبهجة، لأسباب مختلفة، يأتى إشراق الشمس الحنون شبه الدائم فى مقدمتها.