قلّصت قوات حفظ السلام فى الجنوب اللبنانى (اليونيفيل) نشاطاتها فى هذه المنطقة بشكل كبير خلال الحرب المستمرة منذ العام الماضى بين إسرائيل وحزب الله. وجاء فى تقرير القوة الصادر فى يوليو، والذى يغطى الفترة الممتدة من فبراير إلى يونيو، أنه جرى التبليغ بشأن 25 حادثة استهدفت قواعدها، بما فى ذلك حادثة وقعت فى 30 مارس، وأصيب خلالها أربعة من جنودها. امتنعت اليونيفيل من توجيه الاتهام إلى أى طرف فى هذه الأحداث، واكتفت بالتحذير من احتمال التصعيد.
اليونيفيل بعد حرب لبنان الثانية
تعمل اليونيفيل فى لبنان منذ سنة 1978، لكن دورها تطور مع صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1701، الذى أنهى حرب لبنان الثانية فى سنة 2006، فازدادت مهمات القوة وتوسعت لتشمل نحو 10.000 جندى من 50 دولة، بميزانية سنوية تزيد على نصف مليار دولار. وفى السنوات الأخيرة، وبعد أن ثبت، من دون شك، أن القوة لا تنجز مهمتها الرئيسية فى مراقبة منع وجود حزب الله العسكرى فى الجنوب اللبنانى، واجهت إسرائيل بشكل متزايد معضلة بشأن استمرار عملها. ووفقا للتفويض، كان يُفترض أن تعمل الحكومة اللبنانية، بمساعدة اليونيفيل، على منع وجود أى قوة مسلحة فى جنوب نهر الليطانى، باستثناء الجيش اللبنانى. لكن بمرور السنين، باتت تحركات اليونيفيل مقيدة بشكل كبير، ولم يُسمح لجنودها بالتحرك من دون موافقة من الجانب اللبنانى. وأوضح سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة دانى دانون، فى مناقشة فى مجلس الأمن، أن إسرائيل لا تتوقع من اليونيفيل القتال ضد حزب الله، بل على الأقل، أن تقدم تقارير تعكس الوضع القائم فى الجنوب اللبنانى الذى تُطلق منه معظم الصواريخ فى اتجاهها.
فى ضوء فشل اليونيفيل فى منع وجود حزب الله وترسيخ وجوده العسكرى فى الجنوب اللبنانى، دار نقاش طويل فى الأوساط الإسرائيلية بشأن السياسة الواجب اتباعها تجاه هذه القوة. ويشتد الجدل مع اقتراب موعد تجديد تفويض اليونيفيل فى مجلس الأمن. فمن جهة، هناك من يرى أن وجود القوة الدولية عديم الجدوى، ويجب العمل على إزالتها، أو على الأقل، تقليص وجودها، لأنها لا تؤدى مهمتها، ونظرا إلى أن وجودها يشكل عبئا على إسرائيل؛ إذ يحد من حرية عمل الجيش الإسرائيلى، وبصورة خاصة فى أثناء الحرب.
المحاولات الإسرائيلية لتحسين صلاحيات القوة
سعت إسرائيل، على مرّ السنوات، لتوسيع صلاحيات قوة اليونيفيل لتمكينها من تنفيذ مهماتها، وخلال العامين الماضيَين، حاولت تحسين أدائها وتغيير نمط عملها الراسخ، الذى لم يسمح لعناصر القوة بالتبليغ بشأن التجاوزات الخطِرة الناجمة عن وجود حزب الله فى الجنوب اللبنانى. وفى مناقشة تمديد صلاحيات القوة فى سنة 2022، نجحت إسرائيل فى تضمين تعديل فى نص القرار (القرار 2650 بتاريخ 31 أغسطس 2022) بشأن حرية حركة اليونيفيل. وطُلب فى البند 17 من جميع الأطراف «وقف كافة القيود والتدخلات فى حركة أفراد اليونيفيل وضمان حرية تنقُّل القوة، بما فى ذلك تنفيذ الدوريات، سواء أكانت أُعلنت مسبقا، أم لم تُعلن» (يطالب الأطراف بوقف أى قيود وعراقيل أمام حركة أفراد اليونيفيل وضمان حرية حركة عناصر هذه القوة، بما يشمل السماح بتسيير دوريات معلنة وغير معلنة). لكن فعليا، لم يحدث تغيير جوهرى فى نشاطات القوة بسبب الخوف من ردة فعل حزب الله.
على الرغم من عدم جدوى التغيير، فى أغسطس 2023، ومع اقتراب موعد تمديد التفويض وعزل حزب الله، فإن ممثلى لبنان طالبوا بشدة بإلغاء بند حرية تحرُّك القوات، الذى اعتبره الحزب محاولة لجعل جنود الأمم المتحدة جواسيس لمصلحة إسرائيل. وطالب لبنان بأن يتم تنسيق جميع نشاطات اليونيفيل مع الجيش اللبنانى وتبليغه بشأنها مسبقا، وهدد بسحب طلب تمديد التفويض. وفى النهاية، اضطر لبنان إلى الاكتفاء ببيان عام بشأن ضرورة التنسيق بين اليونيفيل والحكومة اللبنانية، لكنه نجح فى دفع روسيا والصين بشكل استثنائى إلى الامتناع من تأييد صيغة القرار هذا. ظاهريا، كان ذلك بمثابة إنجاز للدبلوماسية الإسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ حافظ القرار فى سنة 2023 على البنود المتعلقة بضمان حرية تحرُّك القوات، لا بل عززها، واشتمل على مطالبة صريحة للحكومة اللبنانية بالسماح لأفرادها بالوصول إلى كافة المواقع اللازمة لإجراء تحقيقاتهم، وإزالة العقبات أمام تحرّكهم، ومنع تعريض القوات للخطر، أو مضايقة أفرادها (قرار مجلس الأمن 2695 بتاريخ 31 أغسطس). ومع ذلك، لم يكن لهذا أى تأثير عملى، وخصوصا بعد 8 أكتوبر 2023.
على الرغم من ذلك، فإنه كان من الواضح أن للبنان (وكذلك للأطراف الغربية الساعية لاستقراره) مصلحة واضحة فى الحفاظ على وجود اليونيفيل، على الرغم من حرب الاستنزاف الطويلة التى دارت بين إسرائيل وحزب الله خلال سنة 2024. وفى 28 أغسطس، قرر مجلس الأمن بالإجماع، وبناءً على طلب الحكومة اللبنانية، تمديد تفويض اليونيفيل عاما إضافيا، إذ كان من المقرر أن ينتهى التفويض فى نهاية ذلك الشهر، ولولا هذا القرار، أو فى حال استخدام حق النقض، لكان على هذه القوة مغادرة لبنان خلال فترة قصيرة. ووفقا للقرار، طُلب من إسرائيل ولبنان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701، وتجنّب التصعيد، والعمل على إعادة الهدوء والاستقرار على طول الحدود، والامتناع عن أى مساس بالقوة الدولية.
دور القوة فى إطار تسوية هادفة إلى إنهاء الحرب
على الرغم من الأداء غير الفعال لليونيفيل، فإن الاقتراحات المطروحة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله تمنحها دورا محوريا، وخاصةً فى ظل الموافقة اللبنانية عليها والاعتراف الدولى الواسع بالقرار 1701 ووجود القوة، وكذلك بسبب الإدراك أن احتمال قبول الأطراف قوة دولية بديلة متدنٍّ جدا. حتى عملية «نظام جديد» التى نفّذها الجيش الإسرائيلى فى لبنان فى سبتمبر 2024 ودخول القوات إلى لبنان، كانت مبادرة الوسيط الأمريكى عاموس هوكشتاين، بالتنسيق مع فرنسا (التى طرحت اقتراحا مشابها)، تتضمن فى مرحلتها الأولى وقف إطلاق النار بين الجانبين وإبعاد التواجد العسكرى لحزب الله نحو 10 كيلومترات عن الخط الأزرق، بالتزامن مع نشر قوات اليونيفيل مع الجيش اللبنانى على طول الحدود، للإشراف معا على تنفيذ القرار 1701 ومنع إعادة اقتراب عناصر حزب الله من المنطقة. لكن مع توسُّع دائرة الحرب، يبدو أن هذا التدبير قد لا يكون كافيا.
الملخص والتوصيات:
إن الكشف عن الوجود الواسع والعميق لحزب الله واستعداداته العسكرية فى المنطقة الواقعة جنوبى الليطانى، يتناقضان تماما مع القرار 1701، ويوضحان بشكل أكبر عجز اليونيفيل عن تنفيذ المهمة التى أُنيطت بها. لقد ثبت أن الصلاحيات والأدوات الممنوحة لليونيفيل غير كافية، وأنها لن تتمكن من الاستمرار فى العمل بالشكل الحالى «فى اليوم التالى» لانتهاء الحرب. فالمشكلة الكبرى فى القرار 1701، ولا تزال، تتعلق بتنفيذ بنوده وفرض الالتزام بها، ولذلك، يجب أن تتضمن أى تسوية لإنهاء الحرب تغييرات ضرورية لخلق واقع أمنى مُحسّن على طول الحدود. وفيما يخص اليونيفيل، هذه هى التوصيات الموجهة إلى إسرائيل:
عدم التنازل عن وجود قوة دولية. ظهرت فى الماضى مقترحات بشأن وجود قوات من جهات غربية (مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا)، لكن يبدو أن احتمال تحقيق ذلك ضئيلة؛ وبالتالى، لا يجب التنازل عن اليونيفيل ما لم يُتفق على قوة بديلة.
مواصلة إبداء الدعم للقرار 1701 كأساس لأى تسوية، نظرا إلى تمسّك لبنان به كأساس لعمليات اليونيفيل. مع ذلك، يجب التوضيح أن هذه التسوية غير كافية، وتتطلب تعديلاً أو ضمن اتفاق، أو تفاهمات جانبية، لضمان تنفيذ القرار.
الإصرار على إنشاء آلية رقابة فعّالة لتنفيذ القرار 1701، بما فى ذلك تعديل صلاحيات اليونيفيل وأدوات الرقابة المتاحة لها (مثل أنظمة تحديد المواقع المتطورة، والطائرات من دون طيار، وأجهزة الرؤية الليلية). كما يجب طلب تقارير مفصلة تُرفع إلى مجلس الأمن، ومراقبة المعابر الدولية للبنان التى تُستخدم لتهريب الأسلحة إلى حزب الله.
دراسة إمكان دمج أكبر لمراقبى قوة «UNTSO» على طول الحدود، نظرا إلى أنهم يتمتعون بمهارات عالية فى التحقق، والمراقبة، والتبليغ. سيتطلب هذا الأمر زيادة عديد أفراد القوة، التى تضم حاليا نحو 51 ضابطا فى لبنان، إلى جانب موافقة الأطراف، بالتنسيق مع الأمم المتحدة (إذ يتيح تفويض القوة ذلك). قد يكون مراقبو هذه القوة أكثر فعاليةً، كونهم ضباطا من ذوى الكفاءة العسكرية العالية.
أورنا مزراحى
معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية