• الكتاب يروى تحولات مبارك.. من التواضع إلى التشبث بالحكم
• منتصر تلميذ هيكل الوفى.. ومصطفى أمين العملاق الذى ظلمته السياسة..
• «الديمقراطية فى نظر الرؤساء» مقالة حوّلت اللبس الصغير إلى عتاب كبير من جيهان السادات
• خرج عن دبلوماسيته مرات معدودة منها ما كتبه عن أسباب النكسة
- رؤية صلاح منتصر المتوازنة للسلام والقضية الفلسطينية كانت تماشيًا مع سياسة الدولة
- بدأ حياته الصحفية فى زمن عبدالناصر.. حين كانت الخطب تملأ الميادين بالأمل ورفع رايات الكرامة فى وجه الاستعمار
تستكمل الشروق فى هذه الحلقة ما بدأته من قراءة كتاب «صلاح منتصر.. الإنسان الزوج.. الصحفى المستقل» للكاتبة منى سعيد الطويل، والصادر عن دار الشروق، وتعرض محطات من رحلة الكاتب الراحل وتغوص فى التجربة الفكرية والمهنية له، ومنها: شهادته على «سنوات الانتصار والانكسار» فى عهد الرئيس عبد الناصر، وموقفه العملى من قضايا السلام والتطبيع، مرورًا بشهادته النقدية على سنوات حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وصولًا إلى توثيقه لعلاقاته المعقدة والمتوازنة مع قطبى الصحافة المصرية: محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين. هذه الصفحات ترسم صورة للصحفى الذى آمن بأن الكلمة الحرة هى أعظم انتفاضة، وأن دوره هو قراءة الواقع بعين العقل لا العاطفة.

يرسم الكتاب، فى الفصل الذى حمل عنوان «سنوات الانتصار والانكسار»، لوحة دقيقة لرؤية صلاح منتصر تجاه التاريخ المصرى الحديث ويستشهد بما خطه الراحل فى كتابه «من عرابى إلى عبد الناصر» الصادر عن دار الشروق، إذ يؤكد فى مقدمة الكتاب أنه يكتب التاريخ بروح وطريقة الصحفى وليس كمؤرخ، هذا الاعتراف حدد فلسفته فى الكتابة، وأنها ليست توثيقًا جامدًا للأحداث، بل قراءة حية تنبض بالأسئلة، وتستدعى الماضى لفهم الحاضر.
بدأ منتصر حياته الصحفية فى زمن جمال عبد الناصر، حين كانت الخطب تملأ الميادين بالأمل، والزعيم الشاب يرفع راية الكرامة فى وجه الاستعمار. مثل أبناء جيله، انبهر منتصر بفتنة المشروع القومى الجديد، وبالحلم الذى جمع المصريين على فكرة العدالة والحرية والكرامة. كتب لاحقًا أنه كان واحدًا من ذلك الجيل الذى آمن بعبد الناصر دون نقاش، مستشهدًا بكلمات صلاح جاهين التى عبّر بها عن وجدان الناس حينها، فقال فى بساطة المحب المخلص: «اعمل ما بدالك.. إحنا رجالك»، حيث يرى أن هذه العبارة لخصت علاقة المصريين بعبد الناصر فى أوج مجده؛ علاقة الحب التى لا تعرف الشك، والولاء الذى لا يسأل عن العواقب.
ومع مرور السنوات، بدأ منتصر يرى الفجوة بين الحلم والممارسة، بين الخطاب الكبير والواقع الذى يضيق يومًا بعد يوم. رأى الثورة تتحول من وعدٍ بالحرية إلى نظامٍ يحاصر الكلمة، ثم جاءت هزيمة 5 يونيو 1967، لتتغير معها رؤيته للأمور أكثر فكتب عن ذلك يقول: «جاءت موقعة الخامس من يونيو ٦٧، وتولّيت دون أن أعرف تقديم الأكاذيب للقارئ عن معارك لم تحدث، وطائرات لم تسقط، فى الوقت الذى كانت الحقيقة ترسلها وكالات الأنباء فى الغرفة المجاورة لى، لكن لا أستطيع دخولها بسبب إغلاقها ومنع الاقتراب منها إلا سكرتير الأستاذ. وكانت مصادفة ما بعدها مصادفة عندما تكشفت الحقائق، ما جعلنى أعيد التفكير فى المقدسات التى آمنت بها، وأن أستعيد بعد وفاة عبد الناصر «الوعى المفقود»، الذى عبّر عنه بعبقرية بالغة الكاتب الكبير توفيق الحكيم فى كتابه «عودة الوعى». ورغم هذا، يشهد الله أننى لم أكره عبد الناصر، بل كنت أقول بينى وبين نفسى إننى متغاظ منه؛ لأنه لم يسبق أن أعطى شعب لحاكم ما أعطاه لعبد الناصر، إنه لو أحسن اختيار الوسائل لكانت مصر اليوم رغم الهزيمة فى وضع آخر مختلف».
«يشير الكتاب إلى أن صلاح منتصر خرج عن دبلوماسيته فى الكتابة مرات معدودة، ومنها: ما كتبه عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة للنكسة، فكان يرى أن الصراع العربى هو بداية الطريق إلى النكسة، وأبرز مظاهر هذا الصراع هو التورط المصرى العسكرى فى حرب اليمن. واعتبر أنها حرب الاستنزاف الحقيقية التى أنهكت مصر سنوات طويلة ماديًا وعسكريًا، واستنزفت قدرات إمكانيات شعبها، غير الأخطاء الثقيلة فى قضية الوحدة مع سوريا، كما اعتبر أن علاقة الثقة بين الرئيس عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر كانت أحد أسباب النكسة، بالإضافة إلى ما أسماه جرائم لجنة تصفية الإقطاع بمثابة أخطاء مجتمعية شاسعة، تفاقمت قبل ١٩٦٧، كل تلك الأسباب جعلته يراجع فكرة الزعيم الواحد والمخلص، مؤمنا بأن الأمم لا تُبنى على صوت واحد، مهما كان مخلصًا.
ومع ذلك، لم يتحوّل حبه لعبد الناصر إلى عداء. ظلّ يرى أنه قائد وطنى مخلص دفع ثمن أحلامه، وهكذا رسم صلاح منتصر صورة متوازنة للزعيم الذى أحبه ثم راجعه، احترمه دون أن يقدسه، وانتقده دون أن ينساه. إنها قراءة نقدية تنحاز إلى العقل لا العاطفة، والواقعية لا الأسطورة، وتؤكد أن الصحفى الذى عاش عصر عبد الناصر لم يكن شاهدًا صامتًا، بل شاهدًا محللًا يسعى إلى استخلاص الدرس من التجربة المصرية الحديثة.
تتناول مرحلة شديدة الأهمية فى مشواره الصحفى والفكرى، وهى تلك التى جسّدت رؤيته المتوازنة تجاه قضايا السلام والتطبيع من ناحية، والقضية الفلسطينية من ناحية أخرى.
== مواقف عملية من السلام والتطبيع
يظهر الفصل الذى حمل عنوان «مواقف عملية من السلام والتطبيع» وجه الكاتب الذى ظل مؤمنًا بأن الصحافة رسالة عقل قبل أن تكون سلاح عاطفة، وبأن الموقف الوطنى لا يتعارض مع قراءة الواقع بموضوعية.
يبدأ هذا الجزء بسرد موقفه من زيارة إسرائيل التى قام بها فى إطار عمله بمجلة أكتوبر، فكانت الزيارة كما يصفها النص: «خطوة جريئة جدا»، تمت فى سياق من الانفتاح الذى تلا مؤتمر مدريد للسلام (1991) ومهّد لاتفاقية أوسلو، وسط مناخ إقليمى متوتر انقسمت فيه النخب بين مؤيد ومعارض، مشيرًا إلى أن الزيارة لم تكن نزوة شخصية، بل محاولة لفهم الطرف الآخر من الداخل، ورصد التحولات السياسية فى المنطقة بعين الصحفى لا بعاطفة المناضل.
تبرز الصفحات الصداقة التى ربطت بين الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات وصلاح منتصر والحوار الذى أجراه معه، كما تضمنت النقاط التى تخص قضية السلام بوصفها اختبارًا للعقل العربى، وإيمانه بأن الحوار لا يعنى الخضوع، وأن رفض الحرب لا يعنى التفريط فى الحقوق. فهو كان يرى أن السلام خيار إستراتيجى فرضته الجغرافيا والتاريخ، لكنه ظل يضع الكرامة الوطنية والقضية الفلسطينية فى صلب اهتمامه، معتبرًا أن «سلامًا بلا عدل ليس إلا هدنة مؤقتة».
ظل منتصر وفيًا للقضية الفلسطينية وحق الأرض ومع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، عاد فكتب فى ديسمبر 1989 مقالا بعنوان: «الذين خرجوا من جاذبية الخوف الإسرائيلى.. ولن يستطيع شامير وقف ثورتهم»، وفى هذا المقال، أشار إلى رمزية الحجارة بوصفها أول سلاح صنعه الإنسان بيده دفاعًا عن كرامته، مشيرًا إلى أن الشباب الذين «رضعوا لبن الاحتلال» خرجوا ليكسروا أسطورة الأمن الإسرائيلى ويعيدوا للذاكرة معنى المقاومة.
يكشف هذا الجزء من الكتاب أن صلاح منتصر لم يكن صحفيا مهادنا ولا صداميا، بل عقلًا وطنيًا يسعى للاتزان بين الواقعية السياسية والإيمان بالحقوق التاريخية. كان يرى فى الصحافة مرآة للتفكير لا منصة للشعارات، وفى القلم وسيلةً لإيقاظ الوعى لا لتأجيج الغضب.
إنها صفحات تلخص ضمير جيلٍ عاش الحرب والسلام، الهزيمة والانتصار، وظل وفيا لفكرة أن الكلمة الحرة هى أعظم انتفاضة يمكن أن يشارك بها الكاتب فى وجه الزيف.
وعن ذلك تقول زوجته منى الطويل، مؤلفة الكتاب: «مقالات صلاح منتصر وحواراته عن قضية السلام غنية جدًا بالمواقف الوطنية. والمهم عندى أنه كان لصيقًا فى هذه القضية بمواقف الدولة الرسمية، وتغيرت مواقفه فى اتجاه الصالح العام. كان مؤمنًا بأن بعض القضايا الكبرى، مثل السلام ومقاومة الإرهاب، لا يجوز أبدًا أن نجتهد فيها دون رؤية شاملة، وأن الخروج عن مواقف الدولة ينبغى أن يكون وفق حسابات دقيقة».

«شاهد على سنوات حكم مبارك»
تقدم الصفحات من 227 إلى 231 من كتاب «صلاح منتصر.. الإنسان الزوج.. الصحفى المستقل»، قراءة ثرية لتجربة الكاتب مع حقبة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث تبدأ بمشهد وفاة مبارك فى فبراير 2020، وهو الحدث الذى تزامن مع رحلة علاج منتصر فى لندن، مشيرة إلى مثابرته وأنه لم يكف برغم معاناته عن كتابة مقاله «مجرد رأى»، وأنه فى 27 فبراير كتب رثاءً مؤثرًا للرئيس الذى اقترب منه بأكثر مما اقترب من أى رئيس، وجاء المقال بعنوان «حسنى مبارك»، يحكى فيه عن مواقف جمعته بالرئيس الراحل ومشيرًا إلى أن مبارك كان من أكثر الرؤساء تواصلا مع رجال الصحافة والإعلام والفكر والثقافة والفنون.
تنتقل الصفحات بعد ذلك إلى مرحلة سقوط نظام مبارك، وتبرز ما خطه صلاح منتصر فى مؤلفه بعنوان «كتاب المصرى اليوم» وتقول عنه منى الطويل: «قبل أن أصل إلى الفكرة الأساسية فى الكتاب، أنوه بأنه استعرض برشاقة التحولات التى حدثت مع شخصية مبارك وأسلوب حكمه، وكيف تحول من رئيس بسيط ومتواضع يؤمن بأنه باقٍ لمدد أو مدتين فقط.. وقوله: «الكفن مالوش جيوب»، إلى رئيس يتشبث بالسلطة ويشرف بنفسه على الإجراءات التأمينية من حوله، يوافق على التنصت على التليفونات وأن يكون ثلث الجالسين فى مؤتمراته من لجان الأمن، ولا يكترث للشلل المرورى بسبب مرور موكبه.
وتؤكد أن زوجها شرح فى كتابه السابق ذكره أن محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، والحادث الذى تعرض له موكبه فى بورسعيد فى سبتمبر ١٩٩٥ كان وراء تغيير سلوكه هذا وابتعاده عن الجماهير ولجوئه إلى مزيد من الحماية.
وكشف أن كوادر الجماعة الإسلامية حاولوا ٨ مرات اغتيال مبارك، فى الفترة من ١٩٩١ حتى مايو ١٩٩٧، وأن إحداها كانت محاولة اغتيال عبر أنفاق المجارى المؤدية إلى قصر العروبة الرئاسى!
ويستعيد النص كواليس الأيام الأخيرة قبل تنحى مبارك فى فبراير 2011، عبر شخصية الدكتور حسام بدراوى، الذى كلّفه الرئيس بإدارة شئون الحزب الوطنى بعد انهياره. كان بدراوى، كما يروى منتصر، شاهدًا على لحظات حرجة فى القصر الجمهورى، وحاول إقناع مبارك بتفويض صلاحياته لنائبه حفاظا على سلامة الدولة، لكن المقترحات قوبلت بالمقاومة من الدائرة الضيقة حول الرئيس.
وتظهر الصفحات أن صلاح منتصر تعامل مع سقوط مبارك بمنطق التوثيق لا الشماتة، ساعيًا إلى رسم صورة متكاملة لإنسان عاش مجدا طويلا ثم عجز عن قراءة تحولات الزمن.
فمن «المنصة إلى المحكمة»، كما جاء فى العنوان الفرعى، يمثل رمزية بين زمن النصر فى حرب أكتوبر وزمن الحساب بعد يناير، كما يبرز هذا الفصل إيمان صلاح منتصر بأن الصحافة ليست أداة لتصفية الحسابات، بل شهادة على الزمن. وأنه انحاز إلى أصول المهنة، باحثا عن «المعلومة والوثيقة»، مستنطقًا الشهود لا العواطف. ورغم نقده لمبارك، لم يتخل عن نبرة الاحترام الإنسانى، مؤكدًا أن الحكم على الزعماء لا يكون فى لحظة ضعفهم، بل فى ضوء مسارهم الكامل.
إن هذه الصفحات تكشف عن نضج صلاح منتصر المهنى والأخلاقى، وعن إيمانه بأن الصحفى الحقيقى لا يكتفى بسرد الحدث، بل يقرأه فى سياقه التاريخى والإنسانى، واضعًا بين القارئ والوقائع مرآة تعكس الحقيقة بلا تجميل ولا تحامل.

«الأساتذة هيكل ومصطفى أمين»
يسلط الكتاب فى الفصل الذى حمل عنوان «هيكل أستاذه فى كل المراحل وخلاف سياسى مؤقت ومتفق عليه»، الضوء على علاقة صلاح منتصر الوثيقة بكلٍّ من الأساتذة محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين، وهما اسمان شكّلا قطبى الصحافة المصرية الحديثة. وبين هذين القطبين وقف صلاح منتصر شاهدًا وفاعلًا، تلميذًا وفيًا فى آنٍ واحد، يجمع بين تقدير أستاذه هيكل واعترافه بفضل مدرسة أخبار اليوم التى أسسها الأخوان أمين.
توثق الصفحات علاقة منتصر بـ هيكل، الذى كان أستاذه فى مختلف مراحل عمله الصحفى. منذ أن عمل معه فى آخر ساعة ثم الأهرام، وحتى بعدما غادر الاثنان مناصبهما فى الإدارة الصحفية وتفرغا للكتابة، حيث ظل منتصر يلجأ إليه فى المواقف الصعبة ليستشيره فى قضايا المهنة والسياسة معًا. ورغم ما جمعهما من مودة فكرية، لم تخلُ العلاقة من خلافات مؤقتة، أبرزها خلال الفترة من 1974 إلى 1981، عندما ابتعد منتصر عن هيكل بعد إبعاده عن الأهرام. وقد برر ذلك بأنه لو كان هيكل مكانه لاتخذ الموقف ذاته. هذا التباعد لم يُفسد الاحترام المتبادل بينهما، إذ ظلّ هيكل يقدّر تلميذه، وعادت العلاقة بينهما قوية بعد زوال سحابة الخلاف، خاصة بعد صدور كتاب «خريف الغضب» الذى انتقده صلاح بموضوعية، متسائلا خلاله هل كان هيكل شاهدًا أم شريكًا.
وفى الفصول نفسها، يرصد الكتاب أن منتصر كان قد أعد مشروعًا كبيرًا لتأليف كتاب عن هيكل، لكنه لم يكتمل رغم أنه حصل على وثائق ومراجعات منه شخصيًا، فى دلالة على الثقة المتبادلة بين الأستاذ والتلميذ. كما روى هيكل بنفسه لصلاح كثيرًا من كواليس علاقته بجمال عبد الناصر، وهى شهادات نادرة أكسبت منتصر موقعًا فريدًا بين جيل الصحفيين.
== «عملاق الصحافة.. ضيف فى بيته»
تحت عنوان «مصطفى أمين اعتراف بفضله وهو ضيف فى بيته»، ينتقل السرد إلى مصطفى أمين، ليقدم صورة مغايرة ولكنها متكاملة فى الوجدان الصحفى لصلاح منتصر. فبعدما أفرج الرئيس السادات عن أمين عام 1974، ظل الأخير فى نظر منتصر «عملاقا صحفيا ظلمته السياسة»، ولم يخض فى تفاصيل قضيته أو الاتهامات التى واجهها، بل ركز على إنسانيته ومثابرته. كتب عنه سلسلة مقالات مؤثرة فى زاوية «بلاط صاحبة الجلالة»، تناول فيها مسيرته منذ مولده فى بيت سعد زغلول حتى أيامه الأخيرة فى العناية المركزة، حين كان يصر على كتابة مقاله «فكرة» وهو على سرير المرض.
ورأى منتصر أن مصطفى أمين رغم خصومته التاريخية مع هيكل أسس مدرسة أخبار اليوم التى صقلت جيلًا كاملًا من الصحفيين، بينهم هيكل نفسه الذى لمع اسمه فيها. وهكذا جمع منتصر بين المدرستين: أخبار اليوم الواقعية الشعبية، والأهرام الفكرية التحليلية، ليصنع لنفسه موقعًا ثالثًا يقوم على الاتزان المهنى والضمير الصحفى.
== جيهان السادات وعتاب مبارك.. بين الوفاء والاختبار
تروى منى سعيد الطويل، تحت عنوان «العلاقة مع السادات وزوجته جيهان»، عن مقالات زوجها الراحل صلاح منتصر عن الرئيس محمد أنور السادات، والرثاء الذى كتبه فى وداعه بمقاله الأسبوعى «مجرد سياسة»، ثم نشره لسلسلة مقالات ظهر فيها حبه للرئيس السادات وتوجهاته السياسية.

ويفتح صلاح منتصر، خلال مقال له أرفقته زوجته ضمن الكتاب، نافذة إنسانية على بيت السادات، ويروى قصة التباس صغير تحوّل إلى عتاب كبير، ويمزج بين الصداقة والسياسة فى لحظة تكشف معدن الصحفى حين يكتب عن الحاكم.
كتب صلاح منتصر مقالًا فى عموده اليومى تناول فيه نظرة الرؤساء المصريين إلى الديمقراطية، فذكر أن عبد الناصر كان واضحًا فى موقفه ضدها، بينما كان السادات يتظاهر بها، ومبارك لم يُختبر بعد. لم تكن الجملة سوى تحليلٍ سياسى فى نظر الكاتب، لكنها وصلت إلى السيدة جيهان السادات التى رأت فيها هجومًا على ذكرى زوجها.
يحكى منتصر أنه علم أن جيهان شكت مقالته إلى الرئيس مبارك قائلة إن الصحفى الذى دخل بيت السادات وشارك العائلة ذكرياتها، خان العِشرة وهاجم الزعيم الراحل. وحين عاتب منتصر أقسم له أنه لم يقصد الهجوم، بل أراد تصويرًا موضوعيًا للحقيقة؛ وأنه كان من أكثر من دافعوا عن السادات وقراراته، منذ لحظة زيارته القدس وحتى معارضته لمواقف الوهم والخيال التى سادت بعض الأوساط العربية.
يقول منتصر فى هذا السياق إن مبارك كان يتحدث معه بهدوء وودٍّ، لا بلهجة العقاب، لكنه أراد أن يسمع من الصحفى تبريره بنفسه، وأن يطمئن إلى أن النقد لم يتجاوز حدود الأدب السياسى. وهكذا بدا الموقف كله أشبه بـ درسٍ فى الدقة بين الصحفى والرئيس: الأول يدافع عن حرية رأيه، والثانى يذكّره بمسئولية الكلمة.