داعش.. النسخة اليهودية - يحيى عبد الله - بوابة الشروق
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 11:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

داعش.. النسخة اليهودية

نشر فى : الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:40 م

 ظهرت، عقب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003م، ميليشيات مسلحة، فى العراق، أولًا، ثم فى الشام، ثانيا، بعد الثورة السورية عام 2011م، عُرفت باسم تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ثم لاحقًا، الدولة الإسلامية فى العراق).

حُسبت هذه الميليشيات، زورًا، على الإسلام، وهو منها براء. ميليشيات صُنعت على أعين أجهزة استخباراتية. ميليشيات منحرفة، فكريًا، شديدة التطرف، لا تتورع عن ارتكاب أفعال مجافية للدين، والأخلاق، والإنسانية. وبسبب وحشية ما اقترفته من أفعال، تشكل، على الفور،  تحالف دولى، بقيادة أمريكا، فى عام 2014م، ضم 84 دولة، لمحاربتها. لكن، هذا التحالف، نفسه، وقف يتفرج على ما تفعله ميليشيات إرهابية، دموية، يهودية، أشد عنفًا من «داعش»، ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، واكتفت بعض دوله بفرض بعض العقوبات، ضد بعض أفرادها.

يطلق على أفراد هذه الميليشيات الإرهابية، اليهودية، فى إسرائيل («فتية التلال»)، أو («شبيبة التلال»)، مع ما فى التسمية من معان تدعو للتقدير والتبجيل، مع أنها تستحق أن تُسمَّى «فتية الأهوال»، طبقًا لـ إيهود أولمرت؛ وهى تتألف من مستوطنين متدينين من الشباب، الذين يستحوذون، تدريجيًا، على الضفة الغربية، ويقيمون فى بؤر استيطانية، أو فى مبانٍ منعزلة مرتجلة على تلال مختلفة فى أنحائها، بشكل غير قانونى، انطلاقًا من أيديولوجية يمينية متطرفة.

ينتمى جزء من المنتسبين لهذه الميليشيات الإرهابية، اليهودية، إلى أبناء الجيل الثانى من المستوطنين بالضفة الغربية، وهم يقتفون أثر آبائهم فى التمدد والتوسع بالضفة الغربية، لكن، بعضهم متدينون نزحوا من المدن الإسرائيلية الكبرى. تتكون هذه الميليشيات، من بضعة تيارات فرعية، التف معظم أعضائها، بعد الانسحاب الإسرائيلى من غزة عام 2005م، حول حركة استيطانية تُسمَّى، «فتية من أجل أرض إسرائيل»، لكنها انقسمت، لاحقًا، إلى تيارين هما: حركة «نحلا» ــ إرث ــ برئاسة، دانيئيلا فايس ــ التى تتزعم الآن حركة لإعادة الاستيطان فى قطاع غزة ــ والحاخام المتطرف، الراحل، موشيه ليفنجر ــ أحد مهندسى الاستيطان فى مدينة الخليل ــ وحركة نَوَيَات المدن العبرية، برئاسة ميئير برطلر، الناشط فى مجال إقامة البؤر الاستيطانية، ثم انخرط أعضاء الميليشيات الإرهابية، اليهودية، لاحقًا، فى حركتين أخريين هما: حركة «أسد يزأر»، برئاسة الحاخام، أفراهام سجرون، وحركة «أسلوب حياة»، برئاسة الحاخام يتسحاق جينزبورج، الأب الروحى لهذه الميليشيات.

• • •

يتسم المظهر الخارجى لأفراد هذه الميليشيات، فى الأغلب الأعم، بمظهر دينى، من حيث إطلاق سوالف كثة ومتموجة للشعر، (تطبيقًا لفريضة دينية توراتية)، وباعتمار الطواقى القطنية المشغولة الكبيرة، وبارتداء ثوب مفتوح به أربعة أهداب فى زواياه الأربع (تطبيقًا لفريضة دينية توراتية)، ويمتهنون مهنة الرعى، أو فلاحة الأرض، ويمتشقون، طوال الوقت، أسلحة، أمدهم بها رُعاتهم السياسيون.

يرى كثير من أفراد هذه الميليشيات أنهم امتدادٌ لأوائل المستعمرين الصهاينة، الذين تسللوا إلى فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، مع بداية ظهور الصهيونية السياسية على مسرح الأحداث، واستيلاء أفرادها على كثير من الأراضى الفلسطينية.

تستهجن الصحفية، اليمينية، نافيه درومى، وصف بعض الدوائر الأمنية وقطاعات من الجمهور الإسرائيلى لهم بأنهم إرهابيون، عاقدة مقارنة بين نشاطهم الإرهابى فى الوقت الحالى ونشاط طلائع المستعمرين الصهاينة فى الماضى: «فى الوقت الذى نقدر فيه كلنا اليوم ما فعله معمرو الصحراء فى طبرية والنقب (من طلائع المستعمرين الصهاينة)، فإننا نفتقد الرؤية التاريخية والأمنية لأهمية («فتية التلال»)، وثمة من لديهم خواءٌ معرفى تاريخى، لدرجة أنهم يسمون ما يقوم به هؤلاء («الفتية») من أفعال إرهابًا يهوديًا». ورغم أن المقارنة تأتى فى سياق مدح ما تقوم به هذه الميليشيات الإرهابية، فإنها تثبت، من حيث لا تدرى، أن ما قام به طلائع المستوطنين كان فعلًا إرهابيًا بامتياز. هم يرون، أيضًا، أنهم امتدادٌ لقدامى اليهود ممن أقاموا فى (مملكة إسرائيل)، المزعومة، التى لا نعرف لها وجودًا سوى فى المصادر الدينية والتاريخية اليهودية فقط.

• • •

تنتشر الميليشيات الإرهابية اليهودية، أو دواعش اليهود، إن جازت التسمية، طبقًا لبعض التقديرات، فى نحو 80 تلة ومزرعة فى أنحاء الضفة الغربية. ويُعد إعمار ما يُسمَّى («أرض إسرائيل») وهو فريضة دينية يهودية، عنصرًا مهمًا فى أيديولوجيتهم، إذ يرى كثيرٌ منهم أن إعمار الأرض وإقامة بؤر استيطانية جديدة بها ركنٌ ركينٌ من أركان تحقيق مشيئة الرب وتسريع ما يُسمَّى بالـ «خلاص» (الذى لا ندرى من الأحوج إليه، الفلسطينيون أم اليهود؟!).

الإعمار هنا بعيدٌ كل البعد عن المعنى المتعارف عليه فى المعاجم والقواميس، وإنما يعنى الاستيلاء على أرض يملكها فلسطينى، وطرده منها. يتبنى كثيرٌ منهم مواقف يمينية راديكالية ويتطلعون إلى إعادة إقامة ما يُسمَّى (مملكة إسرائيل)، طبقًا للتوراة. تُنسب تسميتهم بـ («فتية التلال»)، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى، الأسبق، أريئيل شارون، الذى دعا شباب المستوطنين، خلال خطاب ألقاه فى اجتماع اللجنة المركزية لحزب  الليكود، فى 10 نوفمبر 1998م، إلى احتلال كل ربوة، وتلة، ومرتفع، بالضفة الغربية، المحتلة، قائلًا لهم: «اركضوا واحتلوا التلال. استولوا على المزيد والمزيد من التلال. استولوا على رءوس التلال. يجب على كل من هو متواجد هناك أن يتحرك، أن يركض، يجب احتلال أكبر قدر ممكن من التلال، وتوسيع المنطقة. كل ما سيتم الاستيلاء عليه سيكون بحوزتنا. كل ما لم يُستولى عليه سيكون بحوزتهم» (الفلسطينيين). كان الهدف من الإعلان، بحسب كرنيه إلداد، هو إحباط محادثات السلام، وتخريب اتفاق «واى ريفر»، أو «واى بلانتيشن»، الذى وُقع فى ذلك الوقت (23 أكتوبر 1998م) بين بنيامين نتنياهو والسلطة الفلسطينية، لتنفيذ بنود اتفاق أوسلو.

وقد استجاب مستوطنون عديدون من الشباب لإعلان شارون وأقاموا بؤرًا استيطانية فوق قمم التلال وفرضوا أمرًا واقعًا على الأرض. يرتكب أفراد الميليشيات الإرهابية اليهودية («فتية التلال»)، عمليات إرهابية يومية، ممنهجة، ــ لا تقل بشاعة عما ترتكبه جماعة «داعش» ــ تحت سمع وبصر السلطات الإسرائيلية، وصمت كثير من الساسة والحاخامات ــ ضد السكان الفلسطينيين، تشمل الاعتداء عليهم، وإلحاق الأذى بهم، وقتلهم، حتى، وإضرام النار فى بيوتهم وحرق من فيها (إضرام النار فى منزل عائلة «دوابشة» بقرية «دوما» بمدينة نابلس، فى 31 يوليو 2015م، حيث قتل رب الأسرة وزوجه وطفلهما الرضيع حرقًا وهم نيام) بل وحرق قرى بأكملها (الاعتداء على قرية «حوارة»، التى هاجمها مئات المستوطنين فى فبراير 2023م، وقتلوا أحد سكانها، وأصابوا 100، وأحرقوا 35 منزلًا بشكل كامل، وأكثر من 40 بشكل جزئى، وأحرقوا 100 سيارة)، وإتلاف المزروعات فى الحقول، واقتلاع أشجار الزيتون الفلسطينية النادرة، رمز الوجود الفلسطينى الراسخ فى المكان.

تعبر ناشطة من نشطاء هذه الميليشيات الإرهابية اليهودية، تدير منتدى فى القناة السابعة، التابعة للمتدينين، تحت عنوان، «أرض الوطن»، عن أيديولوجية الاستئصال ومحو كل ما يدل على وجود فلسطينى فى المكان، قائلة: «حيثما توجد شجرة زيتون يوجد عربى. إذا كانت شجرة الزيتون مرتبطة بالعربى، فلا يجب أن تكون هنا شجرة زيتون. اقتلاع أشجار الزيتون يساعدنا فى الكفاح من أجل إقامة أرض إسرائيل»).

• • •

لا تتورع الميليشيات الإرهابية، اليهودية، عن إحراق المساجد (حرق مسجد فى بلدة «عقربا» بجنوب نابلس وكتابة شعارات عنصرية على جدرانه فى شهر أبريل 2018م، وحرق مسجد فى قرية معرجات فى بداية فبراير 2025م)، ولا تتورع عن حرق الكنائس أيضًا. هى لا تريد وجودًا غير الوجود اليهودى على هذه الأرض، إسلاميًا كان أم نصرانيًا (حرق كنيسة «الخبز والسمك» فى 18 يونيو 2015م فى شمال غرب مدينة طبرية) ولا تتورع عن اختطاف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم حرقا، وهم أحياء (اختطاف الفتى الفلسطينى، محمد أبو خضير من بلدة «شعفاط» بالقدس الشرقية فى 2 يوليو 2014م، وإشعال النار فيه، وهو على قيد الحياة بعد تقييده، حتى قضى حرقًا).

وطبقًا لتقديرات الجيش الإسرائيلى، فقد ارتكب أفراد هذه الميليشيات الإرهابية، اليهودية، 1045 عملية إرهابية ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية فى عام 2023م، و663 فى 2024م، ونحو 570 عملية إرهابية حتى أغسطس 2025م، طبقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وقتلوا ما لا يقل عن 140 فلسطينيًا فى الضفة الغربية منذ بداية 2025م، معظمهم من الأطفال، طبقًا لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، إيهود أولمرت.

• • •

يلقى أفراد الميليشيات الإرهابية اليهودية («فتية التلال») دعمًا من وزراء الائتلاف الحاكم، بمن فيهم وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، الذى أصدر أمرًا بإلغاء الاعتقال الإدارى ضدهم، رغم أنهم يهاجمون قوات الأمن الإسرائيلية، أيضا، ويشكلون خطرًا على إسرائيل، طبقًا لـ أولمرت، الذى يرى أنهم «عدو يهدد إسرائيل من الداخل، وأخطر من كل الأعداء الخارجيين الذين تحاربهم»؛ كما يلقون دعما من المرجعيات الدينية، اليهودية، الرسمية، فضلًا عن دعم حاخامات المستوطنين، ويوفر التيار العريض من المستوطنين فى الضفة الغربية المحتلة بيئة حاضنة لهم.

هم ليسوا، بالتأكيد، «نبتًا شيطانيًا» أو حفنة من المشاغبين، كما يحلو للبعض تسميتهم، وإنما هم طليعة قتالية، وميليشيات إرهابية مسلحة، تدعمها منظومات سياسية، ودينية، وثقافية، واجتماعية إسرائيلية، ومن ثم تحتاج إلى تدخل من الدول الكبرى لمحاربتها مثلما حاربت تنظيم «داعش».  

 

يحيى عبد الله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات