تواصل جريدة "الشروق" خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستمدة من كتاب "موسوعة تراث مصري" للباحث أيمن عثمان، والتي تسلط الضوء على المعالم التراثية التي تركت بصمتها في التاريخ المصري. وفي هذه الحلقة، نستعرض كيف انتشرت لعبة كرة القدم في مصر وتأثير الاحتلال البريطاني عليها.
في عام 1882، احتلت بريطانيا مصر، وكان لهذا الاحتلال أبعاد اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية.
من مظاهر هذا التأثير الثقافي انتشار ثقافة المحتل، بما في ذلك الرياضة، مما أدى إلى تراجع الألعاب التقليدية المصرية لصالح لعبة "الفوتبول" المستوردة من بريطانيا، مبتكرة اللعبة
بحسب الباحث، ظل اسم "الفوتبول" مرتبطًا باللعبة حتى نهاية الثلاثينيات، قبل أن يتم تعريبه إلى "كرة القدم" في الأربعينيات. مع استيراد اللعبة، انتقل أيضًا التعصب المرتبط بها، مما أدى إلى ظهور حالات شغب في الملاعب المصرية مشابهة لما كان يحدث في بريطانيا، والمعروف بـ"المرض البريطاني".
عن بدايات اللعبة في مصر، يذكر إبراهيم علام، أول ناقد رياضي في مصر والأب الروحي للصحافة الرياضية، المعروف بـ"جهينة"، في مذكراته أن لعبة "الفوتبول" عُرفت في مصر بعد أن أصبح نظار المدارس الأميرية من الإنجليز، الذين عُينوا من قبل السلطات البريطانية بعد الاحتلال.
احتضن هؤلاء النظار لعبتهم المفضلة وشجعوا الطلاب على ممارستها. اهتمت الدولة باللعبة وقررت جعل مادة التربية البدنية مادة أساسية عام 1896 لمواكبة متطلبات اللعبة من لياقة بدنية.
انتشرت اللعبة أكثر بعد أن نقلها المصريون العاملون في قوات جيش الاحتلال البريطاني إلى الشارع المصري. برز في هذه الفترة نجم اللاعب محمد أفندي ناشد، العامل بورش معسكرات الجيش الإنجليزي في العباسية، الذي كان رائدًا مصريًا في هذه اللعبة.
اشتهر بمهاراته الفردية الفريدة في التعامل مع الكرة، والتي شبهها معاصروه بالسحر. قلده الصبية والأطفال في الشوارع، وحاكوا طريقته في اللعب، مما جعله قدوة لعشاق اللعبة، فزادت شعبيته وشعبية اللعبة معه.
كانت الإشكالية الأولى للمصريين مع "الفوتبول" هي ارتفاع أسعار الكرة والحذاء، حيث وصل سعر كل منهما إلى جنيه مصري، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت لا يقدر عليه سوى الميسورين ماديًا.
اضطر بعض المصريين إلى شراء الكرة ومستلزمات اللعبة المستعملة من العاملين بالمعسكرات الإنجليزية بأقل من نصف سعرها. ولأن الحاجة أم الاختراع، ابتكر عشاق الكرة "الكرة الشراب"، وهي كرة صغيرة كانوا يصنعونها من الجوارب القديمة، حيث يتم حشو الجزء الأسفل المسدود بقصاصات قماش إلى أن تتحول إلى شكل كروي، ثم يقلب عليها الجزء الأعلى من الجوارب طبقة بعد أخرى، ويُحاك طرف النهاية بخيط لتصبح كرة صالحة للعب بها. كانت "الكرة الشراب" أول تحايل مصري على هذه اللعبة لممارستها.
بحسب الباحث، اشتكت العديد من الأسر المصرية من فقدان جواربها من حبل الغسيل بسبب جنون صناعة "الكرة الشراب" وحب لعبة "الفوتبول".
اقرأ أيضا
تراث مصري (4).. المصارعة الحرة قبل 4 آلاف عام