لم يكن مسلسل "كارثة طبيعية" الذي يتناول قصة زوجين يفاجآن بانتظار خمسة توائم عملًا دراميًا من نسج الخيال، بل كان انعكاسًا لوقائع حقيقية عاشتها أسر مصرية واجهت التجربة ذاتها.
ومع عرض المسلسل، تفاعل معه عدد كبير من المشاهدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم أمهات عشن نفس التجربة، وتحدثن لأول مرة في تصريحات خاصة لـ"الشروق" عن معاناتهن الواقعية ومدى ارتباطها بمشاهد العمل الدرامي.
من بين هؤلاء كانت آلاء الجوهري، مهندسة معمارية من الإسكندرية، تنتمي إلى أسرة مكونة من خمسة توائم، ونرمين سعيد خليل، شابة في الرابعة والعشرين من عمرها، أنجبت قبل أشهر أربعة توائم بنات بعد رحلة حمل شاقة ترويها خلال السطور القادمة.
- قصتان بينهما أكثر من 20 عامًا تجمعهما الصدمة الأولى والقدرة على الصمود
من ملامح الصدمة الأولى وصبر طويل صنع من الفوضى نظامًا، ومن الإرهاق حياة، تروي آلاء الجوهري — ابنة النظام والالتزام — مبتسمة وهي تستعيد تفاصيل طفولتها: "نحن من أسرة متوسطة، والدي ضابط شرطة ووالدتي مدرسة، تفاجأ والداي في البداية لأن الأمر كان نادر الحدوث، ولم يعرفا كيف سيتعاملان معه حينها".
وتضيف ضاحكة: "كنا عايشين كأننا في الجيش، حياتنا كانت تُدار بانضباط يشبه الحياة العسكرية، كنا ننام في التاسعة مساءً، ونستعد للمدرسة في السابعة والربع، ولا مجال للفوضى، فكل شيء كان له موعد ونظام واضح".
ولكي تتمكن والدتها من السيطرة على أطفالها الخمسة، ابتكرت أساليب تربوية ذكية وغريبة أحيانًا كما تروي آلاء: "كانت والدتي تقنعنا أن بابا نويل يراقب سلوكنا طوال العام، وكانت تلك وسيلتها لجعلنا نلتزم دون عقاب".
وتكمل: "بالفعل كانت تنجح هذه الطريقة في السيطرة علينا، حيث كنا نعتقد أنه في رأس السنة سيرسل لنا بابا نويل هدايا. كان والدانا يجهزان كل عام خمس هدايا بخمسة جوابات، يتضمن كل منها رسالة وتقييمًا أخلاقيًا وتعليميًا خلال الأشهر الأخيرة".
وأوضحت أن والديها عملا على ترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات منذ سن صغيرة، قائلة: "كنا ندرس في المدرسة نفسها التي تعمل بها والدتي، فكانت تتابعنا بدقة شديدة. ورغم أنها كانت تعمل، لم تقصّر في تربيتنا، وكانت تعلم أن أي تهاون بسيط سيجعل السيطرة علينا أمرًا مستحيلًا".
تخرجت شقيقتان من كلية الهندسة، وأخرى من كلية الإعلام، بينما يعمل أحد الشقيقين وكيل نيابة، والآخر ضابط شرطة. وتقول آلاء بفخر وامتنان: "استثمر والدانا كل ما يملكان في تعليمنا".
واسترجعت كيف كان يشارك الجيران والأهل والأصدقاء في مساعدتهم خلال طفولتهم، مشيرة إلى أن الحياة لم تكن سهلة، إذ كان والدها يقضي أغلب وقته في الصعيد بحكم عمله، وتحملت والدتها المسؤولية الأكبر.
وعن مشاهد المسلسل، تقول آلاء: "رغم أن العمل عُرض في إطار كوميدي، إلا أن التجربة الحقيقية لم تكن مضحكة على الإطلاق، فمشهد انهيار الأب في المسلسل عندما علم بعدد الأجنة هو أكثر ما يعبر عن حال والدي وقتها كما ذكر لنا".
وتختتم آلاء حديثها بعبارة مؤثرة نقلتها عن والدها: "كان يقول لنا دائمًا: أنا لم أُربّكم، الله هو من رباكم، فلم تكن مواردي تكفي، لكن الله أعاننا".
- نرمين.. أم الأربع بنات
على الجانب الآخر، تروي نرمين سعيد خليل من القاهرة تجربتها التي ما زالت تعيش تفاصيلها يوميًا، فتقول: "كنت أنتظر الحمل بفارغ الصبر، وعندما تأكدت منه بالاختبار المنزلي فرحت جدًا، لكن الأعراض كانت غريبة وغير معتادة".
وتتابع نرمين، التي يعمل زوجها فني تبريد وتكييف: "في البداية ظنت الطبيبة أن هناك ورمًا أو كتلة غير واضحة، ثم تبيّن في مستشفى المطرية أنني أحمل أربعة أجنة. لم يصدق الطبيب وكان يضحك بدهشة، وأنا لا أستوعب ما أراه على الشاشة".
تواصل حديثها قائلة: "مرت الشهور التالية ببطء شديد، يحيط بها الخوف والآلام. تعرضت لإجهاض منذر في الشهر الثالث، ثم صديد على الكلى بسبب ضغط الأجنة، حتى إنني عانيت من اشتباه جلطة في الشهر السابع، وقضيت أغلب فترة الحمل طريحة الفراش أتناول المثبتات ولا أتحرك إلا بمساعدة زوجي".
وفي أحد أيام رمضان فاجأها الطلق دون أن تشعر به، وعندما كانت الطبيبة تفحصها فجأة أعلنت حالة الطوارئ في المستشفى استعدادًا للولادة.
وفي مستشفى الزهراء الجامعي وضعت البنات الأربعة: ليلي، ليندا، مسك، مرام. ولم تكن الولادة سهلة، وزادها صعوبة معاناتها من الوسواس القهري.
وتضيف: "وُضعت اثنتان في حضّانة المستشفى، واثنتان نُقلتا إلى حضّانة الجمعية الشرعية بألماظة؛ لعدم توافر الأجهزة الكافية. وفي النهاية خرجت كل واحدة في موعد مختلف تدريجيًا خلال شهر مايو، وآخر طفلة غادرت الحضّانة في الثالث من يونيو".
تعيش نرمين اليوم بين الفوضى والإرهاق والامتنان، قائلة: "أنا وحدي طوال اليوم معهن، وزوجي يعمل في وظيفتين لتغطية المصاريف. نحسب كل شيء بدقة، من عدد الحفاضات إلى عبوات اللبن. نحاول شراء الأرخص دائمًا، لكن رغم التعب لا أستطيع تخيل حياتي دونهن".
وعن المسلسل توضح بابتسامة متعبة: "ما فعله البطل حين كان يعد الحفاضات واللبن هو نفسه ما نفعله كل يوم. المشاهد كانت واقعية جدًا، خاصة مشاعر القلق والحيرة التي يعيشها الزوجان".
- دراما من الحياة
بين تجربة آلاء الجوهري التي نشأت وسط نظام منضبط رسم ملامح حياتها، وتجربة نرمين سعيد التي تخوض معركة يومية مع الرضاعة والتعب والمصاريف، تتقاطع الحكايتان في معنى واحد: وراء كل صدفة طبيعية - وليست كارثة - أسرة وأم مصرية شامخة، تحول الصدمة إلى صبر، والفوضى إلى حياة، والإرهاق إلى حب لا ينتهي، وأب صبور يعمل طوال الوقت لتوفير الملاذ الآمن.
ورغم اختلاف التفاصيل بين الأمس واليوم، تبقى الحقيقة واحدة: أن الدراما مهما حاولت الاقتراب من الواقع، تظل أقل من طاقة أمّ واحدة تنجب أكثر من طفل وتمنحهم جميعًا الحياة.