** منير حسين، رئيس مكتب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمنستير للأناضول:
- ظاهرة نفوق الأسماك قديمة متجددة وهذا العام وقعت بشكل أكثر حدة
- الظاهرة مرتبطة بالتلوث الكبير في خليج المنستير بسبب إلقاء المياه الملوثة به
** رئيس الغرفة المحلية للنقابة التونسية للفلاحين بصيادة مازن مقديش للأناضول:
- ما حدث أدى إلى إفلاس البحارة في المنطقة ولم تتصل بنا أي جهة لتحددي الخسائر
- نتوقع أن يأتي يوم ويُغلق فيه الساحل بسياج ويكتب عليه منطقة موبوء
يلاحظ المسافر المغادر من مدينة المنستير التونسية (شرق) على الطريق الساحلي لخليج المنستير في اتجاه البقالطة جنوبا وعلى مدى 40 كيلومترا اختفاء الأنشطة البحرية وقوارب الصيد، كما يلاحظ غياب المصطافين في ذروة فصل الصيف.
لا يرى المسافرون على طول الطريق سوى لافتات حديدية كتب عليها "ممنوع السباحة".
قبل نحو نصف شهر، سجلت سواحل ولاية المنستير نفوق أعداد كبيرة من الأسماك وأوضحت الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية (حكومية) في بيان أنّه تمّ إجراء معاينات ميدانية بالمناطق المعنية، وجمع وإتلاف كميات من الأسماك النافقة مع منع وحثّ المواطنين على عدم جمعها واستهلاكها لخطورتها على الصحة .
وقالت الباحثة بالمعهد الوطني للعلوم وتكنولوجيا البحار عفاف الفطحلي، في تصريحات للإذاعة الحكومية إن نفوق كميات من الأسماك بخليج المنستير وتحول لون المياه إلى اللون الأحمر يعود إلى تكاثر كثيف للطحالب المجهرية التي تستهلك كميات كبيرة من الأكسجين.
وأوضحت الفطحلي أن نقص الأكسجين المذاب تحت الماء يتسبب في اختناق الأسماك ونفوقها وتصبح غير صالحة للاستهلاك البشري.
وأضافت أن الخرائط وبيانات الأقمار الاصطناعية بينت ارتفاع درجة حرارة المياه بسواحل المنستير في نفس الفترة إلى جانب اتجاه التيارات البحرية نحو السواحل بدلا من اتجاهها إلى عرض البحر وهو ما جعل الظروف ملائمة لاحتباس الكتل المائية وعدم تجددها.
- ظاهرة قديمة متجددة
وفي الوقت الذي بدت فيه التصريحات الرسمية وكأنها تشير إلى حادث عرضي، رأى رئيس مكتب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمنستير (غير حكومي) منير حسين، أن الظاهرة "قديمة متجددة وهذا العام وقعت بشكل أكثر حدة".
وفي حديث مع الأناضول على شاطئ قصيبة المديوني المهجور، أوضح حسين أن الظاهرة بدأت يوم 16 يونيو/ حزيران الماضي عبر "خروج غازات كريهة الرائحة (هيدرو أوكسيد الكبريتات) من البحر، ويومي 17 و18 من الشهر نفسه انتشرت ظاهرة المد الأحمر بسواحل قصيبة المديوني (إحدى مدن خليج المنستير)".
وأضاف : "امتدت الظاهرة إلى لمطة وصيادة حتى وصلت ميناء صيادة وكانت متبوعة بنفوق عدد كبير جدا من الكائنات الحية، من السمك الكبير مثل القاروس إضافة إلى السمك الصغير".
وتابع: "الظاهرة كانت متبوعة بتفاعلات كيميائية مست قوارب البحارة (الصيادين) وغيرت لون النحاس إلى الأسود وطلاء السفن تحول من الأحمر إلى الأسود وهذا يتطلب إصلاحات".
ولفت إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل مرتبطة بالتلوث الكبير في خليج المنستير.
وأشار إلى أن التلوث في الخليج له سببان أولهما محطات معالجة مياه الصرف الصحي التي تلقي بالمياه المستعملة في الخليج، والسبب الآخر هو المياه الناتجة عن الصناعات الملوِثة التي تُلقى أيضا في مياه الخليج.
وزاد: "منظومات التصرف في المياه المستعملة الحضرية، منزلية وصناعية هي منظومات مدمرة للبيئة وفاشلة لأنها مبنية على خيار واحد هو نقل التلوث من مكان إلى مكان"، على حد تعبيره.
- تدهور الحياة البحرية
وتابع: "هذا الخليج يتلقى يوميا 40 ألف متر مكعب من المياه الملوثة وكان لذلك تداعيات على الخليج، أولها إيكولوجي (بيئي) تمثل في تصحر كبير جدا للنباتات البحرية وخاصة البوسيدونيا ونفوق الأسماك بكل أنواعها وانقراض الكثير منها خاصة الصغيرة التي كانت تعيش على الشواطئ وتناقص كبير في الكثير من الكائنات الحية مثل الأخطبوط والسرطان ."
ووفق حسين فإن "هناك تداعيات أخرى على منظومات الإنتاج، فهذا الخليج يعيش فيه نحو 4 آلاف بحار، 80 بالمئة منهم من صغار البحارة بمراكب وشباك صغيرة".
وأردف: "بسبب التلوث لم يعد البحارة يجدون الأسماك، فاصبحوا بدورهم يلجؤون لتقنيات مدمرة للبيئة، مثل "الدرينة" (شباك صيد تجرها قوارب صغيرة)، واستعمال التقنيات الممنوعة بحثا عن مصادر الرزق".
وزاد: "الكثير من هؤلاء البحارة هجر البحر، وترك هذه المهنة، ومنهم من هاجر إلى إيطاليا، ومنهم من أصبح مهربا للمهاجرين غير النظاميين"، على حد قوله.
ذكر حسين أن التلوث بالخليج أدى لظهور أمراض جلدية وتنفسية لدى البحارة إضافة إلى انتشار مرض السرطان بين الكثير من السكان بالمنطقة.
وأشار إلى أن التلوث أثر أيضا على الآثار ببلدة لمطة الواقعة بالمنطقة وهي بلدة صغيرة من العصر الروماني أغلبها تحت البحر، وأدى التلوث إلى تراكم ترسبات التلوث على تلك الآثار، معتبرا ذلك "جريمة في حق تاريخ البلاد وهويتها".
- حراك اجتماعي
وأشار حسين إلى وجود "حراك اجتماعي" متواصل منذ سنوات في منطقة خليج المنستير يسلط الضوء على ما يجري من "تدمير ممنهج للبيئة" ويطالب بحلول للأزمة.
ووفق حسين تتمثل الحلول "أولا في إيقاف سكب المياه الملوثة في خليج المنستير، وثانيا، الفصل بين المياه الصناعية والمياه المنزلية مع إنشاء محطات خاصة لمعالجة المياه الصناعية في مسار مغلق خاص بالصناعيين ويعاد استعمال هذه المياه في الصناعة مرة أخرى."
وقال حسين إن المجتمع المدني طالب بإعلان حالة طوارئ بيئية في خليج المنستير تكن متبوعة بمجموعة من الإجراءات العاجلة والمتوسطة وبعيدة المدى.
وأضاف: "حالة الطوارئ البيئية تتطلب التدخل من كل الأطراف للنظر في التداعيات الصحية والاقتصادية، فالبحارة لم يعودوا يجدون ما يعيشون عليه. الواحد منهم لا تجد عنده ولو دينار واحد ( 0.33 دولار)."
- الصيادون: أفلسنا
رئيس الغرفة المحلية للنقابة التونسية للفلاحين بصيادة (مستقلة) مازن مقديش، قال إن ظاهرة نفوق الأسماك لا تحدث لأول مرة بالمنطقة "لكن ما حدث هذه المرة كبير جدا ولا ندري متى يعود الصيد".
وأضاف مقديش، وهو صياد أيضا، في حديث مع الأناضول، على مقربة من ميناء صيادة "المهجور" بعد النفوق الأخير: "الأسباب هي التلوّث الذي بدأ حسب البعض منذ السبعينات منذ تم إنشاء معامل النسيج في المنستير".
وأشار إلى أن ما حدث أدى إلى "إفلاس البحارة" في المنطقة.
وتابع: "لم تتصل بنا أي جهة لتحديد الخسائر. فقط تم منع بيع السمك ونحن بدورنا جمعنا بمساعدة البلدية الأسماك النافقة، والآن سنخاطر بدخول الأعماق رغم صغر حجم قواربنا وعدم تجهزها بأي وسائل اتصال واحتمالات الأخطار الكبيرة".
وزاد: "نحن حذرنا من أن البحر يحتضر والعشب الذي تعودنا عليه لم يعد موجودا، إنها كارثة بأتم معنى الكلمة".
وبنبرة يائسة، ختم مقديش حديثه قائلا: "نحن نتوقع أن يأتي يوم ويُغلق فيه الساحل بسياج ويكتب عليه منطقة موبوءة."