مسئولية نكبة غزة - سامح فوزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 11:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

مسئولية نكبة غزة

نشر فى : الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:35 م

 نحكم على السياسة لا بالنوايا، ولا بتصورات صُناع القرار، ولكن بالنتائج، والتى تمثل فى ذاتها تأسيسًا لوضع جديد، نُجبر على التعامل معه بكل تداعياته. أظن أن زمن تبرير الأخطاء السياسية بالإحالة إلى النوايا، أو المؤامرات الخارجية لم يعد مقبولًا أو فى أحسن الأحوال كافيًا. وبصرف النظر عن أى تبريرات أو تخيلات فإن القرار الإسرائيلى الأخير يعنى أن غزة صارت تحت الاحتلال العسكرى حتى لو كان ذلك تحت مسمى آخر، ويُتوقع أن تقضم إسرائيل جزءًا معتبرًا من أراضيها.

هنا ينبغى أن نتساءل: ما نتائج عملية «طوفان الأقصى» التى أطلقتها حركة حماس والفصائل الإسلامية فى 7 أكتوبر 2023؟ النتائج واضحة، فقد وصف صحفى الجارديان البريطانية الذى رافق طائرة عسكرية أردنية مؤخرًا لإنزال مساعدات غزة بأنها «حُطام حضارة قديمة، يُسلط عليها الضوء بعد عقود من الظلام»، أكثر من ستين ألف قتيل، عشرات الآلاف من الجرحى، ومحو الخريطة العمرانية للقطاع، وتدمير البنية الأساسية، والمستشفيات والمبانى، وتشريد نحو مليونى شخص، وتقطيع أوصال القطاع بحواجز عسكرية، ووجود مجاعة وأزمة إنسانية حادة وصفت بأنها الأسوأ على مستوى العالم، واستهداف الصحفيين، وتصفية أغلب القادة الميدانيين لحركة حماس، والفصائل الأخرى، والسعى الصريح لتهجير سكان القطاع، ودفعهم دفعًا إلى خارجه بعد أن صارت الأوضاع هناك غير قابلة للحياة. ليس هذا فحسب، بل تمتعت إسرائيل، التى اشتد عود التطرف اليمينى بها، بغطاء دولى استباحت فيه المنطقة برمتها، وتخطت خطوطًا حمراء بيسر وسهولة، حيث دمرت القدرات العسكرية السورية، واحتلت مزيدًا من الأراضى، وبسطت سيطرتها على مناطق جديدة، واستهدفت مؤسسات نظام الشرع فى قلب دمشق، رغم انصياعه لها، وقصفت إيران، وطالت قادتها العسكريين وعلماءها النوويين، وقلصت قدرات الميليشيات التابعة لها فى لبنان والعراق واليمن.

أظن، أن حماس وغيرها من الفصائل الإسلامية، عليها أن تعترف بأن ما قامت به أدى إلى نكبة جديدة حلت بالفلسطينيين، والمنطقة برمتها، وقدمت أفضل خدمة لإسرائيل للإجهاز على ما تبقى من القضية الفلسطينية. ولكن بعض قيادات حماس، مثل خليل الحية، بدلًا من أن يتحمل مسئولية الكارثة، يطلق تصريحات جوفاء من قبيل دعوة المصريين إلى الزحف إلى معبر رفح، تضاف إلى دعوات حشد قوافل الصمود، وإغلاق أبواب السفارات المصرية فى الخارج، بل قامت الحركة الإسلامية بتنظيم مظاهرة بإذن من إسرائيل بجوار العلم الإسرائيلى فى تل أبيب ضد مصر. مرة أخرى، أيا كانت النوايا، فإن هذه المظاهرة سعت إلى صرف الأنظار عن جرائم الاحتلال، وتحميل مصر المسئولية، لأهداف لا تخفى على أحد بالطبع، وهى توظيف الموقف الملتهب فى غزة من جانب الإخوان لكسب أرضية فى الشارع، وخدمة أطراف إقليمية تريد تهميش الدور المصرى لصالحها، واستنزاف مؤسسات الدولة، وبث الفرقة بينها وبين المواطنين. إذا كان غرض هذه التحركات، والمنصات الإعلامية التى تقوم على خدمتها هو غزة، فإن مصر لم تغلق معبر رفح من جانبها، ولكن إسرائيل هى التى دمرته وأغلقته من الجانب الفلسطينى، ولم تمنع مصر المساعدات الإنسانية عن أهل القطاع، بل تضغط من أجلهم، وقدمت، ولا تزال غالبيتها، وتواصل جهودها لوقف الحرب، رغم أن طرفى النزاع يريدان على ما يبدو استمرارها: حماس تخشى فقدان سيطرتها على غزة، وحكومة نتنياهو تخشى السقوط.

الموقف فى غزة يزداد تأزمًا، ولا مجال للمزايدات أو حتى الرهانات التى ثبت عدم جدواها، مثل تأثير الخلاف بين المكونين السياسى والعسكرى فى إسرائيل، والموقف الأخلاقى الحرج الذى تواجهه حكومة نتنياهو على المستوى الدولى، أو استعادة سردية المقاومة التى سوف توقع خسائر بالجيش الإسرائيلى تجبره على الفرار من غزة، أو خشية الحكومة الإسرائيلية على حياة الرهائن، إلى آخر هذه الرهانات التى ثبت على مدار شهور ضعف فاعليتها فى إيقاف الحرب. لا بديل الآن سوى حشد الجهود الدولية والإقليمية لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، وخروج حماس من المشهد السياسى، واستعادة السلطة الفلسطينية سيطرتها على الضفة والقطاع دون فصل بينهما، والدفع بفكرة إدارة مدنية محايدة للقطاع، وعدم إعطاء آلة الحرب الإسرائيلية المنفلتة، التى لا تتقيد بأى معايير دولية، أية مبررات لاستمرار الحرب.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات