مراحل العمر أطول وأكثر إثارة - جميل مطر - بوابة الشروق
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 11:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

مراحل العمر أطول وأكثر إثارة

نشر فى : الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:40 م

 

مارست السعادة فى كل مرحلة من مراحل عمرى، ولكنى مارستها مختلفة وأنا أكبر الجماعة سنًا، وبخاصة حين اجتمع السن بمكانة رأس العائلة. حدث هذا أول مرة قبل أعوام قليلة عندما رتبنا، أنا والعائلة، قضاء وقت نوعى فاخترنا بيتًا فى الجونة أجرناه لمدة أربعة أيام. هناك، وبصفتى صاحب الدعوة اخترت أن ألعب أدوار ولى الأمر والراعى والمراقب والمستمتع بالطقس الرائع فى آن واحدة.

هذه المرة قررت أن ألعب دور الرجل المسن، الوالد لثلاثة منهم والجد للباقين. لست راعيًا ولا ناصحًا ولا وليًا لأمر أحد ولا رقيبًا على أحد. اخترت أن أكون فقط من أنا، الرجل المسن فى جماعة اتفقت أن تجتمع فى شكل شجرة عائلة. غابت عن الشجرة شريكة ساهمت فى غرس بذرتها، غابت مخلفة لشريكها مهمة رعاية أغصان ثلاثة نبتت ونمت لكل غصن من أغصانها الثلاثة فروع يافعة.

بقيت ساكنًا كجذع شجرة عتيق حتى اجتمعت الأغصان بفروعها. لم أتحدث إلا قليلا. اخترت أن أنصت. لا أتنصت أو أبدو متصنتًا على ما يدور من أحاديث جانبية. أشارك أحيانًا بهز الرأس كما يفعل الجد حين يسعى ليكون حاضرًا. أشارك أيضًا بابتسامات محسوبة. إن تدخلت بتعليق فبصوت مسموع ونبرات هادئة. مداخلات كثيرة وقعت لم تصل إلى سمعى. فى مرة أو مرتين اعتذرت باحتمال أن يكون السمع عندى انحسر. صاحب اعتذارى نظرات خجولة ولكن متبوعة باعتراضات سريعة من جانب الحاضرين من غصون الشجرة وفروعها.

• • •

مارست خلال هذا الأسبوع عادة التأمل أكثر مما أفعل فى مناسبات اجتماعية عادية. التأمل متعة لا تعادلها متعة أخرى وبخاصة تلك التى أمارسها فى اجتماعات الغرباء، كانوا من الجيران أو ضيوف أولادى والأقرباء البعيدين. إن تسمع ما يدور حولك من أحاديث فى السياسة وبخاصة من أشخاص تثق فى أنهم على دراية ببعض حقائق الأمور أو من تعتقد أنهم من ناقلى آراء الغير لا أكثر. تعلمت وتعلمت، حتى صرت خبيرًا فى التمييز بين صاحب الرأى وناقله، وبين الحريص على أن يعرف رأى الآخرين فى الرأى الذى أدلى به منقولًا عن غيره لينقله حرفيًا كما سمعه أو مغلفًا برواية أو حدوتة مسلية. كثيرًا ما كشفت نقاشات الرأى السياسى عن طبائع وأخلاق لا تكشف عنها نقاشات فى الرأى الاقتصادى والرأى الرياضى والرأى فى أطباق طبخات مبتكرة أو معروفة.

التأمل ليس عدم اهتمام أو لا مبالاة. ممارسة التأمل خلال نقاش حام أو خطاب نارى طويل إنما هو حق مشروع وأصيل لتحصين العقل ضد التشويش أو إبعاده عن كل ما يمكن أن يؤثر على جهود إعداد مداخلة فى موضوع بعيد الصلة عما يدور فى لحظة بعينها. التأمل أستخدمه عادة لاستعادة نقاء الفكر أو حماية ما كنت قد جمعته وخزنته من خلاصات وإبداعات.

أما ممارسة عدم الاهتمام واللامبالاة فيكشفها اللجوء الكثير إلى الهاتف أو الالتصاق به أو الانشغال بالبحث عن قناة تلفزيونية مهتمة بإذاعة نشرات الأخبار، هى أيضا الممارسة التى تعلن بصمت نهاية اجتماع أو مداخلة تجاوزت الحد المناسب فى الوقت أو نقاش تدهور مهددًا سلام العلاقات بين الحاضرين والحاضرات.

• • •

أظن أننى لم ألجأ إلا للقليل جدًا من هذه الملاحظات خلال اجتماعات العائلة. تركت للجميع حرية الكلام والتصرف مقللا قدر الإمكان من التدخل. وبالفعل كانوا جميعًا أمثلة تحتذى فى الالتزام بآداب اللقاءات والاجتماعات، حتى الصغار لم يعل لهم صوت، باستثناء الأصغر بينهم التى لم تهدأ لحظة واحدة، الوحيدة التى فى واقع الحال لم تراعِ وجود رجل مسن هو أيضا الجد الأكبر لكل الصغار وكلهم احترموا القواعد غير المعلنة لهذا النوع من الاجتماعات.

• • •

الغريب فى الأمر وفى التجربة أن أحدًا لم يلقن الشباب والصغار تقاليد التعامل مع عضو مسن فى العائلة. أذكر أيامًا كان المسنون فى كل اجتماع عائلى يشكلون أغلبية بين الحاضرين أو نسبة كبيرة. رحت أفكر ومن حولى فى شجرة عائلتى من تقدموا فى السن ولكن حافظوا على صفة «الشباب الدائم».

لقد تدخل العلم وفنون الطب لإطالة أمد كل مرحلة من مراحل العمر، وازدادت حاجة كبار السن إلى وقت إضافى لاستكمال تحقيق أهداف استجدت استجابة لطموحات تتجدد.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي