يشهد العالم بأسره حرب إبادة جماعية ممنهجة من جانب الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، منذ ما يقارب العامين، أدت حتى الآن إلى استشهاد نحو 65 ألف شخص، وإصابة نحو 170 ألف شخص، بالإضافة إلى نزوح معظم سكان القطاع.
وبالرغم من أن هذه الفترة تختلف عن حقبة الحربين العالمية الأولى والثانية والتي لم يتواجد فيهما مؤسسات المجتمع الدولي الموجودة حاليًا مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي انبثق منها، فإن هذه المنظمات عجزت تمامًا عن إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية، واكتفت مثل سائر الحكومات والدول بقرارات الشجب والإدانة، وحتى القرارات المتعددة التي اتخذت متأخرة من المجلس لوقف إطلاق النار وقف لها الفيتو الأمريكي بالمرصاد، لتظل حبيسة الأدراج.
وخلال جلسة حوارية بعنوان: "إحياء القيادة والتعددية في عصر الصراعات والتفكك" تمّت في إطار منتدى "بليد" المنعقد، في سلوفينيا، انتقد بدر عبد العاطي وزير الخارجية تركيبة مجلس الأمن الحالية قائلًا: "لابد أن نصلح مجلس الأمن وأن يكون هناك تمثيل أفضل للدول العربية والإفريقية والإسلامية"، وشدد على أن إعطاء سلطة النقض (الفيتو) بمجلس الأمن إلى 5 دول فقط لم يعد صالحًا.
فما قصة فيتو مجلس الأمن؟ وما السر في استئثار بعض الدول دون أخرى بحق النقض؟ وهل هناك مقترحات للإصلاح؟، يجيب التقرير التالي على هذه الأسئلة.
متى أنشئت الأمم المتحدة؟
وفقًا للأمم المتحدة، مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، كانت دول العالم منهكة وتتطلع إلى السلام، لذا تم عقد العديد من المفاوضات، مثل مؤتمر دمبارتون أوكس عام 1944، ومؤتمر يالطا عام 1945، وأخيرًا لمدة شهرين في مؤتمر سان فرانسيسكو من 25أبريل إلى 26 يونيو عام 1945 بحضور ممثلي 50 دولة، حيث وضعوا ميثاق الأمم المتحدة ثم وقعوا عليه، والتي كان من المأمول أن تمنع نشوب حرب عالمية أخرى كالتي شهدوها للتو، ومن أهم المؤسسات التي انبثقت منها مجلس الأمن.
مجلس الأمن
وفقًا لموقع" Britannica" تكون مجلس الأمن في بدايته من 11 عضوًا خمسة أعضاء دائمين وهم: الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى 6 أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة لفترة مدتها سنتان، وبعد تعديل ميثاق الأمم المتحدة في عام 1965 زادت عضوية المجلس إلى 15، ليصبح مشتملًا على الأعضاء الخمسة الدائمين الأصليين ، بالإضافة إلى 10 أعضاء غير دائمين.
ما السبب في اختيار الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن؟
عكس مجلس الأمن وأعضائه الخمسة الدائمين هيكل السلطة الذي كان موجودًا في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كان جزء كبير من العالم تحت الحكم الاستعماري.
أزمة الأعضاء الأربعة غير الدائمين والمهمين؟
الأعضاء غير الدائمين المهمين، هم البرازيل وألمانيا والهند واليابان ما يسمى بمجموعة الأربع والتي تسعى إلى الحصول على العضوية الدائمة أو وضع خاص داخل مجلس الأمن.
وكان أحد المقترحات التي قدمتها دول مجموعة الأربع هو زيادة عضوية مجلس الأمن إلى 25 مقعدًا عن طريق إضافة ستة أعضاء دائمين جدد، بما في ذلك مقعد واحد لكل منهم واثنان لأفريقيا.
الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن
يتم اختيار الأعضاء غير الدائمين عمومًا لتحقيق تمثيل جغرافي عادل لقارات العالم، حيث يأتي خمسة أعضاء من إفريقيا أو آسيا، وواحد من أوروبا الشرقية، واثنان من أمريكا اللاتينية، واثنان من أوروبا الغربية أو مناطق أخرى.
يُنتخب خمسة من الأعضاء العشرة غير الدائمين كل عام من قبل الجمعية العامة لفترات مدتها سنتان، ويتقاعد خمسة كل عام، ويتولى كل عضو الرئاسة بالتناوب لمدة شهر واحد.
كيف تحيل أي دولة نزاعًا إلى مجلس الأمن؟
يجوز لأي دولة، حتى لو لم تكن عضوًا في الأمم المتحدة، إحالة أي نزاع تكون طرفًا فيه إلى مجلس الأمن.
ما هي الآليات التي يتخذها المجلس لحل النزاعات؟
- إمكانية التوصل إلى حل سلمي.
- نشر قوات حفظ السلام الدولية لإبقاء الأطراف المتحاربة منفصلة ريثما تُجرى مفاوضات أخرى.
- الدعوة لتطبيق عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية، عند وجود تهديد حقيقي للسلام، أو للسلام، أوأي عمل عدواني (كما هو مُعرّف في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة).
- اتخاذ إجراء عسكري ضد الدولة المُخالفة، إذا ثبت عدم كفاية الأساليب السابقة
التصويت في مجلس الأمن
تُتخذ قرارات المجلس في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة أعضاء.
أما المسائل الموضوعية، مثل التحقيق في نزاع أو تطبيق عقوبات، كالحرب الإسرائيلية على غزة 2023، فإنها تتطلب موافقة تسعة أصوات، بما في ذلك أصوات الأعضاء الخمسة الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) والذي يسمح لأيٍّ من هذه الدول بعرقلة اعتماد أي قرار بشكل منفرد، بغض النظر عن مستوى الدعم الدولي الآخر، كما يجوز للعضو الدائم الامتناع عن التصويت دون المساس بصحة القرار.
ولكن كيف جاء حق النقض (الفيتو)؟
ووفقًا لمنظمة "Better World Campaign" الأمريكية، تعود جذور حق النقض (الفيتو) إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث سعى قادة العالم إلى إرساء نظام دولي جديد لمنع نشوب صراعات مستقبلية، بتفعيل آليات إنفاذ فعّالة، تضمن لدول الحلفاء الكبرى دور حاسم في الحفاظ على الأمن العالمي.
يمنح الفيتو الأعضاء الدائمين حق نقض القرارات، ورغم أن هذا البند صُمم لضمان حفاظ الدول الخمس الدائمة العضوية على السلام، إلا أن تأثير حق النقض (الفيتو) أدى إلى حالة من الجمود الجيوسياسي في السنوات الأخيرة.
كم مرة استخدم الفيتو منذ إنشاء الأمم المتحدة؟
منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، استُخدم حق النقض (الفيتو) أكثر من 300 مرة، أبرزها الولايات المتحدة وروسيا (أو الاتحاد السوفيتي)، وأقلها الصين وفرنسا والمملكة المتحدة.
وكثيرًا ما استُخدم الفيتو مدفوعًا بالمصالح الاستراتيجية لهذه الدول، لا بالإجماع الدولي الأوسع.
الدول دائمة العضوية تستخدم الفيتو لحماية مصالحها الاستراتيجية
1. استخدم الاتحاد السوفيتي حق النقض (الفيتو) مرارًا لمنع انضمام دول أعضاء جديدة اعتبرها متحالفة مع الغرب، وذلك في فترة الحرب الباردة، التي اتسمت بالتنافس الشديد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فيما استخدمته الولايات المتحدة خلال تلك الفترة، لحماية إسرائيل من القرارات التي اعتبرتها ضد مصالح الكيان الصهيوني.
2. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، تراجع استخدام حق النقض (الفيتو) مؤقتًا، لكنه عاد للظهور استجابةً للصراعات في الشرق الأوسط والأزمات الجيوسياسية الأخرى، ومجددًا استخدمته الولايات المتحدة مرارًا لعرقلة قرارات تدين إسرائيل، فيما استخدمته روسيا لمنع التدخل في أوكرانيا.
3. استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد قرارات تهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
4. عرقلت الولايات المتحدة قرارات متعددة لوقف إطلاق النار في غزة بعد حرب 7 أكتوبر 2023 بالإضافة إلى الوقوف ضد قرارات تدين التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.
الانتقادات الموجهة للفيتو
تعرّض حق النقض "الفيتو" لانتقادات واسعة النطاق لتأجيجه الجمود السياسي وحماية المصالح الجيوسياسية للدول الخمس الدائمة العضوية على حساب السلام والأمن العالميين، إذ يعطي للدول القوية الحق بالتصرف دون عقاب، وعرقلة العدالة الدولية، وتقويض مصداقية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والأزمات الإنسانية، على سبيل المثال، عجز مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ إجراءات فعالة في رواندا (1994) وسوريا (2011)، وغزة 2023 حتى هذه اللحظة.
مقترحات لإصلاح الفيتو
توسيع العضوية الدائمة
عكست تركيبة الدول الخمس الدائمة العضوية هيكل القوة لعام 1945، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما اختلفت الحقائق الجيوسياسية الراهنة وتغيرت التركيبة السكانية العالمية، ما دعا قوى ناشئة، مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إلى المطالبة بمجلس أمن أكثر شمولًا، إما بتوسيع العضوية الدائمة أو بتقييد حق النقض.
تجميد الفيتو في جرائم الحرب والإبادة
يتضمن مقترح آخر لإصلاح نظام الفيتو إدخال مبدأ "مسئولية عدم استخدام الفيتو"، الذي من شأنه الحد من استخدام حق النقض في الحالات التي تنطوي على فظائع جماعية، مثل الإبادة الجماعية في غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
تجنب الاستخدام الأحادي للفيتو
يشترط مقترحٌ آخر استخدام حق النقض من قبل عضوين أو أكثر من الدول الخمس الدائمة العضوية ليكون نافذًا، ما يُقلل من العرقلة الأحادية الجانب