فلسطين بعد العدوان - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 11:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسطين بعد العدوان

نشر فى : السبت 30 أغسطس 2014 - 7:40 ص | آخر تحديث : السبت 30 أغسطس 2014 - 10:03 ص

هذه لحظة اختبار وجود لصانع القرار فى فلسطين، هذه لحظة اختيارات بالغة الصعوبة والدقة داخليا وإقليميا لا تملك إزاءها حماس وبقية فصائل المقاومة ولا السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ترف التجاهل أو التحايل أو الانتظار.

واجه الشعب الفلسطينى فى غزة العدوان الإسرائيلى بمفرده، وبسلاح فصائل المقاومة، وفى ظل وضعية اللافاعلية الكاملة للسلطة الفلسطينية ممثلة فى إدارة الرئيس محمود عباس ومحدودية انخراط الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس فى مسارات التضامن مع غزة عبر انتفاضة سلمية ثالثة وفى المقاومة اللاعنفية لسلطة الاحتلال الإسرائيلية التى تقطع أوصال الضفة والقدس بالإجرام الاستيطانى وتقضى عملا على أمل الدولة المستقلة تماما كما تتورط فى حصار غزة وجرائم إبادة وإجراءات عقاب دورى ضد أهلها، وفى سياق وضعية هوان عربى غير مسبوق ومحدودية صادمة لتضامن الشارع العربى مع فلسطين.

وإذا كان صمود أهل غزة قد أجبر حكومة بنيامين نتنياهو على وقف العدوان بعد خمسين يوما من جرائم الإبادة وجرائم الحرب وقبل نتنياهو كما قبلت فصائل المقاومة العودة إلى شروط تهدئة 2012 فى صيغة «هدنة دائمة» تمت بوساطة مصرية، فإن تطوير الهدنة باتجاه إنهاء الحصار الظالم للقطاع وفتح معابره وإعادة التأسيس لمقومات الحياة المادية به وكذلك باتجاه حماية الشعب الفلسطينى من الاستيطان وجرائم إسرائيل المتكررة ومحاسبة المتورطين فيها وإنقاذ حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة من عبث أوسلو التفاوضى لن يتحقق إلا:

(1) بتجاوز الانقسام بين الضفة الغربية والقدس وبين غزة، و(2) بالتوافق الفلسطينى على إستراتيجية جديدة للعمل الوطنى ترفض بالقطع الانزلاق مجددا إلى جولات المفاوضات الوهمية كما أنها لا تعتمد فقط على إجراءات الدفاع المشروع عن النفس بتوظيف سلاح المقاومة حين تعود إسرائيل إلى عدوانها الدورى.

•••

ففى ضوء المتداول إعلاميا عن تفاصيل «الهدنة الدائمة» وباستثناء تمكين الصيادين الفلسطينيين من مزاولة عملهم فى حدود 6 أميال بحرية عوضا عن قاعدة الـ3 أميال التى أجبرهم عليها الاحتلال الإسرائيلى منذ سنوات، أحيلت كافة القضايا المرتبطة بإنهاء حصار قطاع غزة وفتح معابره وبتسهيل حركة الناس والبضائع المختلفة منه وإليه وبإجراءات الدعم المادى والإنسانى إلى مفاوضات لاحقة.

يعنى ذلك، وبموضوعية ودون تقليل غير عادل من دور المقاومة أو استخفاف انهزامى بصمود أهل غزة خلال أيام العدوان الخمسين، أن على حركة حماس وبقية فصائل المقاومة أن تعترف بوضوح بأن أهدافها المعلنة ــ وهى الأهداف المشروعة للشعب الفلسطينى وآمال المتضامنين معه ــ لم تترجم بعد إلى تغييرات حقيقية على الأرض وأن تدرك سريعا احتياجها بشراكة مع الأطراف الفلسطينية الأخرى لممارسة الضغط الفعال على إسرائيل لانتزاع رفع الحصار عن غزة ووقف الإجرام الاستيطانى فى الضفة والقدس وإنقاذ حق تقرير المصير. بل إن على المقاومة وكافة الأطراف الفلسطينية، وعلى الرغم من الكارثة الإنسانية التى ألحقتها آلة القتل الإسرائيلية بأهل عزة الذين استشهد منهم أكثر من 2000 وأصيب منهم الآلاف من الأطفال والنساء والرجال وعلى الرغم من الدمار الرهيب الذى أصاب المقومات المادية للحياة فى القطاع، توخى أقصى درجات الحذر قبل الموافقة على اعتماد مصطلح «إعادة إعمار غزة» كمرادف لتلقى المساعدات الإنسانية والمادية لما قد يحمله من تنازل ضمنى عن تحميل الاحتلال الإسرائيلى المسئولية الدولية الكاملة عن العدوان وتداعياته وقبل المشاركة فى «مؤتمرات لإعادة الإعمار» قد تجبر الفلسطينيين على التنازل عملا عن الحق فى الملاحقة الجنائية لمجرمى الحرب الإسرائيليين وتقديمهم للعدالة الدولية.

يعنى ذلك أيضا أن على المقاومة فى غزة والسلطة الفلسطينية فى الضفة والقدس أن يتحركا فورا لتطوير حكومة الوحدة / حكومة الوفاق إلى شراكة كاملة وتوافق على إستراتيجية للعمل الوطنى تعطى أولوية حقيقية لـ(1) التصديق على بروتوكول روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية والمحدد لنظامها الأساسى بهدف ملاحقة مجرمى الحرب الإسرائيليين، (2) تحفيز الشعب الفلسطينى على الانتفاض سلميا فى الضفة والقدس وغزة ضد الاستيطان والحصار والاحتلال الإسرائيلى ومحاصرته داخليا وكذلك إقليميا ودوليا بمبادرات رسمية وشعبية تستند إلى حالة التعاطف العالمى الراهنة ــ والتى تتناقض مع المحدودية الصادمة للتعاطف العربى، (3) تعليق السلطة الفلسطينية لتعاونها مع سلطة الاحتلال الإسرائيلى الذى اختزلها فى وكيل أمنى والابتعاد عن جولات المفاوضات الوهمية والعبث المرتبط بها وترك المجال للانتفاضة السلمية الثالثة حين تبدأ لاستعادة شيء من التوازن لمعادلات القوة شديدة الاختلال اليوم بين إسرائيل والشعب الفلسطينى ولتجديد دماء وحدة القضية الفلسطينية وجوهرها تقرير المصير والدولة المستقلة وعودة اللاجئين.

أما عربيا ومصريا، فإن المقاومة والسلطة الفلسطينية يحتاجان لتوظيف الكثير من الجهد المشترك لتحييد التداعيات السلبية لوضعية الهوان الرسمى ولتنشيط شبكات التضامن الشعبى مع قضيتهم وتجاوز المحدودية الصادمة لتعاطف الشارع العربى الذى يتجاذبه القلق على مصير الدول الوطنية وتستبيحه إما انتهاكات متكررة لحقوق وحريات المواطن أو فظائع حركات وتنظيمات الإرهاب والتطرف.

•••

أدرك جيدا أن بعض منظومات الحكم / السلطة فى الخليج لم تعد ترى فى القضية الفلسطينية أولوية قومية وربما كان هدفها الرئيسى حين النظر إلى «الأوضاع الفلسطينية» هو احتواء المقاومة وكسرها أو إخضاعها، بينما يوظف حكام خليجيون آخرون «القضية» لخدمة مصالحهم الإقليمية الضيقة. أدرك أيضا جيدا أن مصر الرسمية قصرت دورها أثناء العدوان الإسرائيلى على جهود الوساطة لوقف «الأعمال العدائية»، والعودة إلى التهدئة دون رفع فورى لحصار غزة، ولم تغير موقفها من معبر رفح الذى تواصل رفض فتحه بسيادة مصرية خالصة وتقنين ذلك برقابة أمنية مصرية كاملة أو توجهها السلبى إزاء حركة حماس وبقية فصائل المقاومة. أما خطاب الكراهية باتجاه الشعب الفلسطينى فى غزة الذى روجت له على نحو غير مسبوق بعض دوائر الإعلام الحكومى والخاص، وتبنى الكثير من الكتاب والصحفيين والشخصيات العامة لنقد زائف للمقاومة التى وضعت محل الاتهام «بالتسبب فى الاعتداءات الإسرائيلية بعد حادثة خطف وقتل المستوطنين الثلاثة فى الضفة الغربية (وهو ما نفته المقاومة فور حدوثه ثم أثبتت تقارير إخبارية إسرائيلية وغربية أيضا عدم صحته واتضح أن حكومة بنيامين نتنياهو وظفت حادثة خطف وقتل المستوطنين – وهى مدانة، والإجرام الاستيطانى مدان من قبلها – لشن عدوانها على غزة للضغط على حماس والفصائل الأخرى وللقضاء المبكر على حكومة الوحدة الفلسطينية ولتجديد العقاب الدورى للشعب الفلسطينى كعادة إسرائيل منذ تأسيسها) فقد رتبا تغييب النقاش العقلانى والموضوعى بشأن قضية فلسطين فى المجال العام المصرى، ولم تتبلور حوارات جادة عن السبل الأنجع لمواجهة الاحتلال الإسرائيلى وإجرامه الاستيطانى فى الضفة والقدس وعدوانه المستمر على غزة، وطرق رفع الحصار عن القطاع وكيفية إسهام مصر الرسمية فى ذلك مع ضمان أمننا القومى والجهود الشعبية الفعالة / العاقلة للتضامن الأخلاقى والإنسانى مع شعب يواجه آلة حرب وحشية منذ عقود وقطاع محاصر منذ سنوات ومعرض للموت البطيء حصارا أو الموت السريع عدوانا.

•••

على الرغم من هذا كله، لا يملك الشعب الفلسطينى فى ظل تواصل الإجرام الإسرائيلى واستمرار حالة اللافعل الدولية المعهودة ترف قبول التجاهل العربى الرسمى والشعبى. وإذا كانت منظومات الحكم / السلطة فى الخليج (باستثناء قطر) وفى مصر لا تربطها بفصائل المقاومة الفلسطينية علاقات إيجابية، فإن تطوير حكومة الوحدة / الوفاق مع السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس إلى شراكة كاملة وإستراتيجية معلنة للعمل الوطنى من شأنه أن يقلل من الشكوك ويحد من النظرة السلبية. وإذا كانت ذات منظومات الحكم / السلطة تتداخل فى السياسة الشرق أوسطية على محاور عدة من بينها مواجهة الإرهاب والتطرف والعداء لحركات اليمين الدينى واحتواء النفوذ التركى والإيرانى ومعهما الدور القطرى، فإن الأنجع للأطراف الفلسطينية هو أن تنأى بنفسها وبقضيتها عن لعبة الأحلاف والتحالفات الإقليمية وأن تعلن اقتصار دورها على مقاومة الاستيطان والحصار والاحتلال الإسرائيلى وانتزاع حق تقرير المصير. وإذا كان حكام الخليج ومصر الرسمية يعلنون أن وجهة جهودهم الإقليمية هى لملمة أشلاء الدول الوطنية فى العالم العربى وعدم السماح بتفكك العراق أو سوريا أو ليبيا أو استمرار الانفصال بين الضفة والقدس وبين غزة ومواجهة الفعل الإرهابى والمتطرف المتخطى لحدود الدول (هنا بمعزل تام عن معارضتى للطبيعة غير الديمقراطية لمنظومة الحكم / السلطة فى مصر ولسياساتها فى الداخل)، فإن على الأطراف الفلسطينية أن تدلل على عزمها تجاوز الانقسام بين الضفة الغربية والقدس وبين غزة بالشراكة الكاملة وأن ترتكز فى فعلها المقاوم للاحتلال على العمل من داخل الأراضى الفلسطينية لتحفيز الانتفاضة السلمية الثالثة وتجديد التضامن العربى مع القضية دون ارتماء فى أحضان أحلاف إقليمية على حساب أحلاف أخرى – والخبرة التاريخية للفلسطينيين فى هذا الصدد شديدة السلبية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات