في مشهد مهيب يمتزج فيه الخشوع بالرهبة، تقف ثلاث واعظات مصريات ضمن بعثات الحج الرسمية، يحملن رسالة سامية تتجاوز حدود التوجيه الفقهي، ليقدمن نموذجًا حيًّا للرفق بالحجيج، والدعوة برحمة، والاحتواء بروح مؤمنة.
حنان محمود إبراهيم، واعظة بالأزهر الشريف، تحكي عن بداية رحلتها مع الحجاج منذ لحظة الوصول إلى المطار، حيث تلمح الخوف في أعينهم، ليس خوفًا من السفر، بل من رهبة اللقاء مع الله. وتقول: "كثيرات يسألن عن النية والطواف، لكن ما بين السطور هناك سؤال خفي: هل سيقبلني الله؟".
وتسترجع موقفًا مؤثرًا لامرأة مسنّة كانت ترجف يدها وهي تستعد لرمي الجمرات، فأخبرتها حنان: "ارمِ ما استطعتِ، وارمِ همومك معها"، لتنفجر المرأة باكية قائلة: "أنا جاية أرمي سنين من القهر والظلم". وتعلق الواعظة: "هذا هو جوهر الحج الحقيقي… التخفف من أثقال الروح".
أما سناء محمد عبد الله، المهندسة والواعظة الدينية، فترى أن دورها يتجاوز تصحيح المعلومات إلى بناء النفوس، مؤكدة أن الحج فرصة لإعادة تقديم الإسلام للناس بروحه الرحيمة. تقول: "أشرح للحجاج أن يعيشوا كل لحظة بوعي، لا كأنهم في اختبار، بل كأنها آخر فرصة للوصال مع الله". وتشدّد على أهمية تبسيط الفقه وعدم التشدد: "نقول لهم كما علمنا رسول الله ﷺ: خذوا بالأيسر".
وتنضم إليهما إيناس عمر من جنوب سيناء، التي بدأت رحلتها الدعوية عام 2020، مؤكدة أن أهم ما يحتاجه الحاج هو من يربت على قلبه ويعيد توجيه روحه. تقول: "وسط الزحام والحرارة والتعب، نعلمهم أن الذكر لا يقتصر على العزلة، بل يكون أصدق ما يكون وسط الفوضى".
وتروي موقفًا حين سألتها إحدى الحاجات إن كان من الجائز الدعاء بصوت عالٍ، فأجابتها: "قولي زي ما تحبي.. المهم إنه يكون من قلبك". وتضيف إيناس: "نحن لا نحفظهم أدعية، بل نرافقهم إلى أبواب الله بصدق ورحمة".
بهذه القلوب المضيئة، تؤكد هؤلاء الواعظات أن الرفق بالحجاج لا يكون بالكلمات فقط، بل بالحضور، والاحتواء، والتخفيف، ليبقى الحج تجربة روحانية تُبنى فيها الأرواح، وتولد فيها القلوب من جديد.