يقدم رفيف دروكر فى مقالته «بلا استراتيجية» (هاآرتس، 28/7/2025)، لبنيامين نتنياهو تساهلًا كبيرًا عندما يصوّره فى دوره المفضل: الكرة التى تُركل بين بتسلئيل سموتريتش والبيت الأبيض؛ الرجل العجوز المنفصل عن الواقع؛ الذى «لم يوقظوه»؛ السياسى الذى يركز فقط على الحفاظ على قاعدته الانتخابية، ولا يهتم بأى شىء آخر. وبحسب وصف دروكر، يطلق نتنياهو التصريحات، ويجرّب الاحتمالات، يتذبذب ويُناقض نفسه، فقط لتمرير الوقت فى المنصب، وهو يدير الحرب بشكل تلقائى: من دون استراتيجية، أو أهداف واضحة.
يبدو هذا الوصف كأنه سلبى وساذج وغير لائق بشخص يصف نفسه بوريث تشرشل وروزفلت، لكنه يفيد نتنياهو لأنه يخفف معارضة قراراته وأفعاله. لا يشكل استغلال الفرص وكسب الوقت دليلاً على غياب الاستراتيجية، بل على تنفيذها عندما تتوفر الظروف المناسبة. داخليا، لم يتراجع نتنياهو لحظة عن خطته بشأن إقامة نظام حُكم فردى من دون ضوابط، حتى لو كانت وتيرة تقدُّمه متقطعة، بحسب الظروف، إلى أن نجح فى تفكيك حركة المعارضة له والمعارضة البرلمانية. إن إيهود باراك محق عندما يقول إننا نعيش حالة طوارئ ديمقراطية، لكن أمله بخروج مليون شخص إلى الشوارع لإسقاط الحكومة يبدو كأنه غير واقعى، بينما يتجاوز نتنياهو المستشارة القانونية للحكومة، ويسخر من القضاة، ويعيّن شخصًا مشبوهًا ومتهمًا بالاغتصاب فى رئاسة لجان مركزية فى الكنيست.
فى الحرب أيضًا، ينتهج نتنياهو اتجاهًا واضحًا يمكن ملاحظته على الرغم من الفوضى والأحداث «المفاجئة»، مثل الاكتشاف أن مَن لا يأكل سيموت جوعًا، أو يصاب بسوء تغذية. فى الشمال والشرق، عملت إسرائيل وفق استراتيجية تم تطويرها وتجريبها على مدار سنوات: تحييد صواريخ حزب الله، ثم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، بمساعدة أمريكية. انتظر نتنياهو حتى تصبح الظروف مثالية ــ أن يتزود حزب الله بأجهزة البيجر المفخخة، وينشر الجيش الإسرائيلى نظام الليزر، ويتغير الحكم فى أمريكا ــ واستغل أخطاء الخصم، إلى أن ضربه فى ظروف قريبة من المثالية.
لكن، بخلاف التخطيط الدقيق فى الشمال، كانت الجبهة الجنوبية تعتمد على الأمل بأن الأمور ستكون بخير، إلى أن وقعت هزيمة السابع من أكتوبر. هذه الهزيمة دفعت نتنياهو إلى اتخاذ القرار الأهم فى حياته السياسية: تدمير المجتمع الفلسطينى فى غزة وتهجيره، عقابًا له على «المجزرة» فى مستوطنات الغلاف، مثلما تُروى النكبة الأولى فى السردية الإسرائيلية على أنها عقوبة للفلسطينيين لرفضهم خطة التقسيم وهجومهم على المجتمع اليهودى. التنفيذ متذبذب والتصريحات مربكة، لكن الأفعال واضحة: «الحكومة تندفع نحو محو غزة»، حسبما قال وزير التراث عميحاى إلياهو. هذا هو «النصر الكامل» الذى وعد به نتنياهو.
مثلما اختلف المؤرخون بشأن ما إذا كانت نكبة 1948 مؤامرة صهيونية، أو نتيجة تطورات عفوية، فإن المؤرخين فى المستقبل سيتساءلون عمّا إذا كان نتنياهو قد خطط للترحيل، أو انساق إليه. سيستند البعض إلى المبادئ الأساسية لحكومته الحالية، التى تقول إن لليهود حقًا حصريًا فى كامل «أرض إسرائيل»، ليؤكدوا أنها كانت استراتيجية مُعدة سلفًا. وسيدعمون موقفهم بالإشارة إلى الاعتداءات وتهجير الفلسطينيين من أجزاء من الضفة الغربية، والتى تجرى بالتزامن مع تدمير غزة. سيشير خصومهم إلى تجاهُل نتنياهو تحذيرات الاستخبارات ومسئوليته عن فشل سنة 2023، ليقولوا مثلما قال دروكر إنه كان مجرد شخص يتخبط وسط الفوضى. هذا النقاش قد يكون مهمًا، لكن الأهم النتائج على الأرض، والتى تكشف عن استراتيجية واضحة، قاسية، وتحمل بصمة نتنياهو الشخصية.
ألوف بن
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية