يعتبر شهر شعبان من الشهور الهجرية المباركة، فهو شهر يتوسط شهر الله الحرام رجب وشهر رمضان المبارك، ووردت فيه العديد من الأحاديث النبوية الشريفة وكان رسول الله يفضل الصيام فيه لأنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل.
وتعتبر ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة، التي تحمل قيمة روحية عظيمة في قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم، حيث تُعد فرصة للتقرب إلى الله بالدعاء والاستغفار والعبادات.
-ولكن ماذا قال الصحابة والتابعين في فضل ليلة النصف من شعبان؟ ولماذا اهتم العلماء ببيان فضل ليلة النصف من شعبان؟.
أقوال الصحابة في فضل ليلة النصف من شعبان
وفق ما ذكرته دار الإفتاء المصرية في فضل ليلة النصف من شعبان، فقد ذكر الصحابة فضل ليلة النصف من شعبان كثيرا، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "يُعْجِبُنِي أَنْ يُفَرِّغَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي أَرْبَعِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ الأَضْحَى، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ"، كما أورده الحافظ ابن الجوزي في "التبصرة".
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "خَمْسُ لَيَالٍ لَا يُرَدُّ فِيهِنَّ الدُّعَاءَ: لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، وَأَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ" أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه"، والبيهقي في "شعب الإيمان" و"فضائل الأوقات".
-ما روي عن التابعين في فضل ليلة النصف من شعبان
وأما ما روي عن التابعين ومَن بَعدَهُم: فقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عديّ بن أرطأة وهو عامله على البصرة: "أَنْ عَلَيْكَ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ مِنَ السَّنَةِ، فَإِنَّ اللهَ يُفْرِغُ فِيهِنَّ الرَّحْمَةَ إِفْرَاغًا: أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَةِ الفِطْرِ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى"؛ كما ذكره العلامة قوام السنة في "الترغيب والترهيب"، والحافظ ابن الجوزي في "التبصرة".
وعن خَالِد بْن معدَان قَالَ: "خَمْسُ لَيَالٍ في السَّنَةِ، مَنْ وَاظَبَ عَلَيْهِن رَجَاءَ ثَوَابِهِنَّ وَتَصْديقًا بِوَعْدِهِنّ، أَدْخَلَهُ الله الْجَنَّةَ: أَوْلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ يَقُومُ لَيْلَهَا وَيَصُومُ نَهَارَهَا، وَلَيْلَةُ نِصْفِ شَعْبَانَ يَقُومُ لَيْلَهَا وَيَصُومُ نَهَارَهَا، وَلَيْلَةُ الْفِطْرِ يَقُومُ لَيْلَهَا وَيَصُومُ نَهَارَهَا، وَلَيْلَةُ الْأَضْحَى يَقُومُ لَيْلَهَا وَيَصُومُ نَهَارَهَا، وَلَيْلَةُ عَاشُورَاءَ يَقُومُ لَيْلَهَا وَيَصُومُ نَهَارَهَا"، كما أورده أبو بكر الخلال في "فضائل شهر رجب".
وعن عطاء بن يسار قال: "مَا مِنْ لَيْلَةٍ بَعْدَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنْهَا -يَعْنِي لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ- يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ أَوْ قَاطَعِ رَحِمٍ" ذكره العلامة اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة".
-اهتمام العلماء ببيان فضل ليلة النصف من شعبان
وفق لدار الافتاء فقد اعتنى العلماء بهذه الليلة المباركة؛ لما لها من الفضل، وزاد اعتناؤهم بها حتى أفردوا في فضلها وإحيائها وبيان خصائصها أجزاء حديثية ورسائل، منها: "ليلة النصف من شعبان وفضلها" للحافظ ابن الدبيثي صاحب "الذيل على تاريخ بغداد"، و"الإيضاح والبيان لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان" للإمام ابن حجر الهيتمي.
وأيضا "التبيان في بيان ما في النصف من شعبان" للملا علي القاري، و"فضائل ليلة النصف من شهر شعبان" للعلامة سالم السنهوري، و"رسالة في فضل ليلة النصف من شهر شعبان" للعلامة محمد حسنين مخلوف، و"حسن البيان في ليلة النصف من شعبان" للعلامة عبدالله بن الصديق الغماري، و"ليلة النصف من شعبان في ميزان الإنصاف العلمي" للإمام الرائد الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم، وغيرها.
فقد اختصَّ الله سبحانه من من شهر شعبان: ليلةَ النصف منه ونهارَها، وفضَّلهما على غيرهما من أيامه ولياليه، ورغَّبَ في إحيائها، واغتنام نفحها بقيام ليلها وصوم نهارها؛ سعيًا لنيل فضلها وتحصيل ثوابها، وما ينزل فيها من الخيرات والبركات.
وثبت ذلك بنصوص الكتاب والسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين ومَن بعدهم سلفًا وخلفًا، وعليه العمل إلى اليوم.