يحل اليوم العالمي للقهوة في مطلع أكتوبر من كل عام للاحتفاء بمشروب يتناوله البشر منذ 500 سنة، غزت خلالها القهوة أرجاء العالم لتهزم قوانين المنع وتتغلب على المشروبات المنافسة، حتى تربعت على عرش المشروبات الأقرب لتحسين المزاج والحصول على النشاط بعد أن توجت مسيرة حافلة بـ5 حروب شهيرة حسمتها القهوة محافظة على شعبيتها بين الناس.
وتسرد الشروق أشهر 5 حروب حسمتها القهوة كمحطات أساسية في رحلة المشروب ذي النكهة المميزة، وذلك نقلًا عن كتب الخطط التوفيقية لعلي مبارك، وعمدة الصفوة في حل القهوة للشيخ عبد القادر الجزيري، وكل شيء عن القهوة لوليام هاريسون، وصحيفة التليجراف البريطانية.
معارك المقاهي في مصر والحجاز
انتشر مشروب القهوة بحسب الشيخ عبد القادر الجزيري من بلاد اليمن لدى أتباع الطرق الصوفية الذين نقلوها لبلاد الحجاز عبر الحج، وإلى مصر عبر دراسة الصوفيين اليمنيين في الأزهر. وبحسب الخطط المباركية استمر بيع القهوة وإنشاء بيوت خاصة لشربها أواخر العهد المملوكي دون اعتراض، حتى أثار أخوان أعجميان مقيمان بالحجاز كلامًا عن مشابهة القهوة للخمر، ما جعل خاير بك المعمار والي الحجاز يحظر بيوت القهوة ويعاقب شاربيها. ولم يكتفِ الأخوان بالحجاز بل سافرا إلى مصر وأقنعا عددًا من شيوخ الأزهر بحرمة القهوة، ما أثار الناس في مصر. لكن سرعان ما عاد المصريون لشرب القهوة، أما الأخوان فكانت نهايتهما الإعدام بقسمهما نصفين في عهد غزو السلطان العثماني سليم الأول لمصر بسبب الفتن التي أشعلاها.
عادت فتاوى تحريم القهوة بين المصريين بعد تحريم الشيخ شهاب الدين الصنباطي الشافعي لها، ما أثار موجة من الاحتجاجات والعنف بين الناس، انتهت بتدخل قاضي القضاة محمد بن إلياس الحنفي، الذي أعد وليمة لشرب القهوة في داره لينتهي الجدل حول تحريمها.
القهوة تهزم نظرية المؤامرة في أوروبا
تعرف التجار الإيطاليون من فينيسيا على مشروب القهوة عند زيارتهم لمصر والشام، ليحضروا حبوب البن معهم إلى إيطاليا وتبدأ القهوة أولى رحلاتها في أوروبا مصطدمة بنظريات المؤامرة لكونها من اختراعات المسلمين رعايا الدولة العثمانية المحاربة لفينيسيا. فبادرت الكنائس المحلية بتحريم القهوة وتسميتها بـ"مشروب الشيطان"، وفق رواية شعبية مشهورة، ليُعرض أمر القهوة على البابا كليمنت الثامن الذي أعجبته القهوة حين تذوقها وسمح بشربها، معتبرًا إياها بديلًا مباحًا مقارنة بالخمور المنتشرة.
القهوة عدوة المرأة البريطانية
دخلت القهوة بريطانيا في القرن الـ17 عن طريق تاجر للبضائع العثمانية اشترى كميات من القهوة وبدأ بيعها، حتى بلغ عدد المقاهي البريطانية 300 مقهى. لكن العادة الجديدة أثارت غضب السيدات لكثرة جلوس الأزواج في المقاهي وإهمال الواجبات الأسرية، لينتشر منشور نسائي عام 1674 يطالب بحظر المقاهي بحجة أنها تجعل الرجال أكثر ميلًا للثرثرة وأقل رغبة في أداء الواجبات الزوجية. ورد رواد المقاهي من الرجال بعريضة تؤكد فوائد القهوة وأهمية المقاهي كبيوت لتثقيف الرجال. ولم يتوقف رفض المقاهي عند النساء، إذ قام الملك تشارلز الثاني بعد سنة من الواقعة بمنع المقاهي، لكن الحظر لم يستمر سوى أيام قليلة حتى عادت المقاهي للعمل.
القهوة تهزم خمور الملك
دخلت القهوة الأراضي الألمانية عبر موانئ بحر الشمال نهاية القرن الـ17 كسائر الدول الأوروبية، ليحصل المشروب الجديد على شعبية واسعة بلغت القصر الملكي، والأخطر من ذلك تفوق القهوة على البيرة، المشروب الشعبي للألمان. وهو ما أغضب الملك فريدريك الثاني الذي أصدر قرارًا بتقييد بيع القهوة عام 1777 بحجة أنها مشروب غير وطني يفسد ثقافة الشعب المعتاد على البيرة، حيث قال إن الجنود كانوا يشربون البيرة لتحقيق النصر في الحروب، فكيف ينتصر الجنود حين يشربون القهوة؟
بالغ فريدريك في تعسفه، حيث خصص فرقة تضم 400 من فاقدي البصر يجوبون الشوارع مستغلين حاسة الشم لكشف المخالفين ببيع القهوة. ولم يمنع فريدريك المقاهي تمامًا، بل جعلها بتصاريح باهظة، ثم ألغى جميع التصاريح إلا لرجال حكومته ليستفيد من عوائد المقاهي عبر احتكارها.
مذبحة الشاي وانتصار القهوة في الساحة الأمريكية
دخلت القهوة الأمريكتين خلال القرن الـ17، ومع ذلك لم تحظَ بشعبية بين الأمريكيين المحبين للشاي لتأثرهم بالثقافة الإنجليزية. لكن شهر العسل لم يدم طويلًا حين ثار الأمريكيون على الحكم البريطاني نتيجة إجراءات تعسفية منها فرض الضرائب على الشاي، لتحدث واقعة "حفل بوسطن" عام 1773 حين اقتحم الأمريكيون سفن الشاي البريطانية وسكبوا عشرات آلاف الأطنان من الشاي في المحيط. ومنذ ذلك اليوم أصبح شرب القهوة واجبًا وطنيًا لمقاطعة الشاي الإنجليزي، ولتصبح القهوة الأمريكية الشهيرة نوعًا منفردًا يعبر عن مدى شعبية القهوة في الولايات المتحدة.