اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية.

وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.

- الحلقة السادسة..

بعد أن استعرضنا في الحلقات السابقة صحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، نقف اليوم مع الكتاب الأخير من كتب السنن الستة، وهو "سنن ابن ماجه"، الذي يُعد من أوسع كتب السنن وأكثرها تنوعًا في موضوعاته، وفقا لما ورد في كتاب "تدريب الراوي" للإمام السيوطي.

- من هو الإمام ابن ماجه؟

هو الإمام محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، وُلد عام 209 هـ في مدينة قزوين (حاليًا في إيران)، ونشأ في بيئة علمية جعلته شغوفًا بجمع الحديث وتصنيفه، كما جاء في كتاب "طبقات الحفاظ" للإمام الذهبي.

رحل في طلب الحديث إلى البصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر، وتتلمذ على يد كبار المحدثين في عصره، حتى أصبح من أعلام الحديث، حسب ما ذكره الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال".

وتوفي الإمام ابن ماجه عام 273 هـ، تاركًا إرثًا علميًا قيمًا في علم الحديث، وفقًا لما ورد في كتاب "وفيات الأعيان" القاضي ابن خلكان.

- ما الذي يميز سنن ابن ماجه؟

يُعد كتاب سنن ابن ماجه من أوسع كتب السنن، إذ جمع فيه أحاديث مختلف الأبواب الفقهية، فضلًا عن كونه احتوى على بعض الأحاديث التي لم تُذكر في بقية كتب السنن، كما ذكر السخاوي في كتابه "فتح المغيث بشرح ألفية الحديث".

- الأبرز

شمولية الموضوعات: يضم "السنن" أحاديث في الفقه، والزهد، والفتن، والتفسير، وفضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، وغيرها، وفقا لما ورد في كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم.

احتواؤه على أحاديث زائدة عن بقية الكتب الخمسة: ففيه ما يقارب 1339 حديثًا لا توجد في باقي كتب السنن، حسب ما ذكره ابن الصلاح في "مقدمة ابن الصلاح".

جمعه بين الصحيح والحسن والضعيف: حيث تضمن بعض الأحاديث التي ضعفها العلماء، لكنه لم يكن يعتمدها وحدها في الأحكام، كما جاء في كتاب "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي.

حسن الترتيب والتبويب: يتميز سنن ابن ماجه بحسن ترتيب الأبواب وسهولة الوصول إلى الأحاديث، وفقًا لما ورد في كتاب "الباعث الحثيث" لابن كثير.

أمثلة من الأحاديث في سنن ابن ماجه

من الأحاديث التي رواها ابن ماجه في باب فضل طلب العلم:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (حديث حسن) ، وفقا لما ورد في كتاب "صحيح سنن ابن ماجه" للألباني.

وفي باب الزهد، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس" (حديث حسن)، حسب ما جاء في كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي.

- ما أهم شروحات سنن ابن ماجه؟

حظي الكتاب بعناية العلماء، ومن أبرز الشروحات:

"مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" للبوصيري، كما ورد في كتاب "كشف الظنون" لحاجي خليفة.

"حاشية السندي على سنن ابن ماجه"، وهو من أشهر الشروحات المعتمدة، وفقًا لما ورد في كتاب "البدر المنير" لابن الملقن.

"عون المعبود شرح سنن ابن ماجه" للعظيم آبادي، حسب ما جاء في كتاب "إرشاد الفحول" للشوكاني.

وبفضل هذه الشروحات، بات سنن ابن ماجه مصدرًا هامًا يستند إليه الفقهاء والمحدثون في استنباط الأحكام الشرعية، وفقا لما ورد في كتاب "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" لابن عبد البر.

اقرأ أيضا
المكتبة الإسلامية (5).. سنن النسائي أدق كتب السنن وأقواها سندا