يُعد وادي النصب بمدينة أبوزنيمة في جنوب سيناء واحدًا من أقدم وأهم مواقع الاستيطان البشري في شبه الجزيرة، بفضل وفرة المياه وتنوع خاماته الطبيعية، خاصة النحاس والمنجنيز وأحجار الفيروز النادرة.
وما يزال هذا الوادي يمثل كنزًا أثريًا يعكس براعة المصريين القدماء في إدارة الموارد الطبيعية ووضع خطط اقتصادية وعسكرية متكاملة وسط صحراء قاحلة.
قال الدكتور مصطفى محمد نور الدين، كبير باحثين بوزارة السياحة والآثار، إن الوادي كان مركزًا رئيسيًا لصناعة النحاس والفيروز منذ عصر الدولة الحديثة، واستمر نشاطه حتى العصر الروماني.
وأوضح أن الموقع يضم ورش صهر وتجهيز للمعادن، وسبائك نحاسية، وأدوات لتشكيل الفيروز، إضافة إلى أفران كانت تعمل بمضخات هواء صناعية متطورة لتلك الحقبة.
وأشار نور الدين إلى وجود أفران أخرى ذات تهوية طبيعية شائعة في عصري الدولة القديمة والوسطى، مؤكداً أن الوادي يحوي مئات الأطنان من مخلفات صهر النحاس، ما يجعله أهم مركز تعدين في جنوب سيناء. كما اكتُشف مبنى حجري ضخم على مساحة 225 مترًا مربعًا يُعتقد أنه كان مقرًا لبعثات التعدين في تلك العصور.
ولم يكن وادي النصب مجرد مقر إداري، بل كان ورشة إنتاج متكاملة تُبرز تقدم المصريين في استخراج وتجهيز المعادن. ويحتضن الوادي نقوشًا ملكية نادرة لملوك عدة عصور، أبرزها نقش الملك مرنبتاح ونقوش للملك أمنمحات الثالث، ما يدل على استمرار النشاط التعديني فيه لقرون طويلة.
وتؤكد الدراسات أن الوادي كان غنيًا بالمياه، ما جعله مؤهلًا للاستيطان الدائم. ويقع في قلب جبال جنوب سيناء الوعرة، ما يجمع بين القيمة الأثرية والجمال الطبيعي، ليصبح وجهة مثالية لعشاق السياحة البيئية والأثرية والباحثين في التاريخ المصري القديم.
ويستمتع السائحون برحلات تستغرق عدة أيام بصحبة أدلاء بدو للتجول مشيًا بين التكوينات الجبلية والكهوف الطبيعية ذات الإطلالات الخلابة، فضلًا عن مشاهدة النقوش الصخرية التي تعود إلى آلاف السنين، لتظل رحلة وادي النصب تجربة فريدة تجمع بين عبق التاريخ وروعة الطبيعة